العدد 2470 - الأربعاء 10 يونيو 2009م الموافق 16 جمادى الآخرة 1430هـ

السعيد ينطلق بمعرضه الأول ويدعو اللون للتكلم

أقيم برعاية المدير العام لشركة «زين»

أيبوح اللون؟ تساؤل عاجز في فلسفة اللون الغامضة، التي تعطيك المعنى، بما تعكسه من إحساس، وتحكي لك الحكاية وفق أسلوب يتلمس مشاعرك دون أن تسمع منها أية كلمة، فتعيش فيها ومعها عالما خاصا سرمديا بعمق تلك الدفقة الجمالية التي أبدعها الخالق، فكان اللون الذي صبغ به كل موجوداته من الخلائق.

الفنان البحريني زهير السعيد آثر أن يترك في معرضه الأول للون حرية التعبير عنه، وأطلق على المعرض اسم «عندما يتكلم اللون»، وهو يستعد بثقة لأن يواجه الناس بأعمال قادرة على الكلام، والتعبير عن هموم فنان مغمور بانفعالات متعددة، صاغتها الأقدار المتفرقة التي أحاطت بعالم هذا الفنان.

زهير السعيد، الفنان الذي أقام المعرض الأول له بدعم من برنامج «حقق حلمك» الذي طرحته شركة الاتصالات «زين»، ورعاه المدير العام للشركة محمد زين العابدين، في جالري كاسا دل آرت للفنون التشكيلية في السادس من يونيو/ حزيران الجاري.

السعيد أبدع 25 عملا كانت حصيلة ما تم عرضه في هذا المعرض، وهو يبرز للمرة الأولى نتاج فنان بحريني شاب، يصبو نحو مستقبل واعد في رسم بصماته الخاصة في عالم الفن التشكيلي البحريني، وهو ما أكده جمع الفنانين الذين شاركوا السعيد لحظات تحقيق حلمه الأولى.

مع الفنان كان للوسط هذا الحوار:

* الفنان زهير السعيد، من منطلق تسميتك لمعرضك بـ «عندما يتكلم اللون»، نتساءل حول ما ينطق به اللون حينما يتكلم، وهل يتكلم اللون بتلك الطاقة التي فيه أم بما يشاء الفنان أن يقوله؟

- اللون يمثل بالنسبة لي طاقة وانفعال، وحينما يوظف أي فنان اللون في الفراغ الأبيض فهو يحكي ذاته وانفعالاته، فأنا لا أستخدم اللون سوى للتعبير عن انفعالاتي بالواقع من خلال توظيف الألوان على لوحة الرسم.

* تعتبر أن اللون الذي ترميه على اللوحة البيضاء هو إحساس يمثلك، فهل يصل إلى مستوى التكلم عنك؟

- طبعا لا داعي لأن يشرح الفنان لوحته لكنها تعبر عنه وعن حالته النفسية عن همومه وأفكاره، عن رؤيته الخاصة للمجتمع والمحيط الذي يعيش فيه، سواء على مستوى الوطن أو على مستوى أكبر مثل الهم العالمي، فجميع هذه الألوان الممزوجة على لوحات الرسم عبارة عن حالات مررت بها منذ بداية هذا العام حتى الآن، قضايا شتى مرت عليّ، سواء كانت قضايا محلية أو عالمية، وكان دوري حينها في رسم انفعالاتي بهذه القضايا، ولست في مجال شرح كل عمل والقضايا التي رسمتها والتي قد يكون بعضها حساسا.

* هل تعتقد أن هذا هو السبب في جعل الفنان يخفي ملامح عمله عن طريق تجريد تفاصيله وإظهاره بصورة غامضة، هل يعود ذلك لمحاولة الفنان إخفاء جزء من هذه الحقيقة أم لترك المشاهد يتمتع ويبحث في تفاصيل العمل الفني؟

- أنا أؤمن بأن العمل الفني يجب أن يكون عملا مفتوحا للجميع، يجب أن تكون هناك رؤية خاصة بالفنان في تكوين أو بناء العمل، كما يجب أن يكون له هوية خاصة ورؤية ونظرة وهدف يريد الوصول إليه، يجب أن يكون هناك موضوع معين في اللوحة وليس سكبا مجردا للألوان، ولكن هذا لا يمنع ترك المجال للمتلقي والجمهور في البحث في أسرار العمل الفني ورؤيته بمنظور آخر قد لا يصل إليه الفنان في الأساس، إذ أصبح العمل الفني الآن مفتوح على مصراعيه لتأويل المشاهدين والنقاد.

* هل هذا سر اختيارك لهذا النوع من المدارس الفنية بتقديمك أعمال تجريدية تعبيرية؟

- أنا أمارس التجريدية التعبيرية لأنها أقرب إلى روحي وذاتي، فعندي تجارب في الانطباعية والواقعية ولكنني أرى نفسي في الحداثة، وأستطيع التعبير عن ذاتي بصورة أكبر من خلال هذا الأسلوب.

* بالنسبة للمشاهد الذي يزور المعرض، ندرك جميعا بأن المشاهد البحريني والعربي عموما لا يعي الكثير عن تاريخ الفنون التشكيلية وبالتالي لا يدرك حقيقة الأعمال المقدمة بصورة حداثية، فكيف تجد أن بالإمكان الارتقاء بالمشاهد إلى مستوى الفن الذي وصل إليه فناني البحرين الذي تطور بشكل أسرع من وعي الجمهور؟

- أتذكر هنا مقولة لأستاذي عبدالرحيم شريف، حينما وجهت له هذا السؤال، إذ أجاب أن من واجبنا كفنانين أن نرتقي، حيث يسمى ذلك اجتهادا من الفنان لتقديم عمل مميز، لكن ما يقابل ذلك من حال اللا اشتهاء من الجمهور، هو أمر يصعب تغييره إذا لم يرغب الجمهور في الاطلاع والبحث والتثقف في المدارس الحديثة في الفن والاتجاهات.

الجمهور البسيط يرى الفن في الرسم الواقعي، ولكن هناك عشرات المدارس التي نافست الواقعية في تقديم أعمال فنية جميلة مثل التجريدية والتكعيبية والتعبيرية والوحشية، فكانت كل مدرسة قد أتت بفن تنقض من خلاله المدرسة التي سبقتها، حتى وصلنا اليوم إلى تقديم أعمال تحمل مجرد مسحة لون، إذ تقوم بعض الأعمال التركيبية على لون فقط.

* لكننا نجد أن الفنانين يعودون اليوم إلى المدارس القديمة في إعادة إظهارها وإبرازها في أعمالهم وتلاقي شعبية أكبر أيضا؟

- يقال إن الناس في أميركا عادوا للاهتمام بالواقعية، وأنهم قاموا ببحث كبير في التجريد والآن يعودون للواقعية، أنا أؤمن بذلك، إذ يجب على الفنان أن يكون له أساس، وحينما يمارس التعبيرية أو الواقعية يجب أن يكون عنده أسس سليمة ليقدم هذه التجارب، التي لن يصل الفنان إلى مستوى متقدم في تقديم أعمال تجريدية تعبيرية إن لم يكن لديه أسس، فلا يمكن القفز في الفن من نقطة الصفر إلى النهاية.

زهير السعيد وغيره وصلوا إلى هذا المستوى من التجارب في التجريد بعد سنين من الممارسة في الواقعية، وأنا لما أزال أمارس الواقعية في الرسم، وأرسم البورتريهات والمناظر الطبيعية وغيرها، وأرسم الواقع، فعندي تجارب واقعية والجمهور رأى هذه التجارب، ولكن عندما أريد أن أخصص لي رؤيتي وأسلوبي الخاص، وأريد أن يكون لي اسم يمثل هذا البلد في عالم الفن التشكيلي، فيجب أن أقدم اجتهادا أكثر في العمل الفني، هذه تجربة أعرضها أمام الجمهور والمهتمين، وهذه أول تجربة شخصية، لاستقطاب آراء الجمهور والفنانين والمختصين والمهتمين، لكن المشكلة تكمن في أننا بلد لا يوجد فيه نقاد، لذلك ليست هناك جهات توجه الفنان في مسار عمله الفني.

وفي نفس الوقت لا توجد مدارس فنية تؤسس الفنان على أسس كجامعات ومعاهد؟ فعلا، نحن نفتقر إلى هذا الجزء المهم.

* هل نستطيع القول إن الجمعيات الفنية هي من تقوم بتغطية هذا الفراغ من خلال تواجد الفنان المبتدئ مع رواد الفن التشكيلي في البحرين الذين يترأسون هذه الجمعيات، والذين يقتبس منهم الفنان خبراته وأفكاره؟

- العملية هي ممارسة واجتهادات شخصية، وهو الأمر الحاصل على أرض الواقع لا أكثر.

* وماذا بالنسبة لمن يرغب في التعلم على أسس علمية، ما هي المصادر المتاحة إليه؟

- عليه البحث عن المعرفة بذاته، وعالم الإنترنت واسع، وهناك وسائل تواصل مع كبار الفنانين العرب والعالميين، وبإمكان أي شخص الوصول إلى الفنان المميز ونقاد الفن من خلال الشبكة، فأعتقد أن هذا يسد الفراغ بالنسبة إلينا بالتعلم الذاتي.

نحن وبكل صراحة نعمل كفنانين بشكل منفرد، وإذا عمل شخص، فكثيرون يتهمونه بالتقليد، رغم أن التقليد يبطل والبقاء في الساحة الفنية يبقى للأصلح.

* متى تعتقد أن بإمكان الفنان الحصول على أسلوبه الخاص، ما هو كم التجارب في الأساليب المختلفة حتى يكتشف وصوله إلى أسلوبه الخاص؟

- عندما يبحث الفنان في ذاته يصل إلى بصمته الخاصة، وعندما لا ينشغل بالفنانين الآخرين، وعندما لا يلاحق الأسماء ويشتغل لوحده.

عليك النظر إلى ذاتك، لقد قدمت تجارب كثيرة مميزة، وقال الكثيرون لي إنني أقدم شيئا فريدا، والوسط الفني يقول إن لزهير بصمته وأسلوبه الخاص، ولا أتباهى بذلك، لأن ما وصلت إلى تقديمه هو نتيجة اجتهاد وممارسة طويلة وتجارب متعددة، إلى جانب أن عدد من المواقف دفعتني لتقديم إبداع أكثر.

* بعيدا عن رأي النقاد والوسط الفني، أين يجد زهير نفسه على سلم الوصول إلى تقديم أسلوب خاص، وما هي الفترة الزمنية التي حددها لنفسه كي يصل إلى تكوين أسلوب يستقر عليه من التجريب في أساليب الفن المختلفة؟

- هناك مقولة للفنانة لبنى الأمين في إحدى المقابلات، قالت فيها إن الفن يصقل طوال عمر الفنان، وأعتقد أن الفنان الذي يقول إنه وصل لبصمة خاصة، فهو لم يصل إلى شيء، وعليه أن يبحث، وألا يقول إنه قد وصل، فحتى تنتهي حياة الفنان، تضل تجاربه ناقصة وتحتاج للمزيد من البحث والتطوير والمراجعة.

أنا لا أؤمن أنني وصلت إلى مستوى وأسلوب خاص أو بصمة خاصة، أعتقد أن زهير السعيد في بداية الطريق على مشواره الفني، وهدفي الحالي هو مزاولة الفن وهذا النشاط الذي أحبه، كما أنه من الطبيعي أن يسعى كل إنسان لأن يتفرد بأسلوبٍ خاص يعرف به، ولذلك تجنبت القيام بالبحث في أعمال الفنانين أو اقتباس أعمال من الإنترنت، إذ أعمل في حالي، والأعمال التي أنتجها في مرسمي أضعها أمام الجمهور.

أما بخصوص القول إن القول بأن للفنان بصمة خاصة فهذا دور النقاد، وتحديد تميز لوحة من غيرها أمر سمعته من كثيرين بأن لي بصمة خاصة، لكن هذا الأمر لا يغريني، إذ أعتبر نفسي في البداية، والباقي هو دور النقاد والفنانين في المحيط في تحديد كونها جيدة أو تحتاج إلى مزيد من الاجتهاد في بعض الجوانب.

في المحصلة نقول مجددا إن العملية الفنية الإبداعية تواصل مستمر نصقله طوال عمرنا وليس خلال فترة زمنية محصورة في سنة أو سنتين.

* من خلال عمليات بحثك وتجاربك المستمرة في الفن، كيف توصلت إلى تقديم هذه المجموعة، وما هي الهوية التي تجمع لوحات هذه المجموعة؟

- انفعال بالواقع. الواقع مليء، وخصوصا حينما نكون واقعيين بذكر ما حصل من الأحداث الأمنية التي شهدتها البلاد، والتي أثرت فيَّ بشكل كبير، إذ يسيئني أن تجر البلاد إلى منزلق أمني خطير لما أحمله من حلم بوطن يعمه الأمن والأمان، إلى جانب بعض القضايا العالمية التي أثارتني مثل الأزمة الاقتصادية العالمية، والانتخابات الرئاسية في أميركا وتعلق الناس فيها وبنتائجها، وإغلاق معتقلات غوانتانامو، فهناك أمور مفرحة وأخرى مؤسفة كما هي أحداث العراق، التي لا أستطيع حصرها ضمن موضوع معين.

إذا فلوحات هذه المجموعة هي انفعالات صادقة للواقع الذي أعيشه، سواء على مستوى قرية المعامير الصغيرة التي أنتمي إليها، أو على مستوى البلد أو العالم المحيط بنا.

* من الأمور التي لفتت النظر في أعمالك هو احتوائها جميعا على هيكلية عمرانية وملامح من أسلوب المدرسة الإنشائية فما هو السر في توظيف هذه التقنية؟

- الشكل الهندسي يمثل نافذة للأمل، وهناك بعض الرموز محصورة ضمن شكل هندسي، يمثل هذا الشكل قضية معينة.

- الرموز تنظر للأمل من خلال الأبواب والنوافذ، والقيود التي تقيدها من السواد والمساحات الرمادية، فكلها مشاعر موجودة في فكر الفنان يبرزها عبر الفراغ، إلى جانب الأمل في البياض والاخضرار في خلفيات الأبواب والنوافذ.

* أيضا استخدمت تقنية تسييل الألوان على اللوحة، هل ذلك أيضا بهدف أم هي تجربة لتقنية أخرى في الرسم؟

- سيلان الألوان هي تقنية قديمة استخدمتها منذ العام 2003، مارست الرسم بهذه الطريقة، وكان له قوة تعبيرية، كتدفق المشاعر، وكثير من الأمور، إذ حينما يسيل اللون الرصاصي على سبيل المثال ينقل إحساس كآبة المشهد حينما يعتقل شخص من غير ذنب، فذلك يعطيني مثل هذا الإحساس، ولا يمكن أن أفصل إحساسي في القضايا التي تعترض حياتي، إذ أتأثر في الواقع وأؤثر فيه، فحينما أفرغ هذا العمل للجمهور، فأنني أؤثر وهذه رسالة، مثلما أثرت الحرب التي قامت في أسبانيا على بيكاسوا وأبدع «الغورنيكا»، فمن الطبيعي أن أتأثر، والفنان يحمل رسالة ومبادئ، ومن المستحيل أن أرسم بألوان فرائحية وأنا مكتئب.

* ولكن بقيت هناك فسحة أمل في أعمالك، صورتها من خلال ألوان الصفاء، إلى جانب الطبقات التي اتسمت بالشفافية في أعمالك.

- نريد العيش في واقع أجمل وأكثر راحة وجمال، نريد أن نرى البلد في تطور واستقرار والشعب يعيش في استقرار، وهذا واقع أؤمن به، وأنا دائما أقدم الصبغة الوطنية، إذ إن الفنان يمثل وطنه، وخير من يمثل الوطن هم الفنانون بوجههم الحضاري، وهم سفراء فوق العادة كما يصفهم البعض، فعندما أخرج بنتاج في بلد ما، سيقال إن هذا الشخص من البحرين، وسيتذكر الناس ذلك أكثر من اسمه.

* وماذا عن حملة زين الرعاة الداعمين لمعرضك الفني؟

- زين هم الرعاة الداعمون فعلا لي، وأنا أشكرهم على تقديرهم، وأشكر المدير العام للشركة محمد زين العابدين ومديرة العلاقات العامة سامية حسين، والدكتور فؤاد شهاب واللجنة التي اختارتني فائزا في حملة تحقيق الأحلام، وأنا أعتقد أننا بحاجة لشركات وجهات داعمة للشباب، فلو لاحظت فإن من سيمثل الحركة التشكيلية في البحرين مستقبلا هم الشباب، الكبار يغادرون، وخسارتنا في الفنان الراحل أحمد باقر كبيرة جدا، فيجب أن ننمي التجارب القادمة والشبابية، وأنا أقدم كل الشكر لهم لدعمهم لي ماليا ومعنويا، وأنا أتمنى أن أكون عند حسن الثقة التي أولوني إياها، وسأشرف بلدي بأعمالي.

* هل لديك خطط لمشاريعك المستقبلية بعد أن خطيت أولى خطواتك في إقامة معرضك الأول؟

- هي استراتيجية، بدأتها بالمشاركة في المعارض الداخلية والخارجية، وأنا الآن تجاوزت هذا المسار، وبدأت في تدشين مرحلة جديدة من مسيرتي الفنية بتقديم المعارض فردية التي تثبت الفنان، والمشاركة المقتصرة في المعارض الجماعية بمقابل صناعة معرضك الخاص أمر ينظر له على أن الفنان مقبل على صناعة اسمه، فيجب على الفنان أن يسعى نحو هذا الطريق.

* كلمة أخيرة؟

- دعوا اللون يتكلم.

العدد 2470 - الأربعاء 10 يونيو 2009م الموافق 16 جمادى الآخرة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً