العدد 5129 - الأربعاء 21 سبتمبر 2016م الموافق 19 ذي الحجة 1437هـ

جلد الذات

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

بعض الأشخاص لديهم قدرة فائقة على جلد ذواتهم، وتحميلها ما لا طاقة لها به، خصوصاً حينما يكونون داخل إطار مشكلة ما حدثت لهم أو لغيرهم.

بعضنا يسعى إلى أن يكون محوراً، ولكن محور هزيمة أو فشل. ينظر لنفسه نظرة سلبية دائمة. يهتم بأدق التفاصيل التي تجعله في نظر نفسه مخطئاً. ويحاول إيصال هذه النظرة لغيره.

وجلد الذات اصطلاحاً في معناه المادي: هو إلحاق الضرر بالجسد بغرض اللذَّة والتمتُّع. وفي معناه المعنوي: هو لوْم الإنسان نفسه أو حِرمانها؛ لارتكابه سلوكيَّات خاطئة.

كثيراً ما تتحوّل لحظات الضعف لدى بعض الأشخاص إلى لحظات أكبر من حجمها الطبيعي. تستغرق فترةً أطول مما تستحق، وتستهلك من القدرة على التحمل والصبر أكبر مما يجب. يضحى بعضنا رهين مشاعره السلبية حتى إذا ما انتبه لنفسه وجد أن الوقت قد تأخر كثيراً، وأن تلك المشكلات والأخطاء الصغيرة قد كبرت وعظم مقامها.

يذكر في القصص الصينية أن رجلاً مر في إحدى الليالي الماطرة على حكيم يسكن كوخاً منعزلاً، فدعاه الحكيم للمكوث عنده حتى الصباح لعل الجو يكون صحواً فيستطيع مواصلة مسيرته. لكن الرجل رفض ذلك بحجة أنه رجل منحوس!

استغرب الحكيم كلام الرجل وطلب منه أن يحكي له حكايته، فقال: حين ولدتُ توفيت والدتي، وما إن وصلت وأبي إلى البيت حتى توفي الآخر، ثم أُخِذت إلى ميتم لأن الرهبة أصابت عائلتي وأرادوا التخلص مني لاعتقادهم بالنحس الذي يرافقني. في الميتم كنتُ وحيداً لأنني كلما عقدتُ صداقةً مع أحدهم أصيب بمكروه، إلى أن كبرتُ وتزوجتُ ظناً مني أن هذا النحس سينقشع، لكن في ليلة زفافي مرضت زوجتي مرضاً شديداً وخشيتُ عليها الموت فغادرتُ بلدتي ومن يومها وأنا أحاول ألا أحتك بأحدٍ، وأبحث عن مكان لا يسكنه البشر!

أراد الحكيم أن يعلم الرجل درساً، فأصرّ على أن يمكث في بيته ولو لليلة واحدة، فقبل الرجل وكله خوف مما سيحدث لهذا الكهل في النهار. وحين استيقظ الرجل وجد الحكيم في مكانه مبتسماً بعد أن جهّز الفطور لهما، وقال له إن دجاجته التي لا تبيض باضت اليوم ثلاث بيضات، وأضاف: كنتَ تعتقد بأنك منحوس وثبّت هذه الفكرة في عقلك الباطن وصدّقتها، فصدّقها من حولك، ولهذا كلما أصاب أحدهم مكروه ظننتَ أنك السبب، ونسيتَ أن في الحياة قضاءً وقدراً، وأن الله هو المتحكم في كل الأمور. وطلب من الرجل أن يتذكر كل الأمور الجميلة التي مرّت في حياته، وكل المواقف السعيدة التي كان هو سيدها، وبالفعل اكتشف أن تلك المواقف الإيجابية كانت أكثر من السلبية ولكنه لم يكن يراها أبداً.

في حياتنا هناك الكثيرون ممن يشبهون هذا الرجل. يظنون أنهم أسباب كل المشاكل من حولهم. بعضهم نجح في إقناع نفسه بهذا وأقنع غيره به، وبعضهم انتبه إلى نفسه قبل فوات الأوان وآمن بأن الله هو مقدّر كل الأمور ومجريها.

من المهم أن نعترف بأخطائنا، ولكن من المجحف أن نضع أنفسنا موضع الشك والتذمر في كل مرة، وكأننا منبع كل سوء يصيبنا أو يصيب غيرنا.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 5129 - الأربعاء 21 سبتمبر 2016م الموافق 19 ذي الحجة 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 1:33 ص

      صباح الخير
      جميل ان تقراء عمود خفيف ورائع مثل هذا وتبداء يومك .

    • زائر 4 | 12:58 ص

      فعلا احيانا نقسوا على انفسنا كثيرا ونظلمها حين نجلد ذاتنا بشكل دائم وكاننا سبب خراب العالم

    • زائر 3 | 12:58 ص

      جميل جميل مقال رائع استاذة

    • زائر 2 | 12:51 ص

      أيقونة الوسط مقال رائع أشبه برائحة الورد في الصباح الباكر

      احيانا السعادة تكون على بضع خطوات منا ولكننا لا ندرك ذلك!

    • زائر 1 | 10:21 م

      صباح الخير شكراً على العمود الرائع

اقرأ ايضاً