العدد 5034 - السبت 18 يونيو 2016م الموافق 13 رمضان 1437هـ

انتفاضة سويتو في الذكرى الأربعين

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

نشرت وكالة (ا ف ب) يوم 11 يونيو/ حزيران 2016 صورةً لمسيرة خرجت في جنوب إفريقيا، لإحياء الذكرى الأربعين لانتفاضة «حي سويتو»، حين أطلقت الشرطة النار على تظاهرةٍ للسود احتجاجاً على فرض استخدام لغة الأوروبيين «الأفريكانز» كلغةٍ أساسيةٍ في المدارس.

في 16 يونيو 1976، تظاهر آلاف الطلبة في ضاحية سويتو للاحتجاج على فرض تعلم لغة البيض في المدارس، وقام نظام الفصل العنصري بقمعها بشدة، حيث أسفرت عن قتل أكثر من 500 شخص خلال أشهر، وشكّلت تلك الحادثة انعطافةً مهمةً في طريق النضال ضد التفرقة العنصرية.

فكرة التمييز تصطدم بوجود الإنسان، وتحطّ من كرامته، حتى بالنسبة لمن يمارسها أو يرتضي بممارستها ضد غيره، بدليل أنه لا يقبل أن تُمارس ضدَّه لأنها تنتهك حقوقه. ولم تأتِ الأديان الكبرى في جانبٍ من رسالاتها، إلا من أجل معالجة جوانب هذا الخلل النفسي لدى البشر، من حالات الغرور والغطرسة والتعالي على الآخرين، ليعيشوا إخواناً متساوين. وهي الفكرة التي قامت على أساسها أيضاً الدعوات الإصلاحية الكبرى عبر التاريخ. وإذا شاهدت أحداً، كاتباً أو داعياً أو خطيباً أو سياسياً، ينحاز إلى فكرة أو موقف عنصري، فاعلم أنه مريضٌ ومشوَّهٌ نفسياً.

في الذكرى الأربعين لانتفاضة سويتو، تحدّث أحد رجال الأعمال، وكان طالباً وقتها، قائلاً: «إن فرض اللغة الأفريكانية كانت استراتيجيةً اعتمدها نظام التمييز العنصري لمنعنا من النجاح». وقال شخصٌ آخر كان مشاركاً في الانتفاضة، ويبلغ حالياً 59 عاماً: «لم نكن نتصوّر أن يتعرّض شخصٌ للقتل لأنه يمشي في الشارع رافعاً قبضته. لكن هذا ما حصل».

هذا العام، ولأول مرةٍ، شارك جنودٌ سابقون من البيض، أدّوا خدمتهم العسكرية في مناطق أخرى غير سويتو، في إحياء هذه الذكرى، وقال رئيس هيئة قوات الدفاع التي تضم ألفاً من قدامى الجنود: «نشعر بالحزن لما حصل قبل أربعين عاماً، ويؤسفنا أن أشخاصاً مازالوا يتألمون...». وقد وضع إصبعه على الجرح، حيث أدرك عميقاً، أن ألم التمييز، لا يُمحى بسهولةٍ من نفوس الضحايا، حتى لو نساه أو استهان بتأثيره من مارسوه. وأضاف بكلمةٍ بليغةٍ جداً: «يمكننا أن نقدّم اعتذاراتٍ طوال قرن، لكن ذلك لن يغيّر شيئاً».

في التقرير الخبري الذي أنقل عنه... إشارةٌ إلى وقوف «عدد قليل من قدامى الجنود الذين تمدّد الشيب إلى رؤوسهم، وهم يرتدون زي البحرية الأزرق الأنيق وربطة العنق الملائمة والقميص الأبيض. ولم يشارك في اللقاء أي شرطي كان في الخدمة إبان العهد السابق». وأعرب أحد المشاركين عن أسفه بالقول «إن غيابهم اليوم لا يساهم في إعادة بناء الوطن».

وجود قدامى الجنود، في هذه المناسبة، اعتُبر «خطوةً إيجابيةً» في هذا البلد الإفريقي الذي خضع لنظام الفصل العنصري، لأكثر من ثلاثة قرون، يقوم على حراسته سياسيون، ويشرعنه برلمانيون بيض منتخبون، وتسنده قوانين وتشريعات ونصوص دستورية. ظلت كل تلك التركة الثقيلة مترسبةً في أعماق الضحايا طوال هذه السنوات، رغم ما جرى من تطورات كبيرة أوصلت زعيم حركة النضال الإفريقي نلسون مانديلا إلى الحكم بطريقةٍ سلميةٍ عبر صناديق الاقتراع.

التمييز بين البشر مرضٌ نفسي وتبعة أخلاقية ثقيلة، طالما عانت منه البشرية عبر القرون.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 5034 - السبت 18 يونيو 2016م الموافق 13 رمضان 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 6:14 ص

      جروح التمييز والعنصرية والتفرقة تبقى تنزف فترة طويلة.

اقرأ ايضاً