العدد 5068 - الجمعة 22 يوليو 2016م الموافق 17 شوال 1437هـ

صناعة الرَّحى وعلاقتها بزراعة القمح في البحرين

بيت الرحى في أحد المنازل في رأس الخيمة Dostal 1993
بيت الرحى في أحد المنازل في رأس الخيمة Dostal 1993

يُعتبر القمح من النباتات المهمة التي كانت تستعمل، كغذاء، في البحرين منذ آلاف السنين؛ حيث تم العثور على بذور القمح والشعير في مواقع أثرية تعود إلى حقبة دلمون المتأخرة (Nesbitt 1993 and Tengberg et Lombard 2001). هذا، ولا نمتلك دلائل مباشرة تشير إلى زراعة القمح في البحرين في تلك الحقبة، إلا أننا لا نستبعد زراعته في البحرين في تلك الحقبة، إذا ما علمنا أن القمح كان يزرع في البحرين في حقب تاريخية لاحقة؛ حيث توجد تقارير تشير بوضوح إلى أن القمح والشعير كانا من أبرز المنتجات الزراعية في البحرين منذ القرن الثاني عشر حتى القرن التاسع عشر الميلادي، هذا وقد ورد وصف لحقول الشعير في البحرين وذلك ضمن تقرير البوكيرك الذي وصف البحرين في العام 1510م (Nesbitt 1993). وقد استمرت زراعة القمح في البحرين حتى الخمسينات من القرن العشرين؛ حيث كانت له حقول في وادي الرفاع، إلا أن المحصول بدأ يتراجع حتى تقلصت زراعته ثم ما عاد يزرع من جديد.

يذكر أن القمح والشعير كانا من المحاصيل الأساسية التي كانت تستخدم كغذاء في البحرين، حتى تم إدخال الرز في حقب تاريخية لاحقة. هذا، وفي زمن مّا، لا نعلمه بالتحديد ربما منذ القرن الحادي عشر الميلادي، بدأ إحلال الرز تدريجيّاً بدل الشعير والقمح حتى أصبح المادة الغذائية الرئيسية لوجبة الغذاء. وبقي الخبز، الذي يصنع من حبوب القمح أو الشعير كمادة غذائية في الوجبات الأخرى، لا غنى عنه أيضاً.

تاريخ صناعة الرحى

اعتمد سكان المجتمع البحريني القديم في غذائه على القمح والشعير؛ حيث يتم تحويل هذه البذور إلى طحين (دقيق) ليصنع منه الخبز أو تحول إلى جريش، وهو طحين به غلظ، أي أن البذور مكسرة وغير مطحونة وهو ناتج من عملية الجرش أي تكسير حبات القمح. وقد ابتكر الإنسان القديم عدداً من الآلات لتسهل عملية الطحن والجرش ومن ثم أدوات تحضير الخبز أيضاً، ومن أهم تلك الأدوات الرحى.

يذكر أن شعوب الحضارات القديمة التي كانت تزرع/ تستعمل النباتات المنتجة للبذور من أمثال القمح والشعير، قامت بابتكار آلة خاصة، وهي تلك الآلة التي تعمل على جرش وطحن البذور لتحولها إما لجريش أو لطحين، وهي الآلة التي عرفها العرب منذ فترة ما قبل الإسلام باسم «الرحى». لا نعلم من أول من أبتكر هذه الآلة، إلا أن هذه الآلة كانت منتشرة بين شعوب العديد من الحضارات والثقافات المختلفة. حضارة دلمون، التي نشأت في البحرين، ليست استثناء؛ فقد عثر على بقايا للعديد من الرحى، وذلك في مدينة سار الأثرية والتي تعود إلى حقبة دلمون (Moon 2005).

هذا، وقد عرفت الرَّحى بعدة أسماء بين الشعوب العربية، فمنهم من يسميها الرحى، كما في كتب اللغة، ومنهم من يسميها المجرشة (في العراق) والجاروشة (في بلاد الشام).

أجزاء الرحى

الرحى عبارة عن آلة بدائية من الحجر الخشن الثقيل، وهي تستعمل لجرش الحبوب وطحنها، وهي عبارة عن حجرين مستديرين يركب أحدهما فوق الآخر، وهما حجرا الرّحى، يتراوح قطرهما بين قدم وثلاثة أقدام، بحسب حجم الرحى. ويكون الحجر السفلي منهما ثابتاً غير متحرك، وفيه ثقب ضيق واحد في وسطه يسمح بمرور محور خشبي أو معدني يثبت في وسطه، ويسمى قطب الرحى، وهو المحور التي تدور حوله الحجر العلوي. أما الحجر العلوي فهو الجزء المتحرك، ويؤدي دورانه إلى طحن الحبوب، وفيه ثقب كبير نسبيّاً في وسطه، وهو المكان الذي يدخل منه الحبوب، وثقب صغير آخر في طرفه يوضع فيه المقبض الخشبي الذي تحرك به حجر الرحى.

عمل الرحى

يوجد عدة أنواع من الرحى، فبحسب قابلية الرحى للنقل، يوجد نوعان من الرَّحى، الأول، وهو النوع الشائع، وهي الرَّحى المتنقلة أي القابلة للحمل أثناء التنقل من مكان إلى آخر، وهي التي يستخدمها البدو، وغالبية الحضر. وفي هذا النوع من الرحى، يتم وضع الرحى على فراش أو قطعة من القماش تسميه العرب ثفال، ثم يتم وضع حبات القمح أو الشعير في فتحة دائرية صغيرة في وسط الحجر العلوي، وبعدها يتم تدوير الحجر العلوي، وبذلك يتم طحن أو جرش تلك الحبات شيئا فشيئا كلما دار عليها حجر الرحى.

هذا، وقد طورت الشعوب الحضرية التي تسكن في بيوت طينية نوعاً آخر من الرحى يكون ثابتاً في غرفة صغيرة خاصة في البيت، تعرف باسم «بيت الرحى»؛ حيث يثبت الحجر السفلي للرحى في حوض خاص، يسمى الثفال، يبنى حول الرحى، وهو حوض دائري مطلي بجص ناعم يتساقط فيه الطحين أو الجريش الناتج من عملية دوران الرحى.

أما من حيث عملية الطحن، فهناك ثلاثة أنواع من الرحى، الأولى، وتستخدم لعملية الطحن وتحضير الطحين، والثانية يكون باطن حجرها خشناً وتستخدم لجرش البذور وتحضير الجريش، كما يوجد نوع ثالث، من الرحى، صغير، يستخدم لطحن مواد أخرى مختلفة غير البذور.

الخلاصة، أن الرحى من الآلات التي تم ابتكارها منذ آلاف السنين، واستخدمت في البحرين منذ القدم. هذا وقد ارتبطت الرحى بأهازيج خاصة عرفت بأسماء مختلفة، منها أغاني الرحى، وأغاني المجرشة، وأغاني الجاروشة، ومع ذلك لم يتم توثيق الشيء الكثير حول هذه الآلة في البحرين. يذكر أن هناك مهناً أخرى ذات ارتباط وثيق بالرحى، وهو ما سنتطرق له في الحلقة المقبلة.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 5:42 ص

      رحمك الله يا جدتي .. نعم أهل البحرين اشتهروا بإستخدام رحى الحجر نفس هذا الزمن اشتهروا بإستخدام
      المطاحن اليدوية والكهربائية حتى ان البعض منهم خصص له أكثر من رحى على سبيل المثال رحى لطحن القمح
      والرز وآخرى للبهارات والحناء وغير .. في الحقيقة والواقع وهذا رأيي بأن الرحى غير صحية بتاتا لأن أثناء
      دوران الطبقتين يحصل احتكاك فتسقط حبيبات وذرات الرمل فتختلط مع الأكل وفي اعتقادي القاصر هذا
      أحد الأسباب الرئيسية لتكون حصى الكلى الذي يعاني منه الكثير من الناس قديمًا..... تقبلوا مروري

    • زائر 1 | 2:17 ص

      الله يرحمچ يايمة او يرحم جميع أمة محمد.

اقرأ ايضاً