العدد 4974 - الثلثاء 19 أبريل 2016م الموافق 12 رجب 1437هـ

قصة قصيرة... حبيسة الزجاج

كان الحوض يغلي كأنه قدْر ماء يجتر حصاه فوق موقد مشتعل، ستائر كثيفة من القذارة راحت تلتفح كل جدرانه الزجاجية التي كانت شفافة، فما أبغض تلك الحياة التي جعلتّني أحياها داخل هذا الحوض الضيّق، المياه قذرة وأنت لا تعطي بالاً أبداً أو تجد ما يدفعك إلى تغييرها وتنظيف الحوض إلا عندما يعاتبك أحد أصدقائك... أحد أولئك الذين بمجرد دخولهم غرفتك يبدؤون في الطرْق على جدران الحوض بأصابعهم الغليظة وعلى وجهوهم ابتسامات صاخبة وقحة تصاحبها قهقهات متقطعة، يعتقدون أنني بهلوان أمامهم يتراقص فرحاً بذلك، لا يعلمون مدى حنقي من تلك الطرقات الضوضائية التي يحدثونها.

حتى الطعام تبخل عليّ به، وترمي لي الفتات العفن من بقايا طعامك بدلاً من أن تشتري ما ما لذ وطاب من عند بائع أسماك الزينة الذي جئت إلى محله ذات يوم غابر لتشتريني من عنده. لا أستطيع أن أنسى هذا اليوم عندما امتدّت شبكة البائع الصغيرة لتنتزعني من وسط إخوتي، وليضعني البائع في هذا الحوض الضيّق البغيض، لا أعرف ما هو سر اهتمامك بشراء الحيوانات الأليفة إذا كنت لا تهتم بها؟!، فهذا قطك الأسود الذي يُخيل للناظر إليه من بعيد وكأنه شيطان، هاهو يتضوّر جوعاً ويتلوّى ولا يجد ما يأكله، كم حاول في مرات عديدة سابقة أن يأكلني عندما يقتلعه الجوع من نومه السرمدي اقتلاعاً، لكنك كنت تأتى في الوقت المناسب لتنقذني، حتى عصفورك المغرد... لم أعد أسمع تغريده منذ زمن طويل، ربما قد صار أبكماً نتيجة جوعه وإرهاقه الشديد من تَنقُّله بين أركان قفصه الجاثم على حريته، وميض حزن دفين كامن خلف الأعين الست الحالمة بالحرية تشاركه كل ما هو حيّ في غرفتك.

حبيسة الزجاج... ولا أعرف ماذا يمكنني أن أفعل ألان وأنا أعاني الجوع والإرهاق وقذارة المياه من حولي، أمنياتي في الوصول إلى ما يعرف باسم (البحر) بدأت تزداد يوماً بعد آخر، فلكم سمعت عن الحرية المطلقة التي تحياها أسراب الأسماك فيه، والطعام الوفير والمياه الصافية المتجدّدة، عالم مفتوح ومثالي للحياة.

تزداد الأحلام في مخيّلتي كلما ازداد الجوع وتشدّني خيوطها عنوة لتسرقني من واقعي المؤلم ، أكاد أختنق... أشعر بهزات عنيفة في الحوض... الهزات تزداد... تزداد... فجأة انكسر الحوض وسقطت على الأرض مع قطرات المياه العفنة من حولي، ألهث بشدة في محاولة لالتقاط أنفاسي المتقطعة، لمحت طيف شبح يقترب... ثم وجدت نفسي بين فكي الشيطان الأسود الذي يتضوّر جوعاً هو الآخر، تجلدني سياط أنيابه وتمزقني بلا هوادة، لعل كوني وجبة شهية له يعطيه فرصة في الحياة ليوم آخر جديد قبل أن تخطفه يد المنايا في يوم جوع لاحق!





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 15 | 5:28 ص

      اعجبتني ..
      خالد

    • زائر 14 | 11:27 ص

      الله ينور عليك يا كاتب يا كبير ،،
      شرفت مصر ،،

    • زائر 13 | 11:10 ص

      جميله جدا جدا
      ان شاء الله تكون الفائز

    • زائر 12 | 2:13 ص

      دمت مبدعا ..اخوي احمد
      تعجبني كتاباتك دوما
      ـــــ / محمود

    • زائر 11 | 2:12 ص

      حسيت بالرعب شوي ف اخر القصة
      و تمنيت لو ان القط الاسود لم ياكل السمكة المسكينة
      قصة مشوقة ..

    • زائر 10 | 2:11 ص

      اتمنى لك الفوز .

    • زائر 9 | 2:10 ص

      قصة جميلة ، موفق أخى أحمد
      و الى مزيد من التقدم والرقي ان شاء الله

    • زائر 8 | 5:47 ص

      موفق اخى الكريم ،
      قصة حقا رائعة

    • زائر 7 | 5:46 ص

      قصة جميلة ،، اتمنى التوفيق لكاتبها

    • زائر 4 | 1:26 ص

      أسلوب جميل

    • زائر 3 | 1:12 ص

      اعجبتني الفكره

      ولكن السرد والمصطلحات اقرب لخاطرة من قصه ودمت موفق اخي الفاضل ..

    • زائر 2 | 12:43 ص

      أغلب المشاركات ﻻ تميز بين القصة القصيرة والخاطرة

    • زائر 6 زائر 2 | 5:45 ص

      أرى ان هذه قصة قصيرة فعلا ، وليست خاطرة ، بالرغم من قلة الحوار بها بعض الشئ ، لكنها اقرب نسيبا الى نمط قصصي قريب من السيرة الذاتية ، شعرت ان السمكة المسكينة تحكي سيرتها الذاتية فى قصة قصيرة ،،
      هذا رأيي المتواضع

    • زائر 1 | 11:36 م

      دمت موفقا

      جميل فكره جميله وهذا حال الانسان ايضا

    • زائر 5 زائر 1 | 5:43 ص

      صدقت ، هذا حال الانسان فعلا هذه الايام

اقرأ ايضاً