العدد 5082 - الجمعة 05 أغسطس 2016م الموافق 02 ذي القعدة 1437هـ

الصيران: مهنة تحضير الجص

عملية تجهيز الصيران في القطيف في ثلاثينيات القرن الماضي (الهارون 2015)
عملية تجهيز الصيران في القطيف في ثلاثينيات القرن الماضي (الهارون 2015)

المنامة - حسين محمد حسين 

تحديث: 12 مايو 2017

الجص، أو الجبس، هو أحد المواد التي استخدمت في البحرين منذ القدم في البناء كمونة، أي كمادة ربط بين الأحجار، أو كمادة تطلى بها الجدران. والجص، كيميائياً، هو كبريتات الكالسيوم المائية، وتوجد في الطبيعة بصورة معدن أو بصورة صخرية ضمن الصخور الرسوبية. ويتم جمع الجص الخام من مناطق خاصة تتجمع فيها الترسبات الجبسية، وبعد ذلك يتم حرقه ويحضر منه الجص الذي يستخدم في عمليات البناء. والجص لفظ قديم، استخدمته العرب للمادة التي تستخدم في البناء وطلي الجدران، ولفظة جص عربية قديمة، جاء في معجم تاج العروس مادة «جصص»: «الجَصُّ، بالفَتْحِ ويُكْسَرُ... وهو الَّذِي يُبْنَي بِهِ... وهُوَ مُعَرَّبٌ، أَيْ لأَنّ الجِيمَ والصّادَ لا يَجْتَمِعَانِ في كَلِمَةٍ عَرَبِيَّةٍ... قِيلَ: فارِسيُّة الجَصِّ كَجّ بالكَافِ العَرَبِيِّةِ والجِيم، وقِيلَ بالكَافِ الفارِسِيَّةِ... والجَصّاصُ : مُتَّخِذُهُ».

ويرجح الجبوري أن لفظة جص من أصل أكدي، (2006: مادة «جص»)، وهي في الأكدية گصُ gaṣṣu CAD 1995, v. 5, p. 54).

الجصاص ومهنة الصيران

يسمى مُحضر الجص «الجصاص». وقد تعارفت العامة على مهنة تحضير الجص باسم حرق «الصيران». وقد اختلفت العامة في تحديد معنى الصيران؛ فبعض العامة تسمي الجص الخام، أي قطع الطين التي يتم حرقها، «صيران» ومفردها صار (يوسف وآخرون 2010، ص 113)، بينما البعض الآخر يطلق مسمى الصيران على الحفر التي تتم فيها عملية حرق خام الجص (عبدالجبار 2001، الواحة العدد 22). غير أننا نرجح أن الصيران هي تلك القطع من جذوع النخيل، والتي تسمى أيضاً السِّجين أو الجزم، والتي تستخدم في عملية حرق الجص الخام، وهذا ما أشار له المزين في دراسته حول «مجتمع النخلة» (1997، الواحة العدد 6). كذلك فإن لفظة الصيران في اللغة تعني النخيل الصغار، جاء في تاج العروس مادة «صور»: «الصَّوْرُ، بالفَتْح: النَّخْلُ الصِّغَارُ، أَو المَجْتَمِعُ، وليس له واحدٌ من لفظه... وقال شَمِرٌ: (ج) الصَّوْرِ صِيرانٌ».

وهناك لفظة أخرى في اللغة الأكدية شبيهة بها، وهي «صَرو» ṣarû وتعنى قطعة من النخلة (CAD 2004, v. 16, p. 115). وعليه، فإن مسمى صيران هو قطع جذوع النخيل التي تستخدم في الحرق، وربما تكون اللفظة من أصل أكدي، أو هو لفظ مشترك بين اللغتين. أما إطلاق مسمى الصيران على الحفر أو على الجص الخام، فذلك من باب التعميم وانتقال الدلالة.

خطوات تحضير الجص

تتكون عملية تحضير الجص من أربع عمليات أساسية، هي: عملية جمع الجص الخام، وعملية تجفيفه (في حال كان من الطين البحري)، وعملية حرقه، وعملية دق الجص الخام المحروق. للأسف، في البحرين، لم توثق هذه العمليات بالصور، ولا حتى بالوصف الدقيق، بينما في القطيف فقد وثقت العمليات بالصور والتي نشرها جلال الهارون في دراسته التي نشرها في مجلة الثقافة الشعبية (العدد 30، 2015م) تحت عنوان «مواد البناء التراثية في المنطقة الشرقية»، وذلك نقلاً عن كتاب «Saudi Arabia by the First Photographers».

عملية جمع الطين وتجفيفه

تعرف الأماكن التي يكثر بها تواجد الترسبات الجبسية، والتي يجمع منها الطين أو الجص الخام، باسم «مقص الجص»، ومن أهم المناطق التي تنتشر بها هذه الترسبات في البحرين هي: الصخير، واللوزي، وعوالي، وجزر حوار (المحاري 2009، ص 95). وتبدأ عملية جمع الجص الخام بإزالة القسم الأعلى من الرمال حتى يصلوا للمنطقة الخشنة التي بها الترسبات الجيرية، وتبدأ حينها عملية قص هذه المنطقة، بآلة حادة، على شكل قطع مختلفة الأحجام يسهل حملها. أحياناً يكون مصدر الجص الخام من الطين البحري أو الزراعي، كما في شرق الجزيرة العربية، وعليه يتم تجفيفه بفرشه على الأرض حتى يجف ويتشقق ويتكسر وتكون الكسور بحجم قبضة اليد بعد ذلك تتم عملية جمعه.

عملية حرق الطين ودقه

بعد عمليتي الجمع والتجفيف، يتم التجهيز لحرق الجص والتي قد تتم في حفر تجهز خصيصاً لذلك، وتسمى صيران، أو يكتفى بإحاطتها بجزم جذوع النخيل، والطريقة الثانية أشهرها؛ حيث يتم قطع جذع النخلة طولياً وتحظر السّجين أو الجزم، ثم تتم عملية صف قطع الطين الكبيرة في الأسفل وتوضع فوقها قطعة الجذع والتي تصف عليها قطع الطين بصورة هرمية. وبعد عملية الصف تتم إضافة أخشاب أخرى، ثم تضرم النار فيها. وتبقى النار مشتعلة لمدة تتراوح ما بين (3 و5 أيام)، وبعد أن تخمد النار تترك لتبرد، وبعدها تبدأ مرحلة «دق الصيران» حيث يتم ضرب تلك الكتل الطينية المحترقة بقطع خشبية ثقيلة حتى يتحول إلى مسحوق، وهو الجص، الذي يستخدم في البناء (جمال 2003، ص 169 - 171)، (يوسف وآخرون 2010، ص 113).

أنواع الجص

هناك أنواع مختلفة من الجص تنتج من عمليتي الحرق والدق، وذلك بحسب مصدر الطين أو الجص الخام، إذا كان من الطين البحري أو الصخري، كذلك بحسب المدة التي تستغرقها عملية الحرق، وموقع قطع الطين المحترقة داخل الحريق نفسها إذا كانت في المنطقة الداخلية «القلب» أو الجزء الخارجي. وهناك عدة أسماء تتكرر في مقالات مختلفة تتحدث عن صناعة الجص في الكويت أو في شرق الجزيرة العربية، من هذه الأسماء «الجص العربي»، وهو الذي يستعمل لطلاء المنازل والسطوح والحمامات والزخرفة، ومنها الجص «الخچري» (الخكري) الذي يستخدم كمونة لربط الصخور مع بعضها البعض، وهو الذي يستخرج خامه من طين البحر أو الأراضي الزراعية.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً