العدد 4994 - الإثنين 09 مايو 2016م الموافق 02 شعبان 1437هـ

على قدر عطائك... يكن إشراقك

رملة عبد الحميد comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

يقال أن قيمة الإنسان ليس فيما يملك بقدر ما يمنح، في هذه الحياة أصبحت رغباتنا تملأ حياتنا طولاً وعرضاً، بل جعلناها همنا الشاغل كماً وكيفاً، فأخذتنا ممن حولنا، حتى صرنا مسجونين بين قضبان الأنا وحب الذات، وإيثارها عن سواها.

العطاء الذي يحمل فضيلة البذل وشيئاً من التجرد والنبل، جاء بمعنى الهبة، ويقول العرب أجزل العطاءَ أي أوسعه وأكثره، فالعطاء ألا تعيش لنفسك فقط، إذ لا قيمة لعطائك إن لم يكن جزءاً من ذاتك، فهل العطاء أمر جوهري في حياتنا، أم هو ثورة على قلاع الأنا والذات؟ يقول أبراهام لنكولن محرر العبيد والزعيم الأميركي الراحل: «كلما تقدم عمرك ستكتشف أن لديك يدان، واحدة لمساعدة نفسك، والأخرى لمساعدة الآخرين» فإن كنت معطياً فلا تعطي مالا تهواه، فمن النبل أن يكون العطاء من العوز، وأن لا تؤجل العطاء وفي الوقت الذي تريد، فالتأجيل هنا ليس تسويفاً بقدر ما هو هروب، فسليمان الحكيم يوصي «لا تقل لصاحبك إذهب وعُدْ غداً فأعطيك، وهو موجود عندك» فقديما كان الناس يعطون ما يسمى بالبكور، أي أوائل الأشياء، فيُعطي الشخص من أول ثمار شجرة، فهل نعطي أول من راتبنا؟

العطاء ثقافة إنسانية عامة، يشترك فيها البشر، ربما للعامل الديني تأثير مباشر، فتشير جيني هودجسون، المديرة التنفيذية للصندوق العالمي للمؤسسات المجتمعية « إن العطاء على أساس ديني غالباً ما يكون المصدر الرئيسي لعمل الخير في الكثير من البلدان» فالدين الإسلامي شدد على مسألة العطاء والإنفاق والتي تكون مشروطة فيما نحب، ويتضح ذلك في قوله عز وجل (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون). سورة آل عمران / 92، فالبر في اللغة هو المكان المتسع الفسيح المريح الذي يجلب السعادة، وفي التفسير القرآني وفقاً لتفسير السيد الطبطبائي هو إحسان الله وإنعامه، وقيل الجنة.

يقال أن العطاء لا تنحصر نتائجه على المحتاجين؛ بل على المعطين أيضاً، ففي بحث أجرته البروفيسورة إليزابيث دان ونشر في مجلة «العلوم أو سينس» على 630 موظفاً، إذ طلبت منهم معلومات بشأن دخلهم السنوي، وأوجه إنفاقه، ومقدار ما يصرفونه على الآخرين، كما قاست الدراسة مستوى سعادتهم، فتبيّن بحسب نتائج الدراسة ما مفاده «بغض النظر عن حجم الدخل الذي يحصل عليه الفرد فإن أولئك الذين أنفقوا أموالاً على آخرين كانوا أكثر سعادة من أولئك الذين أنفقوا أكثر على أنفسهم». لذا يفسر أحد المعطين سبب سعادته في العطاء: «لا أستطيع أن أرى حياتي من دون عطاء، ولا يمكنني أن أفهم نفسي دونه، مشاعري تغلي عندما أرى مكاناً يمكنني أن أُعطي فيه لأن هذا المكان يشعرني بالسعادة، أرى ذاتي فيه، وأرى ذاتي بالآخرين، لذلك أكون سعيداً...».

ربما يتساءل أحدنا وهل العطاء في المال، فالأنبياء والحكماء جلهم لم يكن يملك مالاً – باستثناء حالات قليلة – لكن تأثيرهم كان أكثر؛ لأنهم كل ما يملكونه من نفس وجهد ووقت وتضحية ومنهج ورؤية حقة في سبيل الخير للجميع، فمن يسخّر نفسه لخدمة الناس ولو حتى بالمقابل إيذاء نفسه بغية الخير لغيره هو قمة العطاء بدون مقابل.

فعلى قدر عطائك يكن إشراقك، فالشمس تشرق بعطائها على الجميع وقلّ أن تعتذر يوماً.

إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"

العدد 4994 - الإثنين 09 مايو 2016م الموافق 02 شعبان 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً