العدد 5069 - السبت 23 يوليو 2016م الموافق 18 شوال 1437هـ

لفتاتٌ من صحافة الماضي

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

الكتّاب هم أكثر من يشعر بوطأة تدني سقف حرية الرأي في الصحف، لأنهم أكثر المعنيين بالكلمة وحرية التعبير.

من السهل أن تنتقد وتنظّر وأنت خارج الحلبة، بينما قيود اللعبة تكبّل أصابع من يحملون القلم ويتحدّثون عن الهمّ العام، خصوصاً حين تضيق النفوس بالكلمة الصادقة والنقد الهادف للصالح العام.

أحد الزملاء بعث بمجموعةٍ من صور صحافة الخمسينيات، ومن خلالها تكتشف بعض تقاليد تلك الحقبة، في مجال الصحافة. وكان لافتاً، أن الجريدة يومها كانت تنشر عناوين المواد المحذوفة، وتشير إلى حذفها، وكان مجرد نشر العنوان يغنيك عن التفاصيل. وهو تقليد «شبه ديمقراطي»، يُسجّل للجهات الرقابية في البحرين قبل سبعين عاماً.

من هذه العناوين، في عدد يوم الجمعة، 4 نوفمبر 1955، من جريدة «الوطن»، مقال للكاتب الكبير علي سيار، «إنني اتهم القضاء بعدم النزاهة»، يتصدّر الصفحة، بينما النص محذوف، وفي بياض الصفحة كتبت عبارة «حذفته لجنة الرقابة»! وأسفله مباشرةً، تتكرّر العبارة نفسها، في زاوية «ضوء على الحوادث»، التي أفرغت من النص. وتحته مباشرة كتب: «نحن والرقابة»، يبدأ بعبارة: «صديقي القارئ...»، يحاول فيها أن يشرح للقارئ سبب الضعف الذي يعتري الصحف.

في عدد 9 سبتمبر 1955، يتصدّرها عنوان: «بابكو، لماذا تناصبنا العداء»، مذيّل بتوقيع: (ع. س)، وفي الصفحة نفسها مساحتان فارغتان، الأولى بعنوان: «ماذا في قانون العقوبات؟»، والثانية بعنوان «مدير معارف البحرين يشتري أرضاً ثانية بسبعين ألف ليرة في لبنان»، مع العبارة المشهورة: «حذفته الرقابة»! والطريف وجود فرق في سعر النسخة، فالعدد الأول كان بـ12 آنة، والعدد الثاني بسعر 10 آنات فقط!

في زاوية أخرى، مجموعة من الأخبار المختصرة، أحدها يتحدّث عن مغادرة «سكرتير هيئة الاتحاد الوطني الأستاذ عبدالرحمن الباكر البحرين في طريقه إلى لبنان، في الساعة الثامنة من صباح يوم الجمعة 23 مارس الماضي». وإلى جانبه تهنئة للعالم الإسلامي عامةً وشعب البحرين خاصةً، بشهر رمضان الذي كان سيحل «بعد أيام معدودات».

في صورةٍ أخرى، إعلانٌ يبدأ بالتالي: «إلى إخواننا العمال والموظفين وأصحاب المهن الحرة... بادروا بالتسجيل في نقابتكم الموحّدة: «اتحاد العمل البحراني»، فهو الأداة الفعالة لصيانة حقوقكم ودفع الأضرار عنكم والسعي لرفع مستواكم. التسجيل مستمرٌ يومياً في: المركز الرئيسي بشارع التجار – بناية الشيراوي، فروع للتسجيل في المحرق والحد. مكاتب متنقلة في القرى والمناطق الخارجية». ويتكلم إعلانٍ آخر عن «راديو النجم الذهبي (pye)، فائق الجودة، جميل المنظر، رخيص الثمن، ويتيح لك استقبالاً واضحاً». كان الشعب في تلك السنوات يتابع خطابات الرئيس المصري جمال عبدالناصر بحماسٍ منقطع النظير.

من الصور أيضاً، رسم كاريكاتيري لثورٍ بفمه غصن شجرة، يقف أمام مبنى باب البحرين الشهير، وكتب تحته «ثور للإيجار». ومن الصعب علينا أن نتبيّن المقصود حيث لم نعش ذلك الزمان، خصوصاً أن كلمةً كتبت على ظهره، بلغة تبدو هندية، فربما يقصد الفنان الإشارة إلى الكتّاب المرتشين في ذلك الزمان، أو من يحاولون شقّ الوحدة الوطنية وتمزيق صفوف الشعب الواحد.

الصورة الأخيرة في هذه المجموعة، من أحد شوارع الحد، وهو شبيهٌ بشوارع أي منطقة أخرى من البحرين في تلك الفترة، حيث يبدو طفل يسير أمام سيدة متلفعة بالعباءة، فيما يظهر رسمٌ على حائط أحد المنازل، يحمل قلباً في داخله حرف (B)، يخترقه سهمٌ مع حرف (A)، وهي الحروف الأولى التي تشير إلى أسماء العشّاق في ذلك الزمان. وقد ظلّت تلك الأيقونة، (السهم والقلب المجروح)، مستخدَمَةً حتى نهاية السبعينيات، وبعضهم كان يضيف إليها عيناً تقطر منها الدموع، للدلالة على اللوعة والقلب الذي يعذّبه الحبّ.

ماذا سيُكتب عنّا بعد سبعين عاماً، حين يأتي من بعدنا، من سيكتبون عنّا وعن صحافتنا وأوضاعنا هذه الأيام؟

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 5069 - السبت 23 يوليو 2016م الموافق 18 شوال 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 2:10 ص

      فكرة حلوة
      لو زين يطبقونها هذه الايام
      ينشرون عنوان المقال الممنوع من النشر وحذف المقال نفسه!!!!!
      صراحة فلة

    • زائر 8 | 1:34 ص

      سيكتب عن صحافة هذا الزمان انها صحافه طائفية ..

    • زائر 7 | 1:31 ص

      يمكن يكتبون إن سمحت الحكومة للصحف بنشر دقيقتين فيديو! بعد ما كان ممنوع ..

    • زائر 6 | 1:19 ص

      يمكن راح يكتبون عنا أن زمننا كان زمن اختراعنا للديمقراطية الجديدة التي لم يسمع العالم عنها من قبل...

    • زائر 5 | 12:36 ص

      يا سيدنا لا تذكرنا بالماضي الجميل - زمن اللي الجرايد نقرأها وقلبنا بارد وأهم شي صفحة التعارف والكلمات المتقاطعة ألحين تفتح الجريدة من صباحة الله بدل الكلمات المتقاطعة نجد القلوب المقطعة ولو ما القرائة صارت لنا إدمان لتركنا قرائة الصحف خير شر لأنها مُعظم الأحيان لا تحتوي الا على الأخبار المقززة التي تلوع الجبد حتى صحيفتنا العزيزة الوسط قامو يخلون لنا أخبار الفنانات والممثلات الا فلانه ولدت والا فلتانة تطلقت والا فلانه انجبت ولكن لم تتزوج بعد على الأقل خلوا لنا مثل زمن أول كلمات متقاطعة وشكراً.

    • زائر 2 | 9:51 م

      اللهم احفظ البحرين وشعب البحرين وابعد عنا الفتنة ما ظهر منها وما بطن

اقرأ ايضاً