العدد 9 - السبت 14 سبتمبر 2002م الموافق 07 رجب 1423هـ

من منع الحكومة ورفض المعارضة إلى مأزق الطرفين

يعتقد الكثيرون أن الحكومة لم تكن موفقة أبدا بحظرها النشاط السياسي للجمعيات بعد أقل من عام على الترخيص لها بالعمل في «الشأن العام».

السلطة التنفيذية أيضا كانت تدرك استحالة السيطرة على نشاط الجمعيات، في مجال هو ماؤها وخبزها بل وهواؤها، ومع ذلك أصرت على التلويح بتنفيذ الحظر كي تحقق أهدافا متعددة، لكنها بتأخيرها الاستفادة من هذا القرار، تكون قد أهدرت فرصة «قد لا تعوّض»، ووضعت نفسها والمقاطعين في مأزق، بدل أن تنقذ الموقف، كما كانت تأمل.

كانت الغاية الأولى من وراء منع القوى السياسية من تقديم قوائم مرشحيها هو الابتعاد عن الإشكال الذي أثارته التعديلات الدستورية، آلية ومضمونا، بجعل المعارضة تشتغل - لا تنشغل - بمتابعة قرارات ومواقف، ولا تنتهي من مناقشة واحد منها حتى تدخل في متاهة أخرى.

بدأ ذلك بالانتخابات البلدية، وتواصل بالجدل الذي أثارته التعديلات المقترحة على قانون الجنسية، ثم القوانين الأربعة، ولم تنته بسلسلة القوانين الأخرى، وبالوناتها.

الغاية الثانية، معرفة إلى أي حد يشكل الخلاف حول الدستور المبدأ في تحديد الموقف من الانتخابات البرلمانية. وقد عرفت الحكومة أن بعض الجمعيات لا تتخذ قراراتها بناء على ذلك الخلاف.

صحيح أن الكثير من الجمعيات انزعجت من التعديلات الدستورية، لكن الصحيح أيضا أن بعضها انزعج أكثر من حظر نشاطها السياسي. وكانت «جمعية العمل الديمقراطي» قد هدّدت في بيان رسمي أصدرته على خلفية صدور قانوني «مباشرة الحقوق السياسية»، و«مجلسي الشورى والنواب»، بمقاطعة الانتخابات. علما بأنها - والجمعيات الأخرى - لم تهدّد بهذه المقاطعة في فبراير/ شباط بعد صدور الدستور. وفي الإطار نفسه فقد اعترف رئيس «جمعية الوفاق الإسلامية» الشيخ علي سلمان بفشل الجمعيات السياسية «وتراخيها في مواجهة التعديلات الدستورية».

قد يكون موقف الجمعيات سليما من ناحية تكتيكية، إذ من الخطأ اتخاذ موقف نهائي قبل اتضاح التوجهات الحكومية كاملة. لكن ذلك له سلبياته أيضا، فالتراخي الذي ظهرت به الجمعيات، فضلا عن أخطائها وتهافتها على ترتيب ما تسميه بيوتها الداخلية بُعيد التصويت على ميثاق العمل الوطني، ثم سوء إدارتها للانتخابات البلدية في مايو/ أيار الماضي، أعطى للحكومة مسوغات كثيرة للذهاب أكثر مما كانت تطمح إليه.

الاشكال أن القوى السياسية كانت تتوقع أن تقود الحكومة مشروع الإصلاح دونما إخلال بأي من قواعد اللعبة، في الوقت الذي تخرق فيه هي «المعارضة» هذه القواعد. في حين يبدو من تركيب المشهد أن أطرافا في السلطة التنفيذية أو المحسوبين عليها يرون أن الحكومة أكثر قدرة على «الخروج عن النص»، كونها هي كاتبته، أو المساهم الأكبر في كتابته.

أما الغاية الثالثة من الحظر، فيعود إلى خشية الحكومة من تراكم الخبرة عند الجمعيات/ الأحزاب، وقلقها من أن يؤدي ذلك مستقبلا إلى إحداث نوع من التوازن بين المجتمع المدني والحكومة، وهذا ما لم تتعود عليه الأخيرة، ولا الأولى. لكن التجارب قد تشير إلى أن الحظر قد يكون أشد ضررا. ففي الوقت الذي ستطور الجمعيات من أدائها، فإن خبرة النظام وإمكاناته ستكون قادرة على «الاحتواء المزدوج».

أما الغاية الرابعة والأهم من حظر النشاط السياسي للجمعيات، فهي تكمّل سابقاتها، فالتلويح للمعارضة بأن نشاطها في خطر، يجعلها تناشد الحكومة بالتراجع عن ذلك، وهو ما فعلته الأخيرة في بيانها الصادر في 3 سبتمبر/ أيلول الجاري، إلى جانب مطلبها الرئيسي في تعديل الدستور.

وبصدور أوامر بإجراء تغيير على قانون «مجلسي الشورى والنواب» ظهرت الحكومة وكأنها تستمع لآراء القوى الحية، وتلبي طموحها، وبالمقابل كانت تأمل أن تنسى الجمعيات أو تتناسى ما تسميه قضيتها الرئيسية «الدستور» وتدخل اللعبة البرلمانية.

ربما لو صدر رفع الحظر قبل يوم الثلثاء 3 سبتمبر الجاري، أي قبل أن تعلن الجمعيات المعارضة مقاطعتها انتخابات المجلس النيابي، لكان احتمال تغيير المعارضة لرؤيتها قائما، لكن منذ ربطت المعارضة مشاركتها - في بيان وقعته أمام الملأ - بشرط إعطائها كلمة ذات وزن في التعديل الدستوري، فإن ذلك يستدعي من الحكومة تقديم أكثر من مجرد منح القوى السياسية فرصة دعم مرشحيها، كما يفرض على المعارضة عدم الرضا بمجرد تحقيق مطلبها التي سمته ثانويا، وهو ما يفرض على الطرفين تفكيرا آخر

العدد 9 - السبت 14 سبتمبر 2002م الموافق 07 رجب 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً