العدد 5038 - الأربعاء 22 يونيو 2016م الموافق 17 رمضان 1437هـ

إصبع عبدالإله

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

استمعت لأحد رجال الدين وهو يدعو على حاكم من الحكام العرب، حيث دعا الله أن هذا الحاكم إما مشنوق أو محروق، وأن يهتك ستره وأن يُرِيَه الله ذلك الحاكم وهو مسحوب وملابسه مخلوعة عن جسده وأضراسه مُكسَّرة في فمه.

وكما يظهر جلياً من تلك الكلمات أنها لا تدعو إلى قتل فقط، بل هي دعوة إلى تمثيل بجسد، على الرغم من القول الشريف «إِيَّاكُمْ وَالْمُثْلَةَ وَلَوْ بِالْكَلْبِ الْعَقُور». وهي دعوة للحرق أيضاً مع أن كتب التراث مُشبَعة بالحديث النبوي: «لا يَنْبَغِي أَنْ يُعَذِّبَ بِالنَّارِ إِلَّا رَبُّ النَّار». بل هناك دعوة صريحة لأبعد من ذلك حيث هتك الأعراض التي قيل عنها ما قيل.

ما أعرفه أن هناك قواعد للحروب حتى في العصر الجاهلي (ولا تقتلن أسيراً فإنه ذِحْل) كما أوصى بذلك القلمَّس أمية بن عوف قومه، فضلاً عن الإسلام الذي قال أحد قادته حول ذلك وهو علي بن أبي طالب: «إذا هَزمتُموهُم فَلا تُجْهِزُوا علَى جَريحٍ، ولا تَقتُلوا أسِيراً، ولا تتَّبعوا مُوَلِّياً، ولا تَطلُبُوا مُدبِراً، ولا تَكشِفُوا عورَةً، ولا تُمثِّلوا بِقَتيلٍ، ولا تَهتِكُوا ستراً، ولا تَقرُبُوا شيئاً مِن أموالِهم».

في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 2011م وبعد شهر على انهيار الحكم في ليبيا لاحظ الصحافيون في إحدى الدول العربية أن آمر كتيبة «شهداء سوق الجمعة» آنذاك طه المصراتي (وهم من الثوار الذين أطاحوا بنظام الزعيم الليبي الراحل العقيد معمّر القذافي) كان يرتدي حذاء القذافي المقتول «سحلاً والمعروض مسلوباً والمتروك عارياً» بعد أسْرِه وقتله في مدينة سِرت في العشرين من شهر أكتوبر/ تشرين الأول من نفس العام.

وفي أتون تلك الدهشة، جاء رجل آخر من نفس الوفد وهو أبوالقاسم منتصر وأذاع بينهم، إنه يحتفظ في مقر كتيبته في ليبيا بـ«باروكة» صفيَّة فركاش (أرملة القذافي) بعدما «سُلِبَت» من إحدى غرف باب العزيزية. ثم تقدَّم ثائر مصراتي ثالث هو إبراهيم بلاعو، فأفصَح هو أيضاً عن أنه يحتفظ في مقر كتيبته بـ ببغاء المعتصم (نجل القذافي). لقد كان مشهد التباهي مقززا فعلاً.

الغريب، أن أحداث التشفّي تلك والدعوات المشجّعة لها جَرَت في بلداننا، دون أن يتحدث أحد من رجال الدين بشكل مسموع لينهي عنها بضرس قاطع، ويؤكّد على أن السّلب وتعرية القتيل وسَحْله والتمثيل به هو أمر مرفوض دينياً وإنسانياً مهما فعل، لكن ذلك لم يحصل مع شديد الأسف، لتبدأ الساقية تغرف من غرائز بعض العرب وتدفعهم لفعل مثل هذه الأمور، وكأن أحداً يريد تجذير ذلك في وجدان الناس، عبر تدعيمه بمنابر دينية وحناجر ترى في ذلك نافلة لا جِدال فيها.

قبل فترة كنتُ أستمع إلى تمارا الداغستاني وهي ابنة غازي الداغستاني مساعد رئيس هيئة أركان الجيش العراقي في العهد الملكي وقائد الفرقة الثالثة فيه، وهي تقول أنها وخلال الانقلاب الدموي الذي جرى في العراق ضد الحكم الملكي الهاشمي، في 14 يوليو/ تموز من العام 1958م، كانت جالسة على عتبة بيت عمّتها، فمرَّت حافلة قديمة، ظهر منها راكبٌ وهو يُلوّح بيده حاملاً إصبعَ يد مقطوعة، وهو يُنادي بأعلى صوته: هذه إصبع (الأمير) عبدالإله قَطَعْتُهُ بيدي هذه!

والأمير عبدالإله هو ابن الملك علي بن الشريف حسين (وشقيق الملك فيصل الأول وخال الملك فيصل الثاني)، وكان في تلك الفترة وصياً على العرش في العراق، وقُتِلَ بعد الانقلاب الدموي الذي قاده عبدالسلام عارف وعبدالكريم قاسم، وقُتِلَت معه أيضاً خالته الملكة نفيسة ابنة عبدالإله باشا، وأخته الأميرة عبدية وربيبها عبدالرزاق. كما قُتِلَ معهم الملك فيصل الثاني ابن الملك غازي بن فيصل بن الشريف حسين، وآخرون من المرافقين والحرس والخدم في قصر الرحاب بالعراق.

ولم ينته الأمر بقتل الأسرة المالكة (رجالاً ونساءً) بل أُخِذَ بعضهم وجُرِّد من ملابسه بالكامل وسُحِلَ في الشارع كـ الأمير عبدالإله، الذي قُطِّعت جثته ثم عُلِّقَت أمام وزارة الدفاع العراقية بأسلوب وحشي. أما نوري السعيد (الذي شغل منصب رئيس وزراء في العهد الملكي) فبعد قتله ودفنه، نُبِشَ قبره واستُخرِجت جثته وسُحِلَت في الشوارع، ثم شُنِقَت، ثم مُزِّقَت إرباً إرباً، وفي نهاية المطاف أُحرِقَت! لقد كانت صفحة سوداء في تاريخ العراق.

ولكي نكون منصفين، فإن مثل تلك الثقافة لم تكن هي السائدة دائماً في عالمنا العربي، حيث ظهر مَنْ تصدّى لها. في تونس، وقف الشيخ الشاذلي النيفر (1911م – 1997م) وبكل صلابة وبطولة في وجه مَنْ أراد التنكيل بآخر ملوك البايات في بلاده، وهو الأمين باي بن محمد الحبيب، حين وقع الانقلاب ضده في العام 1957م ليقام الحكم الجمهوري بدل الملكي. نعم، وافق على التغيير، لكنه قال يجب أن نحافظ على كرامة الملك وعائلته. كان ذلك العالِم رجل حق لم يندفع إلى التطرف والغوغائية.

الحقيقة، أن هذا الموضوع يجب أن يُلتَفَت إليه جيداً، وأن يترك البعض هذه الأدبيات في خطابه وثقافته لأنها أدبيات خاطئة. كما يتوجّب على البعض أن يُدرك أن العمل العام يجب أن يسبقه مناخ اجتماعي يُدرك أهمية السلوك السليم الذي بدونه تصبح التغييرات السياسية وبالاً.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 5038 - الأربعاء 22 يونيو 2016م الموافق 17 رمضان 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 13 | 9:40 ص

      و هكذا تضرب تونس على الدوام أروع الأمثلة ، و ترسم أنقى القيم .

    • زائر 12 | 9:19 ص

      لو تم تطبيق ما جاء به الدين الإسلامي من حسن معامله حتى مع الأعداء ولو جعلنا من أقوال وأعمال الإمام علي بن ابي طالب ، خاصة في التعامل مع الأعداء المقاتلين ، ، لما تجرأ هذا الشيخ بهذه الأقوال والأدعية المشبوهة.

    • زائر 10 | 3:36 ص

      جاهلية الأمس تعود يامحمد

      عندما قطعوا رأس الحسين عليه السلام كبروا ورفعوا رأسه على الرمح وساروابه في البلدان وفي بعض الروايات انهم سكبوا الخمر على الرؤس الطاهرة أثناء المسير وضرب يزيد أسنان الإمام بمخصرته أي العصا ه التي كانت بيده وماذا تفعل جاهلية اليوم حبيبي القوم أبناء القوم

    • زائر 5 | 12:59 ص

      ان التنكيل الذي كتبت عنه طال حتى الرءيس العراقي السابق صدام حسين حين اعدم بطريقة وحشية على يد ملثمين لم يراعوا حرمته وشرفه بالرغم من اقتناعي باحقية اعدامه نظير جراءمه في حق شعبه وبحق الكويت وايران

    • زائر 14 زائر 5 | 10:38 ص

      ما هو التنكيل الذي طال صدام؟ اعرف ان حزب البعث و صدام نفسه نكل بالكثير من رفاق دربه ناهيك عن من يظن مخالفتهم له و قتله لهم لم يكن بالافراد بل بالجماعات و ما اظن انك نسيت حلبجه. لكن صدام اعدم و لم يسحل و لم تقطع اجزاءه. ليس هناك اي وجه للمقارنه بين صدام و احزاب البعث اينما حلت و الاخرين.

    • زائر 4 | 11:22 م

      شاهد عيان (٢) : حول هيكل اسم العضو الي إصبع ومن يومه و القرّاء يعتبرون العضو المقطوع إصبعا.
      أما نوري السعيد و المتنمر في ملابس النساء تم قتله مع زوجة الاسترابادي و خادمتها في ساحة البتاوين في وسط بغداد. عندها تم ضربه بالسكاكين و فقد حياته بطلقة من جندي. لم يتركوا جثته. بل سحبوها في كل بغداد. تقطعت الجثة و كل قطعة سحلت و تفتت في مناطق بغداد المختلفة. لم تدفن الجثة لان لم يبقي منها شيئ. الذين رثوا نوري السعيد في بريطانيا كتبوا: كان أعظم من ان يدفن.

    • زائر 3 | 11:16 م

      جارك الله ياب..
      من التنكيل لي صايدنه هو وأهل بيته من العكاروة والستاروه

      النغزات لي انت طرحتها
      ترى البحارنه يسوونها
      وإني اقول
      لا تنه عن عيب وتأتي بمثله عار عليك اذا فعلت عظيم

    • زائر 2 | 11:15 م

      هدهد
      نعم جميل منك هذا المقال ، حفظك الله
      ان لكل ما ذكرت جدور هي من مكامن العقيدة ولو تصفحنا تاريخ الحروب والانقلابات فسنجد المسوغ لهذه الافعال من وحي شرعة العقيدة

    • زائر 1 | 11:12 م

      تصحيح من شاهد(١): نقلت جثة عبد الاله و علقت في نفس المكان الذي اعدم فيه الانقلابي عبدالوهاب الصّباغ. بعدها بساعات انزلت الجثة و بعد تمزيق ملابسه و قطع جهازه التناسلي تم سحله في شوارع بغداد. تفتت الجثة و لم يبقي منها شيئ. نقل عبدالسلام عارف المقطوع من جثة عبدالإله في علبة الي دمشق في اول لقاء له و قدمها للرئيس عبدالناصر قائلا له : لكي نثبت لك بانه لم يكن عبدالإله رجلا. تقزز الرئيس عبدالناصر و امر بدفن تلك القطعة من جثة عبدالإله. محمد حسنين هيكل هو من كتب عن الواقعة و حول العضو الي إصبع (بقية)

    • زائر 15 زائر 1 | 4:56 ص

      لم اتوقع من كان يقول مظلوم اليوم يكون قلبه بهذه الصور دائما الفقير والمظلوم يكون ارحم من غير ما أراه ليس بانسانيه بدون قبل او عقل .صبحا الله.

اقرأ ايضاً