العدد 5014 - الأحد 29 مايو 2016م الموافق 22 شعبان 1437هـ

لكلمات التقدير مفعول السحر

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

يروي الراحل غازي القصيبي في كتابه «بيت» الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، موقفاً حدث له مع الراحل نزار قباني. يقول القصيبي إنه كان ذاهباً لزيارة قباني في شقته بلندن، وكان خارجاً لتوه من المستشفى بعد غيبوبة استمرت بضعة أسابيع. بدا خلالها منهكاً جسديا ونفسياً؛ نفسياً لأنه لم يعد قادراً على كتابة الشعر. إذ قال له: إن نهاية الشعر نذير مؤكد بانتهاء الحياة نفسها. وهو لا يرى لحياته أي قيمة وأي معنى بلا شعر. وعندما حاول القصيبي التخفيف عنه قال له: أنت تختلف عني، أنت تكتب أشياء كثيرة وأنا لا أكتب إلا الشعر.

حين همّ غازي القصيبي بتوديعه وهو يمشي بصعوبة متوكئاً على عكازه الطبي، توقّف القصيبي قائلاً له: «إرمِ عكازتيك!» فأدرك قباني أنه يشير إلى قصيدته الجميلة في طه حسين والتي يقول فيها: «إرمِ نظارتيك ما أنت أعمى.... إنما نحن جوقة العميان»، فتهلّل وجهه.

يقول القصيبي: كنتُ أقرأ القصيدة وأنا أشهد معجزة طبية، عاد اللون الوردي إلى الخدين، وسقط العكاز، وذهبت التجاعيد، وما أن انتهيت حتى عانقني قباني وهمس لي: «أرأيت كم هي جميلةٌ هذه الأبيات؟».

هذه الحادثة التي ينقلها القصيبي عن قباني تؤكّد لنا كيف أن الشاعر الحق مرتبط بشعره، وكيف يعتبره الماء والهواء، وبدونه لا يمكن لحياته أن تستمر. وتقديراً لحرفه يعتبر شعره أغلى ما يملك وأعزّ ما منحه الله.

حين يكون الشاعر صادقاً وجاداً لابد أن يصل هذا الشعور لجمهوره الذي يرتبط فعلياً بقصائده، فتظل خالدةً لا تموت بموت صاحبها. وما قباني إلا مثال واحد من أمثلة الشعراء الذين رحلوا وبقيت مآثرهم تتلوها الأجيال، جيلاً بعد جيل. ومن جانب آخر فقد شعر قباني بالسعادة حين وجد من يقدّر شعره، ومن يحفظه ومن يفهم شعوره، وعلى رغم معرفته بمنزلة نفسه وقصائده، إلا أنه كان سعيداً لأن صديقاً له اهتم بما يكتب.

هكذا يبدو الجميع، مهما علا شأنهم ومهما عظمت مكانتهم، بحاجة دائمة للتشجيع وتقدير ما يقومون به، شعراء وكتّاباً ورسّامين ومعلمين وأطباء ومهندسين وغيرهم ممن لا يسع المقام هنا لسردهم لكثرتهم، فمجتمعاتنا تزخر بأهل العطاء ممن يقدّمون الجميل والقيّم والمحكم والبديع من مواضع أعمالهم، ومن مخرجات إبداعاتهم. حتى أولئك الذين يقدّمون العون والمساعدة والخدمة لغيرهم من آباء وأزواج وأصدقاء وأبناء وزملاء، هم بحاجةٍ أيضاً لسماع الإطراء والشكر على ما قدّموه، وإن قاموا بتقديم خدماتهم من غير انتظار شكر أو مقابل، فلكلمة الشكر مفعول السحر على النفس.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 5014 - الأحد 29 مايو 2016م الموافق 22 شعبان 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 12:49 ص

      كلام جميل

      فعلا الكلمات الرقيقة والصادقة تؤثر في النفس ولها مفعول السحر في رفع المعنويات وجبر الخواطر وتقوية العلاقات

    • زائر 1 | 12:23 ص

      لا نستطيع الا ان نقول لكل من يخدمنا ويخدم الوطن وابناء الوطن الا جزاكم الله الف خير

اقرأ ايضاً