العدد 5090 - السبت 13 أغسطس 2016م الموافق 10 ذي القعدة 1437هـ

انقلابٌ جديدٌ في تركيا

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

الانقلاب الجديد الجاري حالياً في تركيا بشأن علاقاتها مع دول الجوار، أخطر وأبعد أثراً من الانقلاب الذي قاده الجيش للإطاحة بحكم رجب طيب أردوغان منتصف الشهر الماضي.

ما يجري انقلابٌ كبيرٌ في سياسات تركيا التي تبنتها قبل خمسة أعوام، خصوصاً موقفها المتشدّد ضد نظام بشار الأسد في سورية. وإذا كانت نتيجة الانقلاب العسكري داخلياً، تشديد قبضة أردوغان وحزبه على مفاصل الدولة، وإضعاف نفوذ الجيش، فإن نتيجة التغييرات خارجياً أكبر وأخطر، لتأثيرها على مستقبل شعوب المنطقة، خصوصاً تلك الدول التي تورّطت تركيا في تأجيج صراعاتها الداخلية، بتدخلها كطرفٍ فاعلٍ على أراضيها، مثل العراق وسورية.

طوال الأسبوع الماضي، كانت هناك سيولةٌ شديدةٌ في الموقف التركي، اتخذت مسارين اثنين: المسار الأول باتجاه تعقيد علاقاتها مع حلفائها التقليديين، كالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية؛ والمسار الثاني باتجاه إعادة تحسين علاقاتها بدول المحور الآخر، مثل روسيا وإيران.

الانقلاب الجديد بدأ مع استبدال مهندس السياسة التركية ورئيس الوزراء السابق داوود أوغلو، بخلفه بن علي يلدريم، الذي ألمح إلى التغييرات الجديدة في السياسة التركية، باتجاهها نحو مصر وسورية و"إسرائيل". وربما كانت أحد الأسباب الرئيسية للتعجيل بالانقلاب الذي كان الأميركيون يلمّحون بوقوعه منذ أشهر. وكانت المفاجأة أن الأميركيين والأوروبيين كانت قلوبهم مع الانقلاب، بينما كانت المفاجأة الأخرى أن المحور الآخر -الروس والإيرانيين- كانوا أول من أدان الانقلاب. بل إن بعض التقارير ذهبت إلى أن الروس لعبوا دوراً مهماً في إفشال الانقلاب حين زوّدوا الحكومة التركية بمعلوماتٍ قبل ساعات من انطلاقه.

طوال الأسبوعين الأولين من الانقلاب، كانت هناك حالة صدام بين الجانبين التركي من جانب، والأميركي والأوروبي من جانب آخر، تحت عنوان احترام حقوق الإنسان واستعادة فتح الله غولن، الذي تتهمه أنقرة بأنه الرأس المدبّر للانقلاب. أمّا في الأسبوع الماضي، فبدأنا نشهد تحوُّلاتٍ كبرى في الموقف التركي باتجاه المحور الآخر، بما يمثل انعطافةً حادةً سيكون لها آثارها الكبيرة في إعادة توازنات القوى وتخفيف أو تعميق التحالفات.

كثيرون منا، نحن العرب، مازالوا غير مصدّقين لهذه التحوّلات التركية، وبسبب عنصر المفاجأة، نحتاج إلى فترةٍ من الوقت حتى نستوعبها. والسبب أننا نظن السياسة خطباً حماسية وعواطف، فلا ندرك اتجاه الريح إلا بعد هبوبها. لكن الأقوام الآخرين من حولنا، روساً كانوا أو أتراكاً أو إيرانيين، أو هنوداً وباكستانيين، يفكّرون بمصالحهم العليا، فالتركي الذي استغل قضية غزة خمسة أعوام، تخلّى عنها من أجل تطبيع العلاقات مع "إسرائيل"، ولحس مواقفه وشروطه السابقة، بضرورة رفع الحصار والاعتذار لقتل مواطنيه الأتراك.

اليوم نصحو على مشهدٍ يُعاد فيه رسم علاقات جديدة، بين دول وقوى متنافرة أو متنافسة، ويجري الاتفاق المبدئي على ضرورة إيجاد حلٍٍّّ بينهم لأعقد مشكلةٍ سمّمت العلاقات وكادت أن تدفع بهم نحو المواجهة الشاملة. فالموضوع السوري الذي كان بؤرةَ الخلاف بين الأتراك والروس والإيرانيين لأكثر من خمس سنين، أصبح الأسبوع الماضي موضوع نقاشهم الأساسي، حيث تتوالى التصريحات التي قد تنتهي بالصلاة جماعةً في الجامع الأموي بالعاصمة السورية دمشق.

بعض شواهد الانقلاب الجديد في تركيا، والسيولة الشديدة في الموقف التركي، ضمن تطورات هذا الأسبوع وحده، ما قاله بن علي يلدريم: سنشهد تطورات جميلة في سورية؛ شاويش أوغلو داعياً موسكو إلى عمليات مشتركة ضد "داعش": من الآن فصاعداً ستنضم تركيا إلى العمليات ضد "داعش" بطائرات حربية؛ السفير التركي في موسكو: يجب إيجاد حلٍّ سريع للأزمة السورية مع الحفاظ على وحدة الأراضي السورية والحفاظ على هيكليتها السياسية؛ إلى جانب ما يجري من مباحثات روسية تركية في موسكو لإقفال الحدود التركية مع سورية من أجل قطع الإمدادات عن تنظيم "داعش".

بعد خمسة أعوام ونصف العام على الأزمة السورية، بدأت تتغيّر قواعد اللعبة التي عرفناها. علينا أن نحاول استيعاب ما يجري، ونحن نشاهد بداية إرهاصات الانقلاب الجديد في تركيا... انقلاب أردوغان على أردوغان! 

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 5090 - السبت 13 أغسطس 2016م الموافق 10 ذي القعدة 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 31 | 11:21 ص

      تركيا انتصرت على الانقلاب وعاد الامن والأمان

    • زائر 32 زائر 31 | 3:15 م

      واعادت تطبيع العلاقات مع الكيان وتم التطبيل لاردوغان

    • زائر 30 | 6:40 ص

      صباح الخير

      السؤال المهم أن هل أردوغان سيغلق حدوده مع سوريا ولا يسمح لهائؤلاء الارهابين التكفيريين بالعبور إليها هادا يريح حزب المقاومة ويسهل القضاء عليهم

    • زائر 28 | 5:48 ص

      أقول أنت وياه بطلوا من الأحلام و أمنيات ... الروس يعون أكثر من غيرهم (و هناك مؤشرات أن الإيرانيين بدؤوا يعون ذلك متأخرين) أن بقاء بشار الأسد في الحكم يعني استمرار الحرب ... هم يريديون مخرج لائق لا يظهرون فيه بالمظهر الضعيف.
      المشكلة أن هي تضارب مصالح روسيا و ايران و تركيا ... ايران و تركيا لا يريدون فيدرالية في سوريا - لأن ذلك سيشجع الكرد لديهم على المطالبة بمثل ذلك في كل من ايران و تركيا - بينما روسيا تريد الفيدرالية في سوريا لأنها الطريقة الوحيدة بالنسبة لها التي تستطيع بها أن تتحكم في سوريا.

    • زائر 26 | 5:29 ص

      ربما يكون اردوغان قد قام باستدارة نحو خصومه كما يقول بعض المحللين السياسيين في سوريا ولبنان .

    • زائر 27 زائر 26 | 5:37 ص

      هؤلاء المحللين هم الذين كانوا يقولون أن لا يوجد شيء في حمص و أن كل المظاهرات في سوريا كانت في استوديوهات الجزيرة في قطر ... أنت ظل تابع إعلام الممانعة و راح تصدق أن ما في شيء في سوريا و كلها يومين و تخلص!

    • زائر 24 | 5:19 ص

      المقارنة بين صدام وبشار غير صحيحة لأن بشار لم يرتمي في أحضان السياسة الأمريكية واذنابها ، أما صدام فاستخدم كالثور الهائج في وجه الجمهورية الإسلامية أبان انتصار ثورتها .

    • زائر 22 | 3:49 ص

      شنو راح يكون موقف الاخوان المسلمين بعد ما غيّر موقفه؟
      من قبل في غزة والتطبيع مع اسرائيل.
      وألحين مع روسيا.
      وبكرة مع مصر ؟

    • زائر 20 | 3:07 ص

      هذه هي السياسه ويجب ان يعي الجميع ذلك وإلا فليس لدينا سياسيين

    • زائر 18 | 2:29 ص

      هؤلاء اصحاب مصالح وأين تكمن مصالحهم سيتبعونها ومن يتوقع منه المزيد فله قصب السبق

    • زائر 17 | 2:28 ص

      مثل ما يقول المثل العراقي: شيم المعيدي وخذ عباته!
      أردوغان ما عليه مخافة، يبتسم في و جه بوتين من صوب و يسلح الثوار و المجاهدين بالأسلحة من صوب ثاني!
      كسر الحصار عن حلب هذه كانت هدية أردوغان لبوتين عندما زار روسيا ... ويش تبي يا بوتين؟ تبي كلام حلو؟ نعطيك كلام حلو، تبي اعتذارات و تشكرات، نعطيك اعتذارات و تشكرات ..... الكلام ببلاش و لا عليه جمرك مثل ما يقولون!
      الموضوع ليس كره أو حقد لأردوغان، الموضوع أن بشار الأسد لا يمكن بعد اليوم أن يعيد السيطرة على سوريا، و ما حدث في حلب قبل أيام خير دليل.

    • زائر 16 | 2:19 ص

      و مع ذلك ستستمر الحرب في سوريا و لا يمكن أن تنتهي إلا برحيل بشار الأسد. ما شاهدناه في حلب في الأيام الماضية لا يمكن تفسيره بأن أردوغان غير موقفه أو تراجع ... ما يحدث في سوريا ثورة حقيقية ليست كثورات الربيع العربي الوهمية... سيستمر القتال و لن يعرف الغزاة الإيرانيين أو الروس طعم الراحة.

    • زائر 11 | 1:37 ص

      مشكله الشعب العربي انه شعب عاطفي لا يعترف بشي اسمه الواقعيه وتغيير المواقف حسب مصلحة بلده اردوغان غير بوصلته عندما احس انه سيصطدم بجدار اما نحن العرب نعيش الماضي كله نعيش التحزب ونتفس الطائفيه وهذا من شيعتي وهذا من عدوي كل الشعوب تقدمت وانهت خلافاتها الا نحن العرب الى مزيد من الفرقه والتفتت

    • زائر 10 | 1:22 ص

      أصبح المذهب مع الأسف هو البوصلة التي تحدد موقف الشخص مع هذا أو ذاك

    • زائر 7 | 12:50 ص

      إنَّ غداً لناظره قريب

      سننتظر نحن وإياكم الي الغد القريب لنري ما تحمله الأقدار لنا، فنحن لسنا في موقع صنع القدر وإنما نجتهد في تصواتنا لما سيكون عليه الغد وإن كان يتفق مع أمنياتنا أم ينقلب عليها.
      ولكلٍ منا مبادئ وقيم تحكم أفعالنا وأقوالنا وتحدد رغباتنا وأمنياتنا وهي التي تجلب لنا السعادة والرضا أو البغض والنفور.
      من كانت مبادئه وقيمه العليا مصلحته الشخصيه فذلك هو ، ومن تحررمن أنانيته الشخصيه وعقده الفئويه وتعالي عليها بنضرته الشموليه لمصلحة الأمه العليا ولخير الناس كلهم فهوَ ذاك .

    • زائر 6 | 12:45 ص

      كيف اعاودك وهذا اثر فأسك

      الذي يطعنك مرة واحدة فيجب الحذر كل الحذر منه وعدم الاطمأن اليه .

    • زائر 5 | 12:35 ص

      العامة يقرؤون في السياسة التي هي محصلة الأمور الاقتصادية. ينسون الأصل و هو الاقتصاد. عدم استيراد المواد من تركيا. منع سفر السواح الروس و الإيرانيين من الذهاب الي تركيا افلس مؤسسات كثيرة و منها ١٣٠٠ فندق عرض للبيع. هذا بالاضافة الي مساندة ايران و روسيا لتركيا عند الانقلاب العسكري سبب رئيس في تغيير بوصلة اتجاهات القيادة التركية. لكن السؤال هو: هل هذا التغيير مؤقت للمرحلة الحالية ام دائم؟

    • زائر 4 | 12:27 ص

      اللعبة السياسية موجوده في كل زمان ومكان وبين جميع دول العالم فلاتركز على تركيا لانها لاتتفق مع هواك... تحدث عن سوريا والظالم الهالك باذن الله بشار واعوانه

    • زائر 13 زائر 4 | 2:11 ص

      الكاتب سيدقاسم قال : لكن الأقوام الآخرين من حولنا، روساً كانوا أو أتراكاً أو إيرانيين، أو هنوداً وباكستانيين، يفكّرون بمصالحهم العليا بينما نحن العرب للأسف نفكر بان السياسة خطب حماسية. فهو يتكلم عن الجميع فقط نحن العرب الذين نفكر بعواطفنا. ولماذا لا تريده يتكلم عن تركيا ؟ لأنها حبيبة قلبك؟

    • زائر 3 | 10:34 م

      يا أردوغان : هل يقايض العبد سيده ؟

      قالها فخامة الرئيس بشار الأسد من البدايه تأثيرات الحرب على سوريا ستطال الدول الأوروبية ناهيك عن تركيا .. أما الآن هذه الأمور لا تعني شيء ، لا بد من الثقة بالله عز وجل والجيش العربي السوري الصامد وحلفائه الشرفاء لكي تطهر أرض سوريا من القذرين المجرمين.

    • زائر 8 زائر 3 | 1:01 ص

      آتعجب من اناس يؤيدون بشار الاسد ويكرهون صدام ،الاثنين شبه بعض في الاجرام الاختلاف بينهم فقط من قتل اكثر من شعبه

    • زائر 2 | 10:29 م

      الان عرف عدوة من صديقة

اقرأ ايضاً