العدد 4991 - الجمعة 06 مايو 2016م الموافق 29 رجب 1437هـ

سمعاً وطاعةً يا مولاي... سنوقف المطر!

سعيد محمد saeed.mohd [at] alwasatnews.com

«أيها القادة والزعماء: إحذروا المبخِّرين والمبجِّلين والمطبّلين والمزورين والمهرجين... إحذروا المنافقين»

الكاتبة اللبنانية أمل زيد

***

يقال والعهدة على الراوي، أن أحد الأمراء خرج في رحلة صيد مع حاشيته، وكان ذلك الأمير يكره المنافقين لكنه يتسلى بنفاقهم، فمر ذات يوم من أيام رحلته على وادٍ بهيج الخضرة والماء، فطاب له المكوث في ذلك المكان للصيد، وأمر أحد حاشيته - واسمه خباب - بأن يأمر الغلمان لنصب الخيام فبادره بالقول: «سمعاً وطاعةً يا مولاي.. إنما نحن رهن إشارتكم». وما هي إلا سويعات حين انتصف النهار حتى هبت ريح عاصفة واضطرب الطقس وتساقط المطر، وكان الأمير مستمتعاً ضاحكاً فهمس إلى أحد خلص أصدقائه بالقول: «أترغب في أن تدرك معنى القلوب الفاسدة؟»، فتبسّم صاحبه وقال: «بلى يا سيدي»، فهتف الأمير مناديا ذلك الرجل وقال له: «يا خباب.. مر غلمانك بأن يكفوا عنا العاصفة ويوقفوا المطر»! فردّ ذلك الخباب بالقول: «سمعاً وطاعةً يا مولاي.. إنما نحن رهن إشارتكم»!

هذه القصة ليس لها مصدر مرجعي في كتب التاريخ والتراث، وإنما هي متناثرة هنا وهناك في بعض المنتديات الإلكترونية، ولعل من ألفها أراد أن يقول شيئاً في زمن يصعب عليه قوله، فنمت تلك القصة من خياله، لكنها هي إذن، سمعاً وطاعةً يا مولاي.. ولربما تكررت هذه العبارة في «ملاحم التعبير» عن الانصياع التام عبر التاريخ، والتسليم المطلق عبر التاريخ والجغرافيا! ولعلها تراكمت عبارةً تلو الأخرى في مسلسلات التاريخ وأفلامه السينمائية ومسرحه ورواياته، وبلا شك، هي ذاتها التي تأتي وتروح في كلمات بعض الشعراء الغنائيين وعلى ألسنة المطربين والمطربات في التعبير عن «الانسداح» تحت أمر المحبوب.

على أن أسوأ أنواع وأنماط و»أرناق» هذه العبارة، هي تلك التي تتداخل فيها مشاعر النفاق مع طبائع الدجل والتملق للرؤساء والأمراء والسلاطين، لا سيما في البيئات التي وجدت في تلك العبارة حصناً منيعاً يقيها نوازل الدهر، حتى وإن كان أصحابها ممن يتولون المناصب الكبرى أو الصغرى، ولا يقومون بأدنى أمانة لواجبهم ومسئولياتهم الوطنية.

سمعاً وطاعةً يا سيدي، لا بأس بها حين تأتي عقب أمر يوجب السمع والطاعة، لكونه يعود بالخير على البلاد والعباد، وهي أيضاً من الروائع حين يأتي أمر الحاكم العادل لنصرة ضعيف، أو لحكم قاضٍ يخاف الله فيحكم بالعدل والإنصاف ليقف إلى جانب المظلوم ضد الظالم، ويصدر حكمه ويأمر من عليه التنفيذ بالتنفيذ، فسمعا وطاعةً. أما أن تبتلي مجتمعاتنا العربية والإسلامية بهذه المقولة وتتعدّد لهجاتها بين «سمعاً وطاعة»، و»تمام يا فندم»، و»تم طال عمرك»، و»لبيك يا مولاي»... في أمور لا تستقيم معها العدالة الاجتماعية ورعاية الرعية والإصلاح والصلاح في المجتمع، فإن قائلها يخدع أول ما يخدع سيده، ويخون أول ما يخون مولاه، ويكذب أول ما يكذب على ولي أمره ونعمته. فليست الخلاصة في عبارةٍ يطلقها اللسان، ولا تخبيء وراءها إلا التنكيل بالناس وإهمال شئونهم وإغلاق المكاتب في وجوههم، والتهرب عن القيام بالمسئولية التي تلزمهم بها مناصبهم، ما يجعل من أمرهم مدعاةً للقبح والتقبيح.

بطانة الفساد والنفاق في مجتمعاتنا العربية والإسلامية اتخذت من ذلك السلوك مصدراً للثراء، فهي تدرك أن الكثير من علية القوم لا يحبون النصيحة ولا الحقيقة ولا من لفّ لفها، وإنما يطربون للمنافقين والمتمصلحين والمطبّلين لأنهم ينزعون بعيداً عن الإتيان بما يكدر صفو هذا المسئول، وكلّما قويت البطانة الفاسدة، كلما تدهورت الدول وتعرّضت أنسجة المجتمعات للتآكل والتناحر والعداوة. وعبر التاريخ، مثلت البطانات الفاسدة موضع إضعاف الدول وأسقطت بعضها، ومما اشتهر عن وصف تلك البطانة بأنها: «داء عضال ما دخلت مهمة إلا أفسدتها، وما امتزجت في قلب دولة إلا زعزعتها، وهي تدني للحاكم خبال الأمور وتحجب عنه صوت الشعوب». المنافقون حولكم.. انظروا حولكم.

إقرأ أيضا لـ "سعيد محمد"

العدد 4991 - الجمعة 06 مايو 2016م الموافق 29 رجب 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 10 | 2:25 م

      حضرتك

      بعد صرت ...!!

    • زائر 9 | 9:26 ص

      وقليل ما هم

      من أقوال و حكم امام المتقين الإمام علي عليه السلام. الضعيف عندي قوي حتى أخذ له الحق و القوي عندي ضعيف حتى اخذ منه الحق. فهل اتخذ امامنا عليه السلام من أشكال هولاء المنافقين والمطبلين اصحاب له ومستشارين. ؟!. حاشاه أمير البلغاء

    • زائر 8 | 7:39 ص

      سمعا و طاعة مولاي ، حاضر سيدي ، تم طال عمرك و تمام يفندم ==> نفاق طرف و استئناس بنفاقهم (عبوديتهم؛

    • زائر 7 | 7:26 ص

      يقول امير المؤمنين علي عليه السلام ما قدرت اغلب الجهلاء ولاكنى قدرت اغلب الاذكياء هؤلاء رضو على انفسهم ان يكونوا عبيد للمال وهم يعرفون انه مصيرهم النار لهادا دمرت الاوطان العربيه قاتل الله الجهل

    • زائر 6 | 7:07 ص

      المشكله وين ؟!

      اللي ماتقدر تفهمه ان اصحاب المناصب والمراكز يعرفونهم انهم مرجفون منافقون ومع ذلك يقربونهم هنا تحتاج لتدخل طبيب نفسي يشرح وين الخلل !!

    • زائر 5 | 2:18 ص

      في الصميم...وليت..... يقطعون دابر المنافقين المدمرين

    • زائر 2 | 11:31 م

      احسنت يا استاد.انها واقعيه فعلا وفى هذا الزمان والمكان ايضا فهل من متعظ؟

    • زائر 1 | 11:11 م

      يقال بأن مؤلف كتاب كليلة و دمنة كتب قصصه عن الحيوانات لأنه كان يخشي غضب السلطان. لذلك نسب القصص الى الحيوانات. في ثقافتنا العريقة هناك الكثير من القصص و الحكايات التي تنقل التجارب و العبر. لكن ليس لدينا من يعتبر. الإنسان بطبيعته يفضل الحديث في أمور توافق و آرائه المسبقة. لذلك كان و لا يزال المنافقون هم المتسلقون في المناصب. لأن يصعب علي المسئول أن يقبل الواقع كما هو و يفضل من يجمله له. هذه الحالة اللاوعية ستستمر في كل العالم بسبب هذا الوضع العقلي و الثقافي للبشر.

اقرأ ايضاً