العدد 5103 - الجمعة 26 أغسطس 2016م الموافق 23 ذي القعدة 1437هـ

التكافل الاجتماعي مسئولية وليس تفضلاً

رملة عبد الحميد comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

قيل لحكيم: أي الأمور خير، فقال: دين يشفع، ومال ينفع، وأخ يسأل ولا يقطع. أن يكون التكافل الاجتماعي همّاً لمجتمع ما، وشغله الشاغل، ومن أهم أولوياته وعادته، فهو مجتمع مازال بخير، ويوصف برقي انسانياته، لأن العوز والاحتياج فيه يكون نادراً، ومعه تخف الجريمة والشعور بالبؤس والحرمان والجنوح نحو الانتحار او الانتقام.

التكافل مفهومه التعاضد والتآزر وهو عنوان أشمل لتطبيق المسئولية الاجتماعية وتحملها بالاشتراك مع الاخرين، لقد عنيت الشريعة الإسلامية بالتكافل الاجتماعي بوصفه فرضاً وليس فضيلة، لأن جوهر الإسلام ليس عبادة روحانية فحسب بل هو انطلاقة للتفاعل مع الاخرين وما يشعرون به من حالات الحاجة للعون، لذلك كان التشديد على سد هذه الحاجة من اوليات الإسلام لقوله تعالى: «ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب» (البقرة: 17)، وأكده رسولنا الكريم (ص) بقوله: «من قضى لأخيه المؤمن حاجةً، كان كمن عبد الله دهره».

والتكافل الاجتماعي في الاسلام لا يقتصر على العون المادي فحسب بل شمل التكامل الأدبي فقد جعل الكلمة الطيبة ولابتسامة كالصدقة، والشعور بالآخرين والاحساس بهم والوقوف معهم نوعاً من الرحمة والصلة، وكذلك التكافل العلمي المتمثل في المساهمة في الاثراء العلمي الجاد بدون مقابل مادي، ولكي يضمن الاسلام تحقيق التكافل كواقع عملي جعل منه وجوباً ولزاماً، والمتمثل في الآية الكريمة «والذين في أموالهم حق معلوم، للسائل والمحروم» (المعارج: 24 - 25)، كالزكاة، واخرى على سبيل الاستحباب كالصدقة والوصية والوقف، لقول الرسول (ص) «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية: أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له». وقد حذر الله سبحانه وتعالى من يمنع الخير عن الناس، فقال تعالى: «فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون، الذين هم يراؤون ويمنعون الماعون» (الماعون: 4-7).

وعلى رغم ذلك يبقى الشعور بالمسئولية تجاه الآخرين ناقصاً لدينا، اذ يكفينا ان نرمي ببضع دنانير للجمعيات الخيرية او بعض الصناديق المنتشرة هنا او هناك، او اعطاء من يسأل او يشتكي من حالته او سوء ألَمَّ به عبر الصحافة او وسائل التواصل الاجتماعي، وينتهي دورنا، بل نشعر باننا ادينا الامانة، فهل هذا يكفي؟؟.

بل الأدهى من ذلك اننا ننظر الى موضوع المساعدة في سد الحاجات نوعاً من التطوع الزائد، وآخر اهتمامنا، ونعتذر عن عدم تقديمها لانشغالاتنا، التي ان بحثنا عنها نجد معظمها اموراً ثانوية لا تساوي شيئا امام هذه الاعمال الجليلة التي تركناها لثلة من جماعة نذروا أنفسهم للعمل الخيري وتركناهم لوحدهم يصارعون ونلقي باللوم عليهم ان حدث تقصير خارج امكانياتهم وطاقة استيعابهم، لدينا طاقات شبابية تعيش الفراغ، ومتقاعدون لايزالون في عز نشاطهم ومع ذلك ينأون بأنفسهم عن التبرع بوقتهم وجهدهم للعمل من اجل الاخرين. فالناس ليسوا بحاجة للمال فقط هناك اسر بها معاقون يحتاجون إلى المساعدة، او مسن بحاجة يومية للذهاب الى المركز الصحي والعيادات الطبية ويتعذر ذلك على أسرته مجارات وضعه، وفي المقابل هناك من يستطيع التبرع بساعة اسبوعية لسد الحاجة بدون منة ولا تفضل.

ان الشعوب تحيا والامة تستقيم، والفرد فيها يعيش في امن وسلام نفسي واجتماعي إذا كان الجميع يحس ببعضه بعضاً ويستشعر الحاجة دون البوح بها، بل يتسابق الجميع في تقديم الخير؛ لان التكافل ليس منة او تفضلاً بقدر ما هو مسئولية، نحن محاسبون على مال لدينا او وقت فائض او صحة وقوة، او امتلاك علم ونبخل به، ويكفينا في ذلك قوله تعالى «ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير» (آل عمران: 180).

إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"

العدد 5103 - الجمعة 26 أغسطس 2016م الموافق 23 ذي القعدة 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 10:58 ص

      مقال رائع

      بارك الله فيك أستاذة رملة.. تسلمين عزيزتي

    • زائر 7 | 3:57 ص

      الاسرة هي اللبنه الاولي لو صلحت لصلح المجتمع أجمع .

    • زائر 6 | 3:17 ص

      احسنت استاذة رملة الطرح الرائع ..فعلا نحن بحاجة لدعم فئات المجتمع ليس ماديا فحسب فكوني والدة معاقة احتاج لدعم من الاهل و مساعدة بدل الاعتماد الكلي علی الام و الاب او اللجوء الی الشغالة ..فالاهل عندما تضع احداهن توائم تری كل من يهب للمساعدة و ربما لتبني الطفل الاخر بعض الزمن للتخفيف علی اهله ...و لكن لا احد يساعد في حالة وجود معاق بالعائلة الا بنظرات الشفقة و في احسن الاحوال بالدعاء ..بينما تحتاج هذه الاسرة لمساعدة هذه الاسر بأخذ المعاق بعض الوقت و التخفيف علی اهله ..نعم لنشر هذه الثقافة .

    • زائر 5 | 3:02 ص

      سلمت يداك ع أختيار هالموضوع , لكن هل هناك من يقرأ ويعمل به ؟ الله يهدينا ويهدي الجميع .

    • زائر 8 زائر 5 | 8:55 ص

      نقول الله يهدي الجميع ويمن علينا بالخير
      والاحسان بغفرانه ورحمته انه غفور رحيم..!

    • زائر 4 | 2:57 ص

      هذا ما ينقصنا اليوم وغدا , من عمل عملا فلنفسه ولحياته الاخروية . ولكن .... لا حياة لمن ينادي كما يقولون .

    • زائر 3 | 2:55 ص

      ماشاءالله أيه والله لو كل واحد يحس بالثاني لكان مافي محتاج لكن حب الذات والانانية عمت عيون بعض الناس , وما أجمل وما أحلى وما ألذ العطاء والبذل ف سبيل الله سبحانه , أنها نعم التقرب لله عز وجل .

    • زائر 2 | 2:46 ص

      بارك الله فيك . فعلا نحن محتاجون لكل طاقة ايجابية تساهم في فضاء حوائج الاسر المتعففة و المحتاجة

    • زائر 1 | 12:51 ص

      أحسنتي أختي الكريمة رملة عبد الحميد وهذا من أحلى ما قرأت اليوم! ما شاء الله! كلامش أراح قلبي! دام في ناس مثلش تأمر بالخير إذا نحن بخير! لكن للأسف الناس تدفع الأخماس وأحنى الفقارى ما يوصلنا شي صراحه! واذا انروح للصناديق يعاملونا بصورة سيئة ويسألونه نتبع مين (نقلد مين)؟ صاير التوزيع على الإنتمائات! إذا ما ننتمي لجماعة الصندوق إذا يحرمونا ولا يعطونا شي!
      لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما

اقرأ ايضاً