العدد 4 - الإثنين 09 سبتمبر 2002م الموافق 02 رجب 1423هـ

شيء أفضل من لا شيء

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

في نهاية الحرب العالمية الثانية قررت صحيفة بريطانية امتحان مخيلة الناس. آنذاك كانت لندن خارجة من تحت الأنقاض تلملم جروحها محاولة إعادة اعمار ما دمرته قذائف هتلر وصواريخه.

السؤال كان بسيطا. كيف تتخيل لندن بعد 50 سنة؟

وجاءت الأجوبة عجيبة غريبة. البعض تخيلها وكأنها قطعة من حدائق بابل. والبعض تخيل أن السيارات ستحلق فوق الطرقات. والبعض تصور ان اشارات السير الضوئية سترسل فضائيا لتنظيم سير السيارات والقطارات فوق الأرض.

استرسل القراء في مخيلتهم التي ذهبت بعيدا في تصور ما ستكون عليه لندن بعد خمسة عقود. فمعظم الآراء جاءت من الخيال الذي لا صلة له بالواقع ولا صلة له بالزمن، بل كانت تعكس رغبات دفينة من الحماس والتطلع إلى المستقبل من دون حسابات عاقلة ودقيقة. فالرغبات والأمنيات والأحلام تتجاوز عند الإنسان الطموح كل تعقيدات الواقع والقدرة البشرية في بيئة معينة على التطور والتقدم والنمو.

بعد 50 سنة أعادت الصحيفة نشر تحقيقها. وجاء واقع لندن يخالف كل ما ظنه واعتقده وتصوره القراء.

لندن تغيرت ولكنها لم تتغير كثيرا. فالثوابت بقيت كما هي مع تعديلات بسيطة حصلت لتنسجم مع التطور وهو في كل الحالات ليس بالسرعة القياسية التي تخيلها الناس قبل خمسة عقود.

نظام السير تطور لكنه لم يتطور إلى درجة الطيران فوق الطرقات.

كل شيء تقدم خطوات وتحدث من دون القفز فوق الواقع. فالخطوات راسخة وقليلة تنسجم مع نسبة حاجات المجتمع وتطلعاته... إلا انها لم تصل إلى مرتبة الكمال، ولم تنقطع عن ماضي الأيام وحياة الأجيال السابقة. فالزمن حلقات وكل حلقة مقبلة لها صلة بالحلقة السابقة. واليوم هو الأمس. والغد هو اليوم. والسبب ان التقدم هو مجموعة تراكمات زمنية تأتي نتاج جهود مشتركة تبذلها مختلف القطاعات لتلبي حاجات محددة في لحظة معينة. وغير ذلك هو مجرد أحلام وأمنيات تعكس رغبة الفرد أكثر من امكانات الواقع وقدرة الإنسان على انجاز بعض ما يريده وليس كل ما يريده.

وفي النهاية: شيء أفضل من لا شيء. وهذا ما يجب ادراكه ليس فقط في حسابات أهل لندن في نهاية الحرب الثانية بل أيضا في حسابات كل بلد

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 4 - الإثنين 09 سبتمبر 2002م الموافق 02 رجب 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً