العدد 5039 - الخميس 23 يونيو 2016م الموافق 18 رمضان 1437هـ

إرهاب أورلاندو وواقع الشرق والغرب

شفيق الغبرا comments [at] alwasatnews.com

العمل الإرهابي الذي استهدف مدنيين في نادٍ ليلي في أورلاندو في الولايات المتحدة يطرح إشكالاً كبيراً، فهذا العمل البعيد عن مناطق الصراع، وعلى رغم إدانة المسلمين لهذا العمل وعدم تحملهم لمسئوليته، إلا أنه يرفع منسوب الكراهية بين المسلمين وغير المسلمين. ترامب، المرشح الجمهوري للانتخابات الأميركية يعلن في تصريح له أنه يريد منع دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة، بينما يعلن الرئيس أوباما أن العمل الإرهابي جزء من حالة فردية داخلية لا علاقة لها بالإرهاب العالمي، وأنه يجب أن لا يعمم الأمر على المسلمين أو غيرهم.

إن العنف الذي يصدر عن مسلمين في العالم يعكس وجود بيئة تتميز بغياب الثقة والخوف المتبادل بين الشرق والغرب. ففي جانب تدان هذه الأعمال كلما وقعت من المسلمين شعوباً وأنظمة وذلك لتطويقها وبناء الأمل بعدم تكرارها وذلك لكونها تقتل أبرياء ثم لكونها تنشر الخوف والعنصرية. لكن من جهة أخرى سيكون كل تحليل ناقصاً لو تجاهلنا الأزمة المرتبطة بالحروب في منطقة الشرق الأوسط والدور الغربي في البلدان العربية والدعم المقدم لإسرائيل واحتلالها. لا يمكن أن يكون كل هذا الإرهاب الذي يقوم به مسلمون كالحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 وأعمال عنف كبرى تستهدف مدنيين في الولايات المتحدة وفي فرنسا وبلجيكا وقبلها لندن بلا مضمون سياسي واجتماعي يمكن تفسيره في إطار علاقات القوة والضعف والعسكرة والحروب وفلسطين والسيطرة بين الغرب والشرق. الاستهداف للغرب ورموزه لا يعكس كرهاً للثقافة والحياة الأميركية والأوروبية، بل لو كان الأمر كذلك لكانت العمليات التي يقوم بها أفراد من «داعش» و»القاعدة» وغيرهما استهدفت الصين والهند والبرازيل وتايلند وسنغافورة وكوريا والقارة الإفريقية. الواضح أن هذه الدول غير مستهدفة لأنها لا تشارك في حروب الشرق ولا دعمت إسرائيل في استيطانها.

علينا إذن أن نتعمق في طبيعة العلاقة بين الشرق العربي والإسلامي من جهة والغرب الأميركي والأوروبي الأكثر مشاركة في الإرث الاستعماري للإقليم، والأكثر تصديراً للسلاح لإقليمنا، والأكثر دعماً لنمط من الأنظمة السياسية التي مارست ولاتزال تمارس الاستبداد بما فيها إسرائيل في فلسطين. انفجار بعض من العالم الإسلامي في وجه الغرب ما هو إلا تعبير عن عمق الظلم الذي يشعر به قطاع كبير من المسلمين، لكن تصدير العنف للعواصم الغربية تعبير عن تفكير شاع بين أقلية صغيرة من المسلمين مفاده بأن الظلم الواقع بين الشرق والغرب يمكن إزالته من خلال ظلم مضاد ضد المدنيين والأسواق والشوارع والصحف والنوادي الليلية وحفلات الموسيقى في الغرب.

إن الإرهاب كما ينتشر اليوم يمثل مدرسة الأقلية في العالم الإسلامي، لكنه، بنفس الوقت، نتاج شعور أوسع في العالم الإسلامي بفقدان الوجود والخسارة التاريخية واستمرار الاستبداد، وفقدان فلسطين وسقوط العراق ثم سورية وبقية الدول العربية التي تعاني. إن الجهادية التي تفجر في العالم لا تعي بأن عنفها على الصعيد العالمي لن يسهم في تحرر المسلمين وتكبيل الغرب وإنهاء الاستبداد، بل سيسهم في مزيد من التفكك، فالظلم المضاد ضد المدنيين في عواصم العالم، بما فيها العواصم العربية، ليس طريقاً للتحرر بقدر ما هو طريق للتدمير الذاتي.

لا مخرج لهذا الوضع إلا بتصحيح العلاقة بين الشرق والغرب، على الغرب أن يتوقف عن دعمه غير المشروط لإسرائيل، على الغرب أن يتوقف عن التدخل العسكري في منطقة الشرق الأوسط إلا في حدود منع الظلم والقتل ضد المدنيين، على الغرب أن يعيد النظر بموقفه من الحريات والديمقراطية في البلدان العربية، فكل دعم للاستبداد سيقابله عنف فاقد للمسئولية والإنسانية يعود للغرب إرهاباً، وكل دعم لتفتيت الإقليم العربي سيتحول عنفاً يصيب كل الأطراف بما فيها الغالبية الإسلامية. لن نجد طريقاً لمستقبل أفضل سوى بتغير العلاقة المرضية بين الشرق والغرب وخلق بيئة صحية للعدالة والحرية في الواقع العربي - الإسلامي.

إقرأ أيضا لـ "شفيق الغبرا"

العدد 5039 - الخميس 23 يونيو 2016م الموافق 18 رمضان 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً