العدد 4986 - الأحد 01 مايو 2016م الموافق 24 رجب 1437هـ

رئيس «هيئة الشارقة للكتاب» لـ «الوسط»: ثرنا على «الكونكريت»... فأصبحنا مصنعاً للإنسانية

رئيس هيئة الشارقة للكتاب أحمد العامري متحدثاً إلى «الوسط»
رئيس هيئة الشارقة للكتاب أحمد العامري متحدثاً إلى «الوسط»

الشارقة - محمد العلوي 

تحديث: 12 مايو 2017

أرجع رئيس هيئة الشارقة للكتاب أحمد بن ركاض العامري، ما تعيشه إمارة الشارقة من حراك ثقافي، إلى العام 1979، وهو العام الذي شهد «دعوة حاكم الشارقة صاحب السمو الشيخ سلطان القاسمي إلى ثورة إنسانية على «الكونكريت»، حتى أصبحت الإمارة مصنعاً لبناء الإنسان تعليماً وأدبيّاً وفكريّاً».

العامري، الذي كان يتحدث مع «الوسط» خلال إقامة مهرجان الشارقة القرائي للطفل، في الفترة من (20 حتى 30 إبريل/ نيسان 2016)، تطرق إلى توليفة الإمارة في الجمع بين ثنائية القوانين المحافظة وحالة الانفتاح، فقال: «قناعتنا أن محاربة الفكر الظلامي لا تتم ببدائيات القمع والمنع. ننطلق في ذلك من الإسلام بوصفه دين الوسطية والانفتاح والحضّ على التعليم».

وأضاف «نحن على ثقة بأننا نشكل أنموذجاً يحتذى به، فلدينا الأمان والاستقرار الاجتماعي، الثقافي، والفكري»، منوهاً بالدور البارز للعنصر المحلي ضمن حراك الإمارة، وقال: «تحرص الإمارات على توفير المستوى الكريم من المعيشة لشعبها، لتبني الآن وفيما بعد، لمجتمعات قادمة لتحيل شعبها إلى قدوة ثقافية»، وعقَّب «لا تناقض في ذلك، بل نحن أمام توليفة تظهر لنا في نهاية المطاف العنصر المميز».

وفيما يأتي نص الحوار:

تعيش الشارقة، حراكاً ثقافيّاً يبدو محموما، ما هي قصة الإمارة مع الشأن الثقافي؟

- إذا أردنا الحديث عن ذلك، فسنعود إلى المبادئ التي بدأت العام 1979، وآنذاك دعا حاكم الشارقة صاحب السمو الشيخ سلطان القاسمي إلى ثورة إنسانية على الكونكريت، وبناء الإنسان من ناحية الدراسة والتعليم، فأصبحت الشارقة منذ ذلك الوقت مصنعاً لبناء الإنسان تعليماً وأدبيّاً وفكريّاً.

وبعد النجاحات التي تحققت بفضل المعارض الدولية للكتاب، وجهت قرينة صاحب السمو حاكم الشارقة، سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، إلى الاهتمام بالطفل، شعوراً بأهمية هذه الشريحة، فالطفل هو اليافع وهو الشاب وهو الأب والأم والمربي، وهو في نهاية الأمر المجتمع.

وهذا المجتمع يراد له تثبيت القيم والمعايير التي لا تأتي من فراغ، بل يجب أن تنطلق من استراتيجية معينة تتضح من خلال الترجمة للتوجيهات والسياسات.

وفي مهرجان الشارقة القرائي للطفل، سيقف الزائر على الاهتمام بكل التفاصيل، من بين ذلك الكتاب الذي يحكي حلم الإنسان بالوصول إلى القمر وبناء مستوطنة في العام 1656، واليوم نجد تحققاً لهذا الحلم والانتقال إلى حلم الوصول إلى المريخ. وبالنسبة لنا في الامارات، نحن دولة تحلم بالوصول إلى المريخ خلال السنوات الخمس المقبلة، وتناغماً مع ذلك فليس للقراءة والكتابة حد والجميل هنا أن نشير إلى ديننا الحنيف تحديداً حين نزل جبرئيل على سيد الخلق، فقال له «اقرأ»، فقال النبي (ص): «ما أنا بقارئ»، ثم كررها ثانيةً فثالثة بالقول «اقرأ باسم ربك الذي خلق» (العلق: 1).

هنا نلاحظ ان جبرئيل لم يقل للنبي، اقرأ باسم الفقه أو الأصول أو الحديث، بل بالعلم والتجارب، فحين ترى علم الله، وخلق الإنسان هو علم بذاته، كما أن النجوم والبحار والفلك والرياضيات كلها من أنواع خلق الله، سنصل إلى القول إن ديننا وضع الأساس للقراءة، وعبر ذلك يدعونا إلى العلم والمعرفة، تماماً كما هي الكتب السماوية الأخرى.

وإذا نظرنا إلى العلم والمعرفة بحد معين، ووضعنا لها الأطر فلن نصل إلى المستقبل، ونحن عبر المهرجان نؤسس لهذا المستقبل فلا حكر على لغة ولا دين ولا عرق، بل نحن أمام مهرجان يؤسس لفوائد تربوية ولحب القراءة ليس على مستوى دولة الامارات، فمن هؤلاء الأطفال من سينتقل إلى دول أخرى في أخرى في المستقبل، وسيأخذون معهم هذه الفوائد ليغيروا من تفكيرهم.

انطلقتم في العام 1979، وأنتم في الطريق لإكمال 40 عاماً على ثورتكم الإنسانية، فهل لكم أن تضعونا في عن المنجز والطموح؟ ونحن نعلم أن من ذلك الوصول إلى العالمية.

- في الأساس وصلنا إلى العالمية، أما المراكز فهي ليست معايير على اعتبار أن هذه الأخيرة مرتبطة بتحقيق أهداف معينة.

وبالسؤال عما تحقق على أرض الواقع، نشير إلى المهرجان الذي يحتضن أهم وأقوى معرض لرسوم كتب الأطفال على مستوى العالم وهدفه الأساسي الارتقاء بكتب الطفل بغض النظر عما إذا كان المشارك عربيّاً ام أجنبيّاً، فهو معرض عالمي بجميع المعايير والمواصفات، حظي بمشاركة 1380 فناناً من 49 دولة من مختلف دول العالم، تقلص العدد بعد التصفية إلى 300 فنان.

هنا نشير إلى ان العالمية ليست مجرد مسمى، فالمسميات هي في الحقيقة مجانية، ليبقى السؤال عن الأساس الذي تم وفقه تصنيف هذا المعرض أو ذاك، دوليّاً.

بالنسبة لنا، فقد راكمنا معارفنا، حتى بات المعرض الأهم من بين معارض رسوم كتب الأطفال، ما حدا بأقدم المعارض في أوروبا توقيع اتفاقيات للتعاون المشترك، ونحن هنا نتحدث عن معارض يتجاوز عمرها نصف قرن من الزمان، في الوقت الذي لا يتجاوز فيه عمر معرضنا السنوات الأربع وعلى رغم ذلك نحن في دائرة المنافسة، وهو إنجاز على أرض الواقع.

بجانب ذلك، فإن المعرض وفر مساحة للالتقاء والاحتكاك المباشر بين الفنان العربي ونظيره العالمي، وهذا بدوره ساهم في تكوين قاعدة أساسية لصناعة مهمة، وهي رسوم كتب الأطفال، وفي السابق كنا نعيش مرحلة كانت فيها هذه الكتب من أسوأ الكتب الموجودة على مستوى العالم، لكننا اليوم نجد حالة الارتقاء بالكتاب العربي للطفل خصوصاً، وذلك بفضل الجوائز وخلق حالة التحفيز.

احتضن المهرجان 1518 فعالية متنوعة، فهل يؤشر ذلك إلى خطة ممنهجة، أم أننا أمام كم من الفعاليات المتناثرة؟

- بل هي خطة سنوية ممنهجة، تنفذ للمهرجان الحالي، فيما تكون صورة النسخة المقبلة من المهرجان واضحة وبالتفاصيل، بما في ذلك الشعار والهوية والأسماء المقترحة للمشاركة.

ومن المهم الإشارة هنا إلى ما يتسم به المهرجان من زخم إعلامي كبير، وهو زخم لا يقف عند حدود الإمارات، فقبل أيام كان الحدث حاضراً في صحيفة أميركية، وبجانب ذلك يتواجد إعلاميون من دول مختلفة لا تقتصر على المنطقة العربية.

الواضح أن لديكم هدفاً كبيراً، فإلى أين تريدون الوصول؟

- هدفنا وضعه حاكم الشارقة، حين وضع نصب عينيه الثقافة العربية، أين وإلى أين، ونحن نسير على هذا النهج وهذه الاستراتيجية ولا نحيد عن الدرب.

فقبل أسبوعين كنا في لندن وكنا رعاة لـ 19 ناشراً عربيّاً من المحيط إلى الخليج، كما قدمنا عدداً من المحاضرات للتعريف بالثقافة الاماراتية، وقبل أسابيع كنا في مملكة البحرين وقبلها في مصر وفي عمان، في حراك ثقافي متواصل في الخليج والمنطقة العربية، أما عالميّاً، فنراعي تغيير أسلوب الطرح، من بين ذلك مشاركتنا في المكسيك التي كانت فيها هيئة الشارقة للكتاب سفيراً للثقافة العربية، بفضل جهود حاكمها الذي يترأس الوفد ويحرص على التواجد والتوجيه لمضاعفة الزخم وزيادة المساحة لتصبح المشاركة أكثر قوة.

وفي السياق ذاته، فقد هيأت لنا هذه الريادة أن يتم الطلب منا في دول من بينها أميركا، المشاركة للحديث عن الثقافة العربية.

ماذا عن القادم؟ هل تخططون للمزيد من التوسع والوصول إلى الناس في الشوارع والمنتزهات، كما تتحدث المعلومات؟

- في كل مكان... وفي كل ذلك، نحن أمام حراك بزخم كبير نعجز عن اللحاق بكل فعالياته، ومشكلتنا هي في الالتزام بمنهجية معينة ومجموعة معايير لا نحيد عنها، وعبر الهيئة أطلقنا أول كتاب على مستوى العالم بطريقة الواقع الافتراضي وباللغتين العربية والإنجليزية، وقد حظي بإقبال كبير من قبل الأطفال، حيث حرصنا على تضمينه تأريخاً للمؤسس (بابا زايد)، ولحب هذا الوطن.

يراهن الآخرون على «البزنس» والمال والاقتصاد وربما الرياضة، فيما تراهن الشارقة على الثقافة، فما هو دافعكم خلف هذه الحالة الشاذة؟

- أميركا حين غزت العالم، لجأت إلى القوة الناعمة بديلاً للجيوش والأسلحة، والقوة الناعمة هنا هي الفكر والعلم.

ونحن على قناعة تامة بأن محاربة الفكر تتم بفكر آخر، ومحاربة الفكر الظلامي لا تتم بالقمع والمنع. هذه بدائيات كان اللجوء لها حين كان كل شيء مغلقاً وكان ممكناً السيطرة على الشيء عبر منعه، أما اليوم فإن المنع ينتهي بآثار عكسية.

هذه اللغة الوسطية، تقودنا لإثارة انطباعات الزائر للشارقة، بوصفها إمارة قادرة على انتاج توليفة تبدو استثنائية، وهي تجمع ثنائية المحافظة والانفتاح...

- نحن نرى أن الفكر المتطرف هو في تعبير عن غلو، بغض النظر عن ماهية هذا الفكر، والذي يرفع لواء عدم الاستماع للغير والعزة بالرأي، وكل ما هو مختلف فهو مجرم، في الوقت الذي دعا فيه الإسلام إلى الوسطية وقال «لكم دينكم ولي دين» (الكافرون: 6).

هل تطبقون في الشارقة، هذه الرؤية؟

- المسألة ليست في تطبيق رؤية فقط، فالإسلام هو دين الوسطية والانفتاح والحض على التعليم، ورسولنا الكريم (ص) لم تكن دعوته للصلاة أو الصيام أو الوضوء أو الجهاد... بل كانت تتركز في كلمة «أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله)، كانت الدعوة عبر الشهادتين ولا وجود لغيرها.

وإذا كان دينك قد بني على أساس العقائد والتوحيد، فالاشكاليات الأخرى لا ندخل فيها، أما مسائل الغلو وعدم السماح للفكر الآخر وتجريمه، فنحن في غنىً عنها.

في وسط هذه الظروف الصعبة التي تعيشها المنطقة، هل تظهر الشارقة نفسها كأنموذج راقٍ يقرأ الدين بشكله الصحيح؟

- قراءتنا للدين ليست وليدة اليوم، بل هي تمتد إلى 45 عاماً، منذ تولي حاكم الشارقة زمام الأمور، وطوال العقود الأربعة الفائتة وهو يعمل على التأسيس لمعايير معينة حتى أصبحت الإمارة أنموذجاً (توليفيّاً) يحتذى به في الثقافة الناجحة.

لدى الشارقة قوانين بضوابط محافظة، لكن ذلك لم يوقعها في فخ التزمُّت، فكيف تمكنتم من حماية الإمارة؟

- فلسفتنا بسيطة. نقول هذا هو المسجد وهذه هي الصلاة، والمرء يعرف ربه، فالإيمان ما وقر في القلب وصدقه اللسان...

هل ترونها مثالاً للإمارة الفاضلة؟

- الحكم في ذلك نتركه للآخرين، لكننا على ثقة بأننا نشكل أنموذجاً يحتذى به، فلدينا الأمان والاستقرار الاجتماعي، الثقافي، والفكري. ولدينا أفضل الجامعات التي تستقطب الكثير من أبناء الخليج عوضاً عن الذهاب إلى الغرب، حتى تحولت منطقة الجامعات إلى مدينة بعد أن كانت صحراء. وأذكر هنا كيف كانت المنطقة في بداية العام 1986، كانت صحراء، فأطلق الحاكم وعداً ببنائها ما اعتبره البعض في وقتها ضرباً من الجنون، لكننا اليوم نرى تفعيلاً لذلك، ونرى مدينة تضم أكثر من 150 ألف نسمة، منهم المدرسون والطلبة والموظفون، فباتت تعج بالحياة.

الأمر الثاني، أننا نحرص على محاربة الفكر بالفكر، ولا نخرج في ذلك عن الإطار المعقول.

معارضكم وفعالياتكم، بالتأكيد لديكم الأدوات لإنجاحها، وسؤالنا عن العنصر المحلي وموقعه من الإعراب ضمن هذا الحراك.

- من المؤكد أن للعنصر المحلي موقعه الخاص ضمن هذا المجموع المتنوع، وبالنسبة لنا في الامارات فقد أصبحنا نتحدث بلغة مختلفة، بلغة عالمية، وأدواتنا في ذلك هم أبناؤنا، حتى أصبحت الإمارات أنموذجاً يضرب به المثل ليس على مستوى المنطقة وحسب، بل على مستوى العالم، سياسيّاً، اقتصاديّاً، وثقافيّاً.

اليوم نحن رواد لحراك، وهذه الريادة تحتاج لدماء، والدماء بحاجة للاحتكاك مع تجارب أخرى، ونحن نعمل في مختبرات متنوعة لنخرج بمنتج عربي مميز، لا نقول عنه إماراتيّ بل عربي.

الشاب الإماراتي مرفه اقتصاديّاً، وهناك من يسأل: ما الذي سيجذب شاباً مرفَّهاً للكتاب؟ هل تواجهون تحديات بشأن ذلك؟

- في السؤال يكمن الجواب. فهل المعاناة هي الدافع للقراءة ام الرفاهية؟ وفي إرثنا العربي الشعري خصوصاً أبيات شعرية جميلة قالها مرفه، وأخرى قالها من يعاني.

وفي الإمارات، تحرص قيادتها على توفير المستوى الكريم من المعيشة لشعبها، عبر توفير الضمان الاجتماعي، والآن وفيما بعد، تبني لمجتمعات قادمة وقد تعلمت من تجارب الآخرين، ففي فترة من الفترات كانت هنالك شعوب مرفهة لكن أسباب الرفاهية تبخرت لعوامل عدة، أما الإماراتيون الذين كانوا في تلك الفترات يعملون في تلك الدول، فقد تمكنوا اليوم من قلب الآية.

والخلاصة ان الامارات تريد لشعبها ان يكون قدوة ثقافية من خلال توفير الضمان الاجتماعي ومن خلال تدعيم الفكر والثقافة، ولا نرى تناقضاً في ذلك بل نحن أمام توليفة تظهر لنا في نهاية المطاف العنصر المميز.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً