العدد 5139 - السبت 01 أكتوبر 2016م الموافق 29 ذي الحجة 1437هـ

الشاعر الكويتي علي السبتي 60 سنة شعرا وثلاثة دواوين

علي السبتي
علي السبتي

بمنتصف الاربعينات شهد المجتمع الكويتي الانتقال من مرحلة تاريخية مضت الى مرحلة تاريخية تتسم بالحداثة والتحديث .اما اسباب هذا الانتقال او التحول الشامل فيعود الى عاملين مهمين هما : النفط وتأثيره على الحياة بمختلف مناحيها في الكويت ، وبروز فئة المثقفين  الجدد او الحديثين ودورها المهم في التنمية الثقافية وخاصة على الصعيد الشعري.

ومن بين الشعراء الذين مثلوا هذا النمو الثقافي بآفاقه الحداثية، الشاعر علي السبتي والذي مثل قفزة نوعية في الشعر الكويتي تختلف عما سبقها في الايقاع والنوع والقاموس الشعري والافق والزمن .

لذلك يمكن اعتبار علي السبتي احد شعراء جيل نهاية الاربعينات مرورا بالخمسينات فالستينات المتطلعين نحو افق الحداثة. إلا ان هذا القول لا يفي الشاعر حقه . فهو بالاضافة الى ذلك يعتبر اول شاعر يخترق الشعر التقليدي الى شعر الحداثة او قصيدة النثر .

وفي هذا الشأن يمكن العودة الى ديوانه الاول " بيت من نجوم الصيف " الذي صدر في سنة 1969 بينما القصائد في مجملها تمتد من نهاية الخمسينات وحتى سنة 1968 باستثناء قصيدة " رباب" التي تعود الى منتصف الخمسينات  . اما مؤشرات التحول الحداثي في الشعر الكويتي والتي احدثها هذا الشاعر فتتجلى في هذا الديوان عموما وفي قصيدته " رباب "  خصوصا .

في هذا الديوان – على الرغم من قدمه -  تمتاز القصائد بعدة امور : اولا انها حديثة ، وثانيا انها ذات علاقة حميمة بالحياة أي واقعية، وثالثا انها تعالج موضوعا مهما في بيئة مغلقة، الاوهو الحب ومجمل العواطف الانسانية، ورابعا انها ( القصائد ) تسير عكس التيار الشعري الحديث المغرق في ذاتيته وفرديته على الصعيد العربي، واخيرا تمتاز بأنها كتبت بلغة بسيطة غير متكلفة ومباشرة . وفي هذا الشأن يقول ناجي علوش في مقدمة هذا الديوان " وابو فراس ( يقصد الشاعر) بعد هذا كله ، وقبل هذا كله ، لم يدرس عروض الشعر التقليدي . ومع هذا فنادرا ما يرتكب اخطاء عروضية . . . إن موسيقى شعره ليست موسيقى ناظم درس العروض بل موسيقى شاعر مقياسه حسه الشعري ، وهذا دليل اصالة وموهبة وشاعرية" ص9 وص10من المقدمة .

في هذا الديوان الذي يتكون من 36 قصيدة يطرح الشاعر علي السبتي تلك العلاقة الجدلية بين التحرر الفردي والتحرر الاجتماعي وانهما وجهان لعملة واحدة وبلغة نسبية وملموسة وليست تهويمية او مطلقةأي بلغة الحياة كما يعيشها الناس . ينطلق من فهمه لعلاقة الفرد في المجتمع وعلاقة المجتمع في الفرد.

وإذا كان عنوان الديوان " بيت من نجوم الصيف" موحيا بالصور ودالا على الجديد وهو مأخوذ من عنوان القصيدة الخامسة في الديوان التي يقول مطلعها :

" سأكتب بالدم المهراق قصة حبي العاثر

وابقيها على الزمن ليقرأهااذا ما جاء جيل بعدنا آخرْ

ليعرف قصة الظلماء مرت في سما وطني "

إلا ان لؤلؤة الديوان تتجلى في قصيدة " رباب"  التي تمثل وفقا للنقاد بوابة الحداثة الشعرية في الشعر الكويتي في عقد الستينات وما تلاه .

إن هذه القصيدة بمبناها ومعناها وهيكلها وايقاعها وصورها الشعرية وموسيقاها تنتمي الى هذا الجديد المتفتح الذي بات يجتاح الذائقة العربية الشعرية منذ الخمسينات حتى الآن . وإذا جاز القول فإنها تمثل فتحا شعريا على مستوى شعر الخليج العربي وليس الكويت فقط . وبهذا المعنى يعتبر علي السبتي احد رواد الشعر الحديث والحداثي في الكويت والوطن العربي.

اما تميّز قصيدة " رباب "  وهي القصيدة الاقدم في الديوان فانما يعود الى عدة اسباب اهمها :  اللغة الشعرية الجديدة تماما والتي تحمل روح التمرد على الواقع . والتجاوز المدروس للقافية التقليدية ، وابتكار صور ودلالات جديدة لم يكن للشعر الكويتي عهد بها من قبل ، هذا فضلا عن استحضار بعض الموروث الشعبي او الاسطوري من قبيل الغول او تعابير مثل البغايا والثورة وسندباد والرب وشهرزاد وغيرها من المعالم الجديدة في الشعر الحديث. ففي هذه القصيدة التي اسمها " رباب " بما لهذا الاسم  من دلالة على الالفة والنقاء من جهة، وتعرض هذه الرباب الى ما هوغير مألوف بسبب دور المال في تشويه وشراء النوس وتخريب العواطف من ناحية اخرى .فيقول :

" لا تعجبي . . .

إمّا سألتك ياربابْ

ولقد تجرع خاطري مرّالشراب

وتكاد تأكلنيالوساوس والعذاب

يمتص ايامي يشك بي الحراب " ص18 و19 من الديوان .

ويقول في مقطع آخر مصورا تأثير المال السلبي على العواطف الانسانية :

" قارون عاد بوجهه العربي اقسى من اخيه

المال يغدقه فيجري كالجداول  كالبحور

فيدير افئدة الصبايا

يا انت ياغولا يخيف اذا ادلهم الليل او طلع النهار

يا باعثا في الارض آلاف البغايا

بغد تثور الارض ثورتها فتقتلع الجذور

وتعود للدنيا الشموس وضيئة الدم والاهاب؟ "ص 19 و20 من الديوان .

ومع تواتر الصور الموحية بدور المال وقدرته على تغيير كل شيء وحتى اختطاف المحبين من بعضهم بعضا تبرز لحظة تفاؤل في المقطع الاخير من القصيدة في امكانية بقاء الحب وعدم قدرة المال على شراء كل شيء. فيختتم القصيدة قائلا :

" واتى الجواب

همسات شاعرة تهوّم في الخيال

لا لا تصدق ما يقال

انا لم ابع قلبي . وهل فلب يباع

كل الكلام اشاعة . . .  لا . . لا تصدق ما يشاعْ " ص 23 من الديوان .

لكن هذه الروح الحداثية في قصيدة  "رباب" وكذلك بقية قصائد الديوان لم تمنع علي السبتي من المزاوجة بين القديم من حيث الشكل والشعر الجديد من حيث الشكل والمحتوى. فقد ظل محافظا على شيء من شكل الشعر القديم مع محتوى جديد يناسب متطلبات المرحلة وتطور المجتمع الكويتي .وهو ما يتضح في قصيدة " القلب الرماد " حيث يقول :

"تشتهي النفس ان اخط رسالة       غير اني لم تبق فيّ ذبالةْ

والذي كان قد جرى هدّ قلبي        وسقاني العذاب حتى الثمالهْ

فدعيني حلوة العينِ اني             لم اعد ذلك الذي يُشتكى لهْ " ص101 من الديوان . ونفس الشيء في قصيدة " في عشنا ثعبان " حيث يمزج بين الشعر المقفى والشعر الحديث إذ يقول في احد مقاطعها :

" وذات ليلة فاض بي الحنين

فرحت عند بابها ، طرقت مرتين

فأشرقت وعطر باقتين،

يشق دربها.

يا طيبها .

يا مرحبا بك يا احلى من النغم         ويا الذّ من الشكوى لذي سقم

فانت قارورة الطيب التي امتزجت        دماؤها بدمي يا طيبَ طيبَ دمي

ورحت الثمها من كل ناحية            واشرب اللذّة الكبرى بدون فمِ " ص 107 و108 من الديوان .

بعد هذا الديوان صدر للشاعر ديوانان آخران هما " اشعار في الهواء الطلق" سنة 1980 والآخر " وعادت الاشعار" سنة 1997 .

اخيرا يمكن القول ان علي السبتي شاعر رائد ومتميز ولكنه مقل في الشعر . فعلى امتداد ستين عاما من الشعر لم يصدر له سوى ثلاثة دواوين ، وهذا يعني ايضا حرصه على نوعية الشعر الذي ينشره وليس على الكم .ومع ذلك استطاع هذا الشاعر ان يحظى بحضور شعري لافت ومهم منذ منتصف الخمسينات في الساحة الشعرية العربية.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً