العدد 5007 - الأحد 22 مايو 2016م الموافق 15 شعبان 1437هـ

«لافتات تسبق نهاية العالم» لهيريرا «أفضل كتاب مُترجم»

يوري هيريرا - أنجليكا فريتاس - كلاريس ليسبيكتور
يوري هيريرا - أنجليكا فريتاس - كلاريس ليسبيكتور

شهادات الكبار على عمل إبداعي، تمنحه أفقَ اعتراف وتقدير، وتتيح له تكريس علامة يظل أثرها حاضراً كلما أتيح لآخرين أن يطرقوا الموضوعات... الثيمات... القيم نفسها. الروائي المكسيكي يوري هيريرا، وروايته «لافتات تسبق نهاية العالم»، التي فازت بجائزة أفضل كتاب مُترجم، بالحدود التي طرقتها وتبدو كشفرات، أتاحت له الفوز بالجائزة.

«لافتات تسبق نهاية العالم»، على رغم صفحاتها القليلة، وفصولها التسعة، إلا أنها تُقدِّم سفْراً في الاغتراب، بكل ما يحويه من أذى مقيم، وتبعات جارحة.

هي روايته الأولى التي يتم ترجمتها إلى الإنجليزية، وقليلة هي الأعمال العظيمة التي تأتي مفتتح حضور صاحبها في العالم الواسع؛ وخصوصاً حين تتناول قضايا تبدو مطروقة من قبل، لكنها تأتي بمعالجتها، والزوايا التي تتناولها وكأنها فتْح في هذا المجال.

لم يكفَّ النقاد عن منحها الكثير من المديح، لأنها أحدثت فارقاً. كأنها مُفتتح نظر أيضاً بالموضوعات التي عالجتها (الاغتراب) ليس في المكان وحده، بل ما يتبع ذلك من اغتراب روح وقدرة الحفاظ على ما تبقى فيها من شظايا. الرواية التي صدرت طبعتها الأولى في إسبانيا العام 2009، نالت من المديح في طبعتها الإنجليزية الكثير، ومن كتَّاب وأسماء كبيرة في الفضاء الروائي العالمي، من بين أولئك الروائي الأميركي فرانشيسكو جولدمان الذي رأى في هيريرا «أعظم روائيي المكسيك»، لأنه الأول من بينهم الذي نال الجائزة المذكورة، وليس على مبعدة من جولدمان، في تشخيص العالم الروائي لهيريرا، تأتي رؤية لانس إدموندز، بشأن الأدب الذي من المفترض به أن يكون عظيماً، والدور المنوط به، بذلك الحدس الشعري «إزاء المواقف الأليمة»، ضمن عالم وحيوات تمعن في تعقيداتها، والديناميكية التي تسير عليها، بما يتجاوز الخيال البشري.

سيان كاين، من صحيفة «الغارديان»، وتقرير كتبته يوم الخميس (5 مايو/ أيار 2016)، تناول جوانب من الأعمال الفائزة، مضيئاً فنياتها، إلى جانب تناولات للصحيفة من خلال تقارير متعددة، ورؤية بعض المحكِّمين لبعض تلك الأعمال. هنا جوانب من التقرير وغيره من تقارير وإضاءات على تلك الأعمال.

السرْد الشعري

بالأسلوب الخبري، تبدأ سيان كاين تقريرها، بفوز هيريرا، ومترجمة روايته ليزا ديلمن، بجائزة أفضل كتاب مُترجم، بقدرة الرواية على لفت انتباه لجنة التحكيم التي رأت في رواية «لافتات تسبق نهاية العالم»، الأكثر استحقاقاً للفوز بالجائزة المرموقة.

ويشير التقرير إلى أن الرواية التي تميَّزت بسرد شعري ونثر لافت، تحكي قصة امرأة شابة (ماكينا)، تركت وراءها كل ما تملك وترتبط به حسياً، في محاولات عبور حدود المكسيك إلى الولايات المتحدة، بحثاً عن أخيها. في رحلة محفوفة بالمخاطر، حاملة معها رسالة من أمها، وشحنة من المخدرات إلى أحد قادة العصابات، حيث عالم الجريمة السفلي، مقابل المرور الآمن عبر «ريو غراندي».

نقف على إشادة أخرى في صحيفة «الغارديان» من خلال مراجعة مايا جاغي، التي قالت عنها بأنها «ثرية ورائعة، رواية مُرهفة» تعمل «على عديد من المستويات».

الرواية جاءت في 114 صفحة متضمنة تسعة فصول، من بينها معبر الماء، المكان الذي تتلاقي فيه التلال، المكان الذي تجرح فيه الرّيح كسكّين، المكان الذي ترفرف فيه الرّايات، الأفعى المتربّصة، وغيرها من الفصول.

وفي الوقت الذي أشاد فيه عدد من النقاد بالرواية على عدة مُستويات، رأت اللجنة المُحكِّمة أن الرواية تُحرِّك المشاعر بشكل جارف، وترصد مُعاناة المُهاجرين، والمرارة التي يشعرون بها في عالم تُقام فيه الأسوار بين الشعوب.

وفي تصريح لصحيفة «الغارديان»، أشاد هيريرا بمهارات الترجمة لدى ديلمان، قائلاً: «ليزا استعدَّت للترجمة بالطريقة التي تستعد فيه لسباقات الماراثون، مع العلم بأن المهمة بدت وكأنها مستحيلة بداية الأمر، ولكنها تفوَّقت عليها. تقرأ بعناية، وتطرح الكثير من الملاحظات، ومن ثم تتخذ القرارات الصحيحة... المُترجمون يستحقون من الاعتراف أكثر من ذلك بكثير، وبطبيعة الحال، يستحقون أن يُدفع لهم أكثر بكثير مما يتقاضون».

صناعة الصوت المبهر

من جانبه أشاد المُحكِّم جيسون غرَنباوم أيضاً بترجمة ديلمان، قائلاً إنها، صنعت صوتاً مُبهراً باللغة الإنجليزية. هذه الرواية هي شجن حقيقي، وانزياح فجائي في النفْس والمكان واللغة، وتقدِّم تقارباً فنياً يبدو كاملاً بين المترجمة والمؤلف، وتمنح القرّاء حكاية مُلحَّة من عالم اليوم الذي يُقيم الجدران.

إقامة الجدران تلك وإعلاؤها في عالم اليوم، هو الذي يجعل الاغتراب القسري، وبالشروط التي توسِّع الفجوة بين حركة التنقل، والواقع المزري والشرس الذي يعيشه بشر لا يمكن إحصاؤهم، وتقصِّي ظروفهم بتلك السهولة التي يتوهَّمها كثيرون.

الشهادات تتوالى، مقدِّمة قيمة هذا العمل الملفت إلى العالم، سواء من خلال لغته الرهيفة، باتخاذها الشعر أداة من أدوات السرْد، أو من خلال جدارة العمل نفسه باستحواذه على اهتمام من قبل النقَّاد والروائيين والمحررين الأدبيين في الصحف العالمية الكبرى، وهنا نقف على ما كتبته الروائية المكسيكيّة فاليريا لوسيلي عن هيريرا، حيث أوردت بأن هريرا لابد أن يكون عمره ألف سنة، وبلغة شعرية حادة على متاخمة مع التهكُّم اللذيذ، تقول: «لابد أنه قد ذهب إلى الجحيم، وإلى الجنّة، وعاد أدراجه منهما». وفي تعدُّد الخلق والمصائر والأثر. المعنى واللامعنى. التفسير أو عدمه تقول، بأنه حتماً كان فتاة... حيواناً... حجراً... صبياً، وامرأة. كل ذلك يغلق إمكانات تفسير المدى الذي هو عليه في وعيه ومدى بصيرته. من بين ذلك قالت، بألَّا شيء آخر يمكن أن يفسر كل إمكاناته تلك.

هيريرا هو أول مؤلف باللغة الإسبانية يفوز بجائزة الرواية التي تُقدر قيمتها بنحو 10 آلاف دولار أميركي، ما يعادل 7 آلاف جنيه إسترليني، والتي ذهبت قيمتها - بالتساوي - إلى الكاتب والمترجم، ضمن قائمة قصيرة ضمت عدداً من النجوم الكبار في عالم الأدب مثل: الكاتبة الإيطالية الأكثر مبيعاً إيلينا فيرانتي، وكاتبة القصة القصيرة البرازيلية كلاريس ليسبيكتور.

يُشار هنا إلى أن يوري هيريرا، حاصل على الدكتوراه في العلوم السياسية من الولايات المتحدة، ويمارس حالياً التدريس في جامعة أورليانز، إلا أنه يكتب باللغة الإسبانية. له ثلاثة أعمال روائية سبقت عمله الفائز «لافتات تسبق نهاية العالم»، وهي الوحيدة التي يتم ترجمتها إلى الإنجليزية.

مخفوق ريلكه

في سياق الجائزة نفسها، وفي حقل الشعر، فازت الشاعرة البرتغالية أنجليكا فريتاس ومترجمتها هيلاري كابلان مناصفة بجائزة أفضل كتاب مُترجم عن مجموعتها الشعرية «مخفوق ريلكه»، وصدرت عن دار فينوم ميديا العام 2015. وتقاسمت الشاعرة والمترجمة قيمة الجائزة التي تبلغ 5 آلاف دولار. المجموعة لاقت ترحيباً حاراً من قبل محكِّم اللجنة تيس لويس: وبحسب ما كتبت كابلان «عديد من التحوُّلات في النبرة وما بين السطور، من الدعابة الساخرة إلى التهكمية الباعثة على الشفقة، وحتى العاطفية منها، الوجوه الجامدة وعودة إلى الدعابة الساخرة، كل ذلك يحضر أحيانا داخل قصيدة واحدة»، مضيفة «بالنسبة إلى الشعر الغنائي لفريتاس في تهكُّمه، فمن الواضح أنها تأخذ الشعر على محمل الجد ولا تعمد إلى تفكيكه وتوظيفه لأهدافها الخاصة».

وفازت فريتاس وكابلان بالجائزة بعد تصدُّرهما القائمة القصيرة التي ضمَّت ست مجموعات شعرية، بما في ذلك مجموعة الشاعرة الصينية ليو شيا، زوجة الحائز جائزة نوبل للسلام الذي يقضي عقوبة في السجن ليو شياو بو، وذلك عن مجموعتها «مقاعد شاغرة»، وديوان «شحنة من القصائد تشبه المدافع»، لثماني شاعرات من أفغانستان.

من بين الشهادات في هذا الجانب من قبل زملاء الممارسة في الشعر والترجمة، تأتي أهمية شهادة الشاعر والمترجم الأميركي بول هوفر، الذي قال عن المجموعة، إن أنجليكا فريتاس تعمل على رجرجة التأثيرات لدى أسلافها من الشعراء البرازيليّين، وتقوم بمزجها بتجارب وأصوات شعراء من أمثال: جيرترود ستاين، إليزابيث بيشوب ومالارميه، مشيراً إلى أن لشعرها خفّة الحيوية، فضلاً عن امتلاك شِعْرها الرشاقة والإتقان والوضوح. وفي ما يتعلق بالترجمة التي أنجزتها هيلاري كابلان، رأى هوفر أنها رائعة، قدمت من خلالها رقصة برتغالية لفريتاس وخفة روحها بإجادة مشابهة. لا توجد عزلة خرافية هنا، بل ثمة صوت نايٍ تحت الماء في نهر أورينوكو. (نهر أورينوكو، هو واحد من أطول أنهار قارة أميركا الجنوبية؛ إذ يبلغ طوله نحو 2140 كيلومتراً، ويغطي ما يقارب 880,000 كيلومتر، يقع 76.3 في المئة منه في داخل أراضي فنزويلا، والباقي في كولومبيا، بينما تقع منابع النهر في فنزويلا الجنوبية بالقرب من حدود البرازيل ويصب النهر في المحيط الأطلسي).

يُشار إلى أن مجموعة «مخفوق ريلكه» سبق أن ترشّحت لجائزة رابطة القلم الأميركية للشعر المترجم للعام 2016.

ولدت أنجليكا فريتاس في 8 أبريل/ نيسان 1973 في البرازيل. درست الصحافة في الجامعة الفيدرالية في ريو غراندي دو سول، وعملت مراسلة صحافية في سان باولو. تتنقل بين بيلوتاس وهولندا. شبه متفرغة لترجمة الشعر، وهي بصدد إنجاز كتابها الثاني «الرّحم بحجم قبضة اليد».

بقيت الإشارة إلى أن جامعة روشيستر الأميركية، أطلقت مبادرة مشجِّعة لترجمة الأعمال الأدبية من كل لغات العالم إلى الإنجليزية منذ العام 2007، إلى جانب تقديم موقع أمازون لبيع الكتب على الإنترنت الدعم المالي للجائزة. وتم إطلاق اسم «ثلاثة في المئة» على الجائزة، بحكم أن القائمين عليها اكتشفوا أن نسبة الأعمال المترجمة في الولايات المتحدة هي 3 في المئة فقط.

ما يظل عالقاً في الذهن، أن الأعمال الشعرية والروائية العربية، بمنأى حتى اليوم عن هذه الورشة الإبداعية العملاقة التي ترمي إلى تضييق الفجوة بين آداب العالم، ويظل تصدِّي المترجمين العرب، واحداً من الفرائض الغائبة عربياً، ما يتيح للعزلة أن تتمكَّن وتتمدَّد!

«مخفوق ريلكه»
«مخفوق ريلكه»
«لافتات تسبق نهاية العالم»
«لافتات تسبق نهاية العالم»




التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً