العدد 5119 - الأحد 11 سبتمبر 2016م الموافق 09 ذي الحجة 1437هـ

عن تاريخ العيد والعيديّة

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

العيد عند العرب هو الوقت الذي يعود فيه الفرح والحزن. ولأن أيامنا هذه هي أيام عيد أضحى، فمن المفيد أن نتحدّث اليوم عن ذلك بشكل خاص. فأصلُ العيد هو من عاد ويعود. لكن الواو في كلمة: يعود تحوَّلت إلى ياء بسبب الكسرة الواقعة تحت العَيْن. وقد جُمِعَت كلمة: عيد لتصبح: أعياداً وليس أعواداً «للزومها في الواحد، وللتفريق بينه وبين أعواد الخشب» كما ذكر ابن منظور.

لكن في لفظة العيد حديث آخر أيضاً، فالعيد حسب أهل اللغة هو شجر جبلي يُنبِت عيداناً لا ورق فيها، وهو كثير اللحاء «يُضَمَّدُ بلحائه الجرح الطري فيلتئم». ومما جاء أن بني العيد هو حَيٌّ تُنسَبُ إليه النوق العِيدِيَّة، وهي نجائب من النوق سليلة فحل مُنجِب. وقيل: العِيدِيَّة ضَرْبٌ من الغنم، وهي الأنثى من البُرقان (الغنم)، لكن الأزهري حصرها في جنس من الإبل العُقَيْلِيَّة.

هذا في أصل كلمة العيد، أما في تخصيص عيد الأضحى فقد جاء في زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي أن في ذلك ثلاثة أقوال. الأول: أنه يوم عرفة. والثاني: أنه يوم النحر. والثالث: أنه أيام الحج كلُّها. وعندما يقال «أيام الحجّ كلها» فإن تعبير الأيام وليس اليوم هو كمن يقول: «يوم بعاث ويوم الجمل ويوم صفِّين يراد به أيام ذلك، لأن كل حرب من هذه الحروب دامت أياماً»، كما يذكر ابن الجوزي.

أما عن تسميته بعيد الحجّ الأكبر، ففيه أيضاً ثلاثة أقوال ذكرها صاحب الزاد. الأول: أنه سُمّي بذلك لأنه «اتفق في سنة حَجَّ فيها المسلمون والمشركون، ووافق ذلك عيد اليهود والنصارى». والثاني: أن الحج الأكبر: «هو الحج، والأصغر: هو العمرة». والثالث: أن الحج الأكبر هو القِران، والأصغر هو الإفراد.

بينما رقّم القاضي أبو حنيفة النعمان التميمي المغربي في دعائم التأويل تفسيره لعيد الأضحى راجعاً بالأمر إلى عموم الأشهر الممتدة من شوال إلى ذي الحجّة. فقال: «بين يوم الفطر ويوم الأضحى 67 يوماً، وأيام التشريق بعد الأضحى ثلاثة أيام فذلك سبعون يوماً؛ وهى أيام الحج، قال تعالى: «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ» فقيل إنها شوال وذو القعدة وأيام الحج من ذى الحجة».

وقد شُرِّع الحج مع ظرف الحديبية، ما يعني أنه في السنة السادسة للهجرة، وبالتالي كان أول عيد للأضحى ضمن ذلك السياق الزمني. لكن ما ذكره السمهودي في وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى من أن أول «فطر وأضحى صلى فيه رسول الله (ص) للناس بالمدينة بفناء دار حكيم بن العداء عند أصحاب المحامل»، يجعل الأمر محل نظر ونقاش في تعيين تاريخ أول عيد للأضحى في الإسلام.

والحقيقة، أن لعيد الأضحى تاريخاً بعيداً سبق ظهور الإسلام، وكان له شكل مقارب لما أمرت به الشريعة لاحقاً من تعليمات وقوانين. فمما جاء في التاريخ أن العرب كانت تحجّ للبيت الحرام، وأن حجّها كان مقروناً بفصل الربيع، وفي أقوال أخرى بفصل الخريف، واقتران ذلك بالنسيء المعروف.

كما أن إجازة الحجاج وإفاضتهم أيام الجاهلية كان المضطلع بها جماعة من حي مضر من نسل الغوث بن مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر ويُسمَّون بالصُوفة وآل صوفة. وقد سُمّوا كذلك لأن أباهم الغوث قد ربطته أمه بالكعبة يخدمها وجعلت في رأسه صوفة أو عمامة أو عصابة تكون علامة لشرفه ونسبه، ولتمييزه بخدمة الحجاج.

وجاء في المفصل أن آل صوفة كانوا يخدمون الكعبة في الجاهلية ويجيزون ويفيضون بالحجاج، الذين لا إذن لهم إلاّ بإذن الصُّوفان. فإذا أجازوا أذن للناس كلهم في الإجازة. وكانت من الشعائر نحر الذبائح (أي الأضحية في التعريف الإسلامي) على الأنصاب، إذ «توزع على الحاضرين ليأكلوها جماعة أو تعطى للأفراد». وقد «تترك لكواسر الجو وضواري البر فلا يصد عنها إنسان ولا سبع» كما يذكر.

وكان الحُجاج في الجاهلية يُقلِّدون هَدْيَهم بقلادة أو نَعْلَيْن كي يُشعِروا الناس أن هذا الحيوان هو هَدْيٌ، لا يجوز الاعتداء عليه. ويلتفت صاحب المفصّل إلى لفظة «التشريق» في التشريع الإسلامي والمقرونة بظروف الحج وما يلي النحر بتصرّف الناس في الجاهلية في توزيع لحم الهَدْي، فتشريق اللحم هو تقطيعه وتقديده وبسطه، ومنه سُمِّيت أيام التشريق كما جاء في لسان العرب.

ومن الظروف التي كانت تحيط بالحجاج في العصر الجاهلي هو عدم حِلِّيّة حلق الشعر أو تقصيره بالنسبة للحاج، وإلاّ اعتُبِرَ حجّه باطلاً. وكان لكل قبيلة عربية تقصد الحج طريقة في فعل ذلك مع صَنَمِها. فمثلاً كان الأوس «إذا نفروا أتوا صنمهم مناة فحلقوا رؤوسهم عنده»، وكانت قبائل «قضاعة ولحم وجذام تحج للأقيصر وتحلق عنده».

بينما يقوم منتسبو بعض قبائل اليمن بعد حلق شعورهم بوضع قبضة من دقيق على رؤوسهم، فإذا حلقوا «سقط الشعر مع ذلك الدقيق» معتبرينه صدقة، فكان البعض من «أسد وقيس يأخذون ذلك الشعر بدقيقه، فيرمون بالشعر وينتفعون بالدقيق» كما جاء.

هذا شيء من تاريخ عيد الأضحى ما قبل وبعد الإسلام، وتعريف بلفظه من لغتنا العربية الجميلة. وكل عام وأنتم بألف خير.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 5119 - الأحد 11 سبتمبر 2016م الموافق 09 ذي الحجة 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً