العدد 5006 - السبت 21 مايو 2016م الموافق 14 شعبان 1437هـ

سياسة «العَضِيد» و«العَضِيض» في صراعات جنوب آسيا

قبل أيام زار الجنرال راحيل شريف رئيس أركان الجيش الباكستاني العاصمة الصينية بكين في زيارة رسمية استغرقت يومين. وكان مكتب العلاقات العامة في الجيش الباكستاني قد أصدر بياناً قبيل الزيارة قال فيه إن الجنرال شريف سيعقد خلال زيارته تلك «سلسلة من الاجتماعات مع كبار القادة السياسيين والعسكريين الصينيين».

وقد زار الجنرال شريف المقر العام للجيش في بكين، والتقى مع نظيره الصيني الجنرال لي زوشينغ، حيث بحثا مسألة «تنمية التعاون العسكري والدفاعي بين» البلدين، وكذلك «تبادل المعلومات الاستخباراتية وأمن الممر الاقتصادي الباكستاني - الصيني» ما يشير إلى عمق العلاقة القائمة بين البلدين، والتي بدأت تأخذ أشكالاً متعددة من سياسية واقتصادية إلى عسكرية كذلك.

تعود العلاقات الباكستانية الصينية إلى العام 1951. وقد احتفل البلدان مؤخراً بمناسبة مرور 65 عاماً على بدء علاقاتهما الدبلوماسية. وقبل يومين قال الرئيس الباكستاني ممنون حسين إن بين باكستان والصين توافقاً في الرؤى «حول القضايا الدولية والإقليمية» بينما قال رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف إن الصين بلدٌ «حميم وشريك هام».

الحقيقة أن العلاقة التي تجمع باكستان بالصين تحكمها التوازنات القائمة في منطقة جنوب آسيا منذ عشرات السنين. وأهم توازن في تلك المنطقة هو أكبر عمق جغرافي وكتلة ديمغرافية وثقل سياسي واقتصادي والمتمثل في الهند. بينما تبقى دول كالنيبال وبنغلاديش وبوتان وميانمار وسيرلانكا، والبحار المحيطة كخليج البنغال مواقع تأثير متبادل رغم أن الغلبة فيها للهند أكثر من باكستان لأسباب عدَّة تعود في أغلبها إلى الوشائج الهندية الثقافية القديمة بهذه المنطقة.

أما الصين والهند فإنهما تتنافسان على هذه المنطقة وما بعدها لاعتبارات عدَّة من بينها تنافس الهامشيْن الدينييْن البوذي (في الصين) والهندوسي (في الهند) واللذين ينسحبان على دول الجنوب الآسيوي. إلاَّ أن التنافس الحقيقي هو سياسي واقتصادي يتحكم في تلك العلاقة أساساً بهدف تعميق النفوذ على دول الجنوب وبالتالي التحكم في الممرات التجارية وحصص التبادل الاقتصادي.

هذا الأمر جعل كلاً من الهند والصين لأن تبحثا عن شركاء نكاية بالآخر. فالصين تندفع نحو باكستان غريمة الهند، والأخيرة تندفع باتجاه اليابان غريمة الصين. بينما تبقى أفغانستان منطقة نفوذ متبادل، وإيران نقطة توازن للانفتاح على غرب آسيا. وأمام ذلك الصراع تتشكل مصالح سياسية واقتصادية جديد ترى باكستان فيها فرصة كي تضبط حركة الصراع مع الهند حول كشمير.

وعلى أثير ذلك أسس الجانبان الباكستاني والصيني لشراكة استراتيجية قوية جعلتهما قوة أساسية في وجه الهند. لقد منح الباكستانيون تسهيلات عسكرية واقتصادية كبيرة للصين جراء ذلك التحالف. وبات للصين حضور في المناطق المحاذية لكشمير والممرات الضيقة التي تصل البلدين. كما تعاونت إسلام آباد مع بكين لضبط نشاط الإيغور الانفصاليين المعارضين للصين.

وقد أصبح الطريق التجاري الذي يمر عبر البنجاب من أهم المشاريع الاقتصادية التي اشترك فيها الجانبان. وتأمل الصين أن ينقلها هذا الخط إلى جوادر وكراتشي (كما فعلت مع إيران عبر معبر سرخس) كتنويع لممرات نشاطها التجاري بدل الاعتماد على المحيط الهندي الذي تمر من خلاله 70 في المئة من تجارة النفط العالمية، وتتنافس حوله مع دلهي التي تصلها من خلاله (مع الصين) أغلب واردات النفط.

إن العلاقات الباكستانية الصينية تتعزز أكثر وفقاً للعلاقات الطردية القائمة في الخلاف الباكستاني الهندي، والصيني الهندي. وهو أمر يدفع الهند إلى تعزيز علاقات مشابهة مع دول أخرى في جنوب آسيا على أثير الخلاف الياباني الصيني والأميركي الصيني. وهو تنافس يجذب إليه اليابان من أقصى الشرق والولايات المتحدة من أقصى الغرب، الأمر الذي يزيد من حِدَّة التنافس الإقليمي هناك ويجعله أكثر تعقيداً.

العدد 5006 - السبت 21 مايو 2016م الموافق 14 شعبان 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً