العدد 5010 - الأربعاء 25 مايو 2016م الموافق 18 شعبان 1437هـ

قصة قصيرة... انتظار

أقف مع الواقفين، في طابور يمتد بامتداد السنين... أين يبدأ وأين ينتهي، لا أعلم... وما أظن أكثرهم يعلمون... هكذا وجدنا أنفسن. .. ننتظر مع المنتظرين.

أتلفت في محاولة لأن أفهم ماذا يدور:

- هناك في مقدمة الصف يقف عجوز بلحية بيضاء ووجه مجعد أنهكه طول الانتظار، قد حزم حقائبه ووقف على رجليه وهو ينظر إلى الأمام في تأهب واستعداد، على عكس الآخرين المنشغلين.

- وهناك في الخلف يقف شاب مفتول العضلات بهي الطلة مع فتاة فاتنة لعوب فخورة، وضحكاتهم ملأت القاعة، وقد أثار الجو الذي صنعوه عيون الكثير من المنتظرين، من الفضوليين والحانقين وبعض الحاسدين.

- على مقربة مني تقف سيدة في الأربعين من العمر تحمل على ذراعيها طفلاً رضيعاً بديناً، يخيَّل لي أنه أضخم من عجل صغير، وله بكاء مقرف ومزعج، والأم تحاول بصعوبة أن تهزه لعله يرحمها ويغفر لها. وبجانبها طفل في الثامنة من عمره وقد تعلق بثيابها وهو يشدها في محاولة للفت انتباهها، ولكنها كانت مشغولة بالحديث مع ابنتها المراهقة التي تسد أذنيها رافضة أن تسمع أي شيء.

أسرعت في التلفت في محاولة لمعرفة أكثر ما يفعله المنتظرون فوجدت أن الغالبية غير مهتمة بالطابور، وقد انشغلت في أمر ما تفعله لتقتل الوقت على ما يبدو، وقلة قليلة أمثال ذلك العجوز الذي قد تهيئ للمضي.

الغريب أن الأدوار تحين لا بشكل منظم ومرتب، فليس من الضروري أنك حين تأتي مبكراً تعبر أولاً، الكل ينتظر أن يظهر رجل لا ندري من أين وينادي باسم من عليه العبور، ولا يملك أحد حق الامتناع، تماماً كما لم يكن لنا حق ألاَّ ننتظر.

حين يظهر ذلك الرجل المهيب، ينشد الجميع نحوه في انتباه شديد منصتين لإعلان الاسم، وما أن ينطق بالاسم ويذهب المقصود، يعود الجميع لانشغالهم الأول.

فجأة ولوهلة كنت أغيب فيها عن ما يدور حولي انتبهت وإذا بسيدة عجوز رسم الزمن على وجهها الحكمة والوقار، تنظر في عيني مباشرة، وكأنها كانت تفهم تساؤلاتي، بادرت وقالت: "إنه طابور الحياة، وكلنا ننتظر العبور"!





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 16 | 1:19 م

      لا جف قلمك يا ايها العزيز

    • زائر 15 | 5:40 ص

      كما عهدناك مميز ومبدع
      دمت موفقا

    • زائر 14 | 6:43 ص

      شدني أسلوبك في الكتابة .. حيث تتسابق العيون قبل اللسان لتلتهم الكلمات.. تنتهي من القصة لتقف وقفة متأملة .. ترى أين انت من هذا الطابور .. ومتى يحين دورك .. اختيارك للأشخاص المنتظرين (رجل عجوز، شابان يافعان، امرأة في الاربعين) ثم انت ..
      رائع ومبدع كعادتك .. نفخر بقلمك.. وريشتك .. وأفكارك ..
      تحياتي ????

    • زائر 13 | 11:39 م

      مبدع .. سلمت اناملك .. قصة هادفة ومعبرة والى الامام

    • زائر 12 | 10:29 م

      اسلوبك جديد في الكتابة استمر فلك مستقبل واعد

    • زائر 11 | 4:58 ص

      موفق يالسمي...تمنياتي لك بمستقبل زاهر بالكتابة ورسم الكاريكتور...

    • زائر 10 | 1:43 م

      موفق يا أخي وصديقي جعفر

    • زائر 9 | 11:58 ص

      مؤلمة وعميقة، أعجبتني أخي العزيزي دمت مبدع.

    • زائر 8 | 7:55 ص

      جميلة معبرة وقصيرة... سلمت يداك

    • زائر 7 | 7:44 ص

      استاذ جعغر، تصوير جميل لهذه النقطة من الحياة وظفته في فكرة رائعة مختصرة جدا، بالتوفيق ان شاء الله

    • زائر 6 | 6:03 ص

      موفق ولد العم

    • زائر 5 | 5:28 ص

      موفق و إلى الأمام يا جعفر، قَص جميلة و هادفة

    • زائر 3 | 2:49 ص

      الختام (انه الطابور الذي يجب ان تقف فيه منتظرا كالمنتظرين فكلنا سواء)
      بوركت افكارك واناملك

    • زائر 2 | 2:18 ص

      قصة رمزية جميلة بس يا ريت لم يذكر الكاتب في الختام ان المقصود بالطابور هو طابور الحياة ففي القصص الرمزية لا يذكر المقصود والمدلول مباشرة.

    • زائر 1 | 1:38 ص

      القصة روعة ذكرتني بكافكا

اقرأ ايضاً