العدد 5076 - السبت 30 يوليو 2016م الموافق 25 شوال 1437هـ

التزام السياسة الاقتصادية البحرينية بتدابير صندوق النقد الدولي

عبدالله جناحي comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لنحلل اقتصاد البحرين ونكتشف مدى التزامه وتنفيذه شروط وتدابير صندوق النقد الدولي سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، فحسب الحساب الختامي لعام 2015 معتمدين على احصاءات مجلس التنمية الاقتصادية، فقد سجلت «الإيرادات غير النفطية» ارتفاعاً بمقدار 5.1 في المئة مقارنة بالعام 2014، وخصوصاً على صعيد «الضرائب والرسوم» والتي زادت من 202 مليون دينار إلى 224 مليون دينار، ولكن بمعدل غير متناسب مع انخفاض الإيرادات النفطية جراء الانخفاض الكبير في أسعار النفط. فالمعالجة، امتثالاً لشروط و تدابير صندوق النقد الدولي، ستظل فاشلة في تقليص فجوة عجوزات الموازنة العامة المتنامية لأسباب الخلل البنيوي في هيكلية الاقتصاد.

بالنسبة «للعجز الفعلي» فقد تجاوز حاجز المليار دينار بكثير، ووصل إلى نحو مليار وأكثر من 500 مليون دينار، بعد أن كان فقط 455 مليون دينار في عام 2014، و410 ملايين دينار في العام 2013، و226 مليون دينار في العام 2012، و31 مليون دينار في العام 2011، ولذلك وصل الدين العام للدولة إلى 7.2 مليارات دينار في نهاية العام 2015م، بعد أن كان 5.5 مليارات دينار نهاية العام 2014، وعليه دفعت الحكومة خلال العام 2015 نحو269 مليون و475 ألف دينار «كفوائد» القروض التي مولت العجز، ففوائد الدين ستظل في حالة تصاعد بأبعد من المستوى الآني؛ أي ما نسبته 13 في المئة من إجمالي دخل الموازنة العامة، ولا يمكن للسياسات الراهنة أن تحقق سوى المزيد من العجز والديون ودفع فوائدها المتراكمة، وبدلاً من أن تساعد السياسات والإجراءات الاقتصادية في زيادة الإيرادات، يوضح الحساب الختامي بأنها انخفضت بنسبة 2.6 في المئة مقارنة بالميزانية المعتمدة، وبانخفاض بلغت نسبته 33.9 في المئة مقارنة بإجمالي الإيرادات المحصلة للسنة المالية 2014، وعلى رغم التحسن الطفيف في الإيرادات غير النفطية، إلا أن الإيرادات النفطية مازالت مهيمنة، حيث كانت نصيبها الأكبر من إجمالي الإيرادات العامة وبنسبة 78.1 في المئة مقارنة بنسبة 86.2 في المئة للسنة المالية 2014م. وظاهرياً، يقال بأنه نجاح لسياسة تنويع مصادر الدخل، ولكن واقعياً هو بسبب انخفاض أسعار النفط أولاً كسبب رئيسي، وزيادة الإيرادات الضريبية المباشرة وغير المباشرة التي لم تحلل آثارها على القوة الشرائية والادخار والاستهلاك العام للمواطنين.

أما على صعيد النفقات، فقد ارتفعت في معظم البنود المتكررة وفوائد القروض 17.9 في المئة، بما يعكس حالة فقدان التحكم بين مستويات الإيرادات المتوافرة والمصروفات المطلوبة، على رغم أن الدولة نفذت إحدى «نصائح» الصندوق بخفض الحكومة دعمها السلع الغذائية بمقدار 10 ملايين دينار تقريباً، كما تراجع صرف الحكومة على المساعدات الاجتماعية حيث بلغ 17 مليون دينار عام 2015، في حين كان 20 مليون دينار في العام 2014، وتراجع صرف الحكومة على دعم الأسر محدودة الدخل (علاوة الغلاء) حيث بلغ نحو 110 ملايين دينار عام 2015، في حين كان 114 مليون دينار عام 2014، على رغم أن جميع المؤشرات تؤكد استمرار تدني الأجور لدى غالبية المواطنين، فنحو 36700 موظف بحريني يعملون بأجور أقل من 300 دينار من مجموع العاملين في القطاعين العام والخاص، والذي يقدر بنحو 92 ألف موظف وعامل، واستمرار الجمود في الهرم السكاني من ناحية ارتفاع الدخل، حيث ما يزال الشكل الهرمي (المثلث) هو السائد، ففي القاع غالبية كاسحة محدودة الدخل، وفي الوسط طبقة متوسطة منخفضة النسبة وفي قمة الهرم أقلية صغيرة تمتلك الثروات والدخول العالية! واعترفت الحكومة بأنها نفذت سياسة خفض النفقات العامة عبر خفض الدعم الحكومي، والذي أدى إلى تعزيز الشكل الهرمي بدلاً من توسعه الطبقة المتوسطة.

إن ما يهمنا في هذا المقال هو علاقة هذه الأرقام بالنتائج التي نتمنى ألا تتحقق، والمتمثلة في وقوع البلاد في «فخ المديونية»؛ بهدف تمويل النفقات من خارج الاهداف التنموية الذي وقعت فيه جميع الدول التي اعتمدت على الاقتراض والاستدانة الدولية برعاية صندوق النقد الدولي والمصارف التجارية الدولية، وبالمقابل كنتيجة لاحقة لوقوع الحكومة في «فخ المديونية» هي وقوع المواطن في «فخ المديونية» أيضاً. كيف؟

يحلل الدكتور فولف هذا الفخ من خلال أحد أهم نتائج إجراءات الصندوق هي التدهور المتواصل في القوة الشرائية للمواطنين، والذي يعتبر مشكلة خطيرة للرأسمال المالي، فالرأسمالية ليست بحاجة ماسة إلى نمو اقتصادي متواصل، بل هي تفترض أيضاً تصريف البضائع والسلع المنتجة، ولكن من أين للمواطنين أن يشتروا مزيداً من السلع والخدمات إذا كانت قوتهم الشرائية تنخفض من يوم لآخر؟

إن الحل الذي ترتئيه الرأسمالية لمواجهة هذه المشكلة اسمه: القرض؛ أي أن تقوم المصارف بتزويد الأفراد بنقود إضافية يسددها هؤلاء في وقت لاحق، مضافاً إليها الفوائد المترتبة على القرض، وبهذا النحو لا تساعد المصارف على تخطي «فجوة التمويل» فحسب، بل هي تحصل أيضاً، على مزيد من الأرباح، بيد أن الأمر الواضح هو أن القرض الممنوح يتطلب ضمانات أيضاً، ولكن من أي مصدر تتأتى هذه الضمانات، إذا كانت دخول الأفراد في تراجع متواصل؟ والعلاج السحري الذي حصلوا عليه هو سوق العقارات كرهن مضمون ممكن الاستحواذ عليه، ولكن الأزمة المالية العالمية في الأعوام ما بعد 2007، في الولايات المتحدة كشفت خطورة هذا العلاج السحري، والذي أدى بعد وقوع المواطنين في «فخ الديون» وانهيار سوق العقارات كضمان سحري، أديا إلى ضخ المليارات من الخزينة العامة وأموال الشعب لإنقاذ مصارف وشركات خاصة! فهل لنا أن نتخيل كيف سيكون الحال عندما يعجز المواطن عن سداد التزاماته للمصارف الممولة لما سمي بالسكن الاجتماعي بضمانة وزارة الإسكان، التي حولت مسئوليتها الاجتماعية للبنوك؛ نظراً لضعف ميزانيتها لبناء وتوفير السكن للمواطنين، وفي ظل تدهور القوة الشرائية والتضخم السعري مع انفجار فقاعات المديونيات بالعجوزات المالية؟

ومن واقع المؤشرات البحرينية فإن هذا الفخ أو المصيدة أصبح قريباً من الواقع، فالائتمان المصرفي في نمو متسارع على رغم المخاوف المتعلقة بالسيولة النقدية، فبجانب الإقراض للقطاع الحكومي الذي شكل 4 في المئة من إجمالي القروض المصرفية المحلية الممنوحة في شهر ديسمبر/ كانون الأول من العام 2015، حيث ارتفع الاقتراض الحكومي بنسبة 61 في المئة ليبلغ 300 مليون دينار بحريني، رغم أن الاقتراض الحكومي وصل لأعلى مستوياته من عدة أعوام في شهر أكتوبر/ تشرين الأول من نفس العام حيث بلغ 473 مليون دينار، ولكن من واقع تقرير مجلس التنمية الاقتصادية لشهر مارس/ آذار 2016، تبين أن إجمالي إصدارات الحكومة من أذونات الخزانة وصكوك الإجارة وصكوك السلم قد بلغت 580 مليون دينار، حيث أصدر مصرف البحرين المركزي 12 من اذونات خزانة بمتوسط فائدة بمعدل 2 في المئة، وأصدر 5 صكوك الإجارة والسلم، وبالمقابل أطلقت الحكومة برنامج السندات الأوروبية بقيمة 1.5 مليار دولار في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، والسندات ذات الشريحتين بقيمة 600 مليون دولار في فبراير/ شباط، وبلغت قيمة الشريحة الأولى 275 مليون دولار لأجل 5 سنوات بفائدة 5.95 في المئة، بينما بلغت قيمة الشريحة الثانية 325 مليون دولار لأجل 10 سنوات بفائدة 7.65 في المئة، وتلقت هذه السندات عروضاً بقيمة 900 مليون دولار، وجاء هذا الإصدار بعد أقل من أسبوع من إلغاء إصدار بقيمة 750 مليون دولار؛ بسبب خفض التصنيف الائتماني السيادي للبحرين، ويلاحظ بأن مستويات الفائدة على كافة الأذونات والسندات الحكومية المصدرة في الفترة الأخيرة أخذت بالارتفاع بما يعكس درجة التضخم السعري المستقبلي، ودرجات الخطورة المقدرة من قبل المقرضين وعلى رأسهم البنك الدولي.

إن الحكومة بالتالي مستمرة ليس فقط من الاقتراض الداخلي بل والخارجي وعليه مستحقات دفع الفوائد بوتيرة متصاعدة، في السنوات الخمس القادمة، والمتوقع أن يبلغ مجموع الفوائد خلال العام 2016 نحو 390 مليون دينار، وبالمقابل سجلت القروض الشخصية ارتفاعاً حيث شكلت نسبة 43 في المئة من إجمالي القروض المصرفية، وكان الارتفاع الملحوظ بنسبة 14 في المئة في شهر ديسمبر 2015 لوحده ويأتي على رأسها تمويلات السكن الاجتماعي، بعد أن حولت وزارة الإسكان جزءا من طلبات الإسكان المتراكمة إلى المصارف التجارية والقطاع الخاص لتلبية تلك الطلبات. (القروض التجارية كانت بنسبة 53 في المئة واستحوذت عليها قطاعات البناء والعقارات والتجارة، أما الاستثمار الصناعي ففي تراجع واضح).

وعودة لأساليب صندوق النقد الدولي والخاصة بتصنيفات الائتمان العالمية كذراع يتم استخدامه، فقد قامت مؤسسة موديز بخفض تصنيف البحرين الائتماني لإصدارات البحرين الطويلة من Baa3 إلى Ba1، مع نظرة مستقبلية «سلبية»، وانخفض سقف تصنيف الإصدارات طويلة المدى للعملات الأجنبية من Baa1 إلى Baa2، وللودائع الأجنبية من Baa3 إلى Ba2، أما سقف الإصدارات للعملات المحلية فقد انخفض من A3 إلى Baa1؛ وأرجع سبب التراجع هذا إلى تأثير أسعار النفط على التمويل الحكومي وأيضاً بسبب الأداء الاقتصادي العام للبحرين، كما قامت مؤسسة ستاندرد أند بورز بخفض التصنيف الائتماني للصادرات طويلة وقصيرة المدى للعملات الأجنبية والمحلية من A-3 / ـ BBB إلى BB/B مع نظرة مستقبلية «مستقرة» للبحرين والمصرف البحريني المركزي، ولاحقاً تم خفض التصنيف إلى BB-.

إن كل هذه المؤشرات تترك المرء متخوفاً من آثارها المستقبلية في وقوع الحكومة أولاً والمواطنين لاحقاً في (فخ ومصيدة الديون) التي بتراكمها وزيادة أعباء فوائدها، وفوائدها المركبة لاحقاً، من أن تقدم الحكومة على إجراءات وتدابير «خطاب نوايا» لصندوق النقد الدولي وبعيداً عن البرلمان والرأي العام والتي ستكون نتائجها الاقتصادية والاجتماعية وخيمة على المجتمع والاقتصاد. وعلينا الاستفادة من تجارب الدول التي أصابتها ويلات اللا استقرار الاقتصادي والسياسي، وتاريخ «خطاب النوايا «وكيف بدأ يتم فرضه على الدول يحتاج إلى مقال نوضح فيه تاريخه، وكيف أصبح مهماً وضرورياً لكل الدول التي تعتمد على الاقتراض الخارجي.

إقرأ أيضا لـ "عبدالله جناحي"

العدد 5076 - السبت 30 يوليو 2016م الموافق 25 شوال 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 3:45 م

      السلام عليكم مقال ممتاز ونرجو من الكاتب المحترم المزيد من هذه المقالات وحبذا لو تكون منتظمة ليتم الاستفادة من خبرته وعلمه لتثقيف الناس وزيادة الوعي

    • زائر 1 | 1:58 ص

      تحليل ممتاز يتيح لنأ أصحاب الشركات عدم المتخصصين في التحليل الإقتصادي فهم الوضع الإقتصادي بشكل أكثر , الشكر الجزيل للكاتب وللوسط على هذه التوعية , ونتمنى مقال من الأستاذ يشرح فيه أزمة السيولة النقدية الموجودة حاليا بمقال مثل هذا المقال

اقرأ ايضاً