العدد 5068 - الجمعة 22 يوليو 2016م الموافق 17 شوال 1437هـ

قصة قصيرة... سَمَرٌ ظُلامي

الضوء يخبو شيئاً فشيئاً، عقارب الساعة تتصارع لتمسك بالعاشرة مساء، إيقاع الموسيقى يغوي القادم إلا من بعض النغمات الواهية، موعدٌ خارج مسارات الزمن، أعبث في هاتفي لأتأكد من أنها الليلة، أكاد لا أصل لتاريخ اليوم إلا بمشقة بالغة، تشويش ذهني أنهيه بيقين إنها الليلة المترهلة.

حارس الغواية في غير وضعه الطبيعي، يبعث بعينيه عبر الأثير موجات متفحصة الداخلين إلى الظلمة بنظرة شزراً والأخرى عمياء، أحسب عملاً إرهابياً سيقع،  أبرزت تذكرتَي الدخول، فسلمني بطاقتين اكتشفت فيما بعد أن زوجتي على غير ذات الجنب، إنها المرة الأولى التي يحدث فيها ذلك، زوجتي تحملق وتتمتم عبارات السخط، أهدأها فإنها دقائق معدودة... أبقى وحيداً.

الموسيقى تهدأ، المكان يزداد قتامة، الظلمة توزع ديجورها في كل الأنحاء، السكون سيطر على أطراف الحاضرين، بدّده رنين هاتفي المزعج دائماً، أبحث عنه في كومات أشيائي  لأكتشف أنها مجرد فوضى.

موسيقى رومانسية هادئة وحزينة، لم تستأذن الأسماع لتستقر في المشاعر، شعور جنائزي يخترق قلبي، أقطعه بتفاؤل، يتلاشى الصوت، تنفث الظلمة مجموعة من الأطفال اللاجئين بخِرَقٍ بالية وممزقة، بعضهم حفاة والبعض الآخر يرتدي فردتين مختلفتي المقاس إحداها ممزق والآخر منتهي الصلاحية، في مخيم اللاوعي يتنازعون بقايا رزّ بقاعِ قِدْرٍ مطبق بالأماني، لكنه أحلى من العسل وهم يلوكونه في مخيلتهم، تذكرت مقولة معلم التاريخ "عندما يقسو المستكبرون على المستضعفين تصبح الحكاية مثلومة ومأسوية"

 تتسارع دقات قلبي... اللون قاتم جداً، البيوت القشيّة في شرق الأرض احتفلت بها المياه فالتهمتها، وأصحابها يستغيثون في مسبح طبيعي قاسٍ.

 يبدو أن الليلة قاسية بقسوة المشاهد، لكن أبي علّمني أن العجلة شيطانية الهوى.

 طفل هَجَرَ الماء جسده وأغْفَر الغبار شعره فجعله ترابياً، أظافره تحتضن السواد فتكاد تقضي عليه، أما قلبه فبريء وأبيض، يلعق حفنة حلوى ويتصارع مع الذباب؛ ألعنها، ومن غير شعور أخَذَت يدي تلّوح ذات اليمين وذات الشمال حتى قبضت على بعضها، لكنها أفلتت...

اللعنة على الظلمة والظلام...

كسرات الخبز في سلة المهملات تلهث وراءها أجساد طلّقها الشحم، تسمع زمجرة أسنانهم المنخورة تتقاتل على الفتات فلا يحظى أحد منهم بشيء، سوى قهقهة المترفين وهم يرقصون طرباً.

طاش لُبي وانطمس، وانعقد لساني وخرس، وتصلبت أطرافي أبحث عن الضوء إلا أنني أتيه أكثر على وقع مغنّية وهي تنتشي بمفاتنها وتتراقص بتغنج. صخب المكان يصم الآذان والمشهد يعمي الأبصار..

استغفرالله...

ما هذا؟

الظلمة تتعرى وتكشف عن قبحها...

أتوارى..

زوايا المكان تزداد عتمة..

ذبائح فاقع لونها لأطفال أعدموا وهم في طريقهم لمدارسهم، أحشائهم تفوح منها رائحة الخيانة؛ أتقزز منها فألفظها، كربيضة السباع افتَرَسَها ذوو الكرش المتدلية والوزن الثقيل، وانثالوا ينهشونها من كل جانب، ويحفرونها خنادق يصل بعضها ببعض، وما كادوا يفرغون ليغسلوا أيديهم بدهن العود النفطي ويخللوا أسنانهم بالهيل القاني.

أتحسس حجم بطني، ألتفت يميناً وشمالاً، أرمق أعلى أسفل، بصيص ضوء؟! أين أنا، أين زوجتي، أين الحضور، وأين صخب الموسيقى وأين أين؟

أهم ميتون أم في الظلمة غارقون؟؟





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • المرهون | 4:35 ص

      احساس صادق مرهف؛ كلمات ليست ككل الكلمات قليلون من يستطيعون ادخال القارئ برواياتهم الى عالم الواقع، ابدعت موفق بإذن الله ????

    • زائر 6 | 12:32 م

      بارك الله فيك أخي

    • زائر 5 | 5:35 ص

      تسلم لي انامك العجيبه وافكارك الراقيه ورائعه

    • زائر 4 | 3:21 ص

      جمييييل جميل جميل ماخطة يراعك جعلتنا نسافر ، مع الحرف والكلمه ،، سطور صادقه اكبر دليل دمعتي انهمرت وانا أقرأها

    • زائر 3 | 2:03 ص

      ما ا جمل اصرارك وعدم استسلامك

    • زائر 2 | 1:24 ص

      إبداع و سلاسة في توصيل الفكرة الهادفة

    • زائر 1 | 10:50 م

      أحسنت أستاذي الفاضل قصة جميلة . سلمت أناملك.

اقرأ ايضاً