العدد 9 - السبت 14 سبتمبر 2002م الموافق 07 رجب 1423هـ

الانتخابات النيابية: لبنان نموذجا

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

في العام 1968 انفردت «القوى اليسارية» في الحركة الوطنية اللبنانية بقرار مقاطعة الانتخابات النيابية الجارية آنذاك.

كان موقف «القوى اليسارية» شديد الوضوح في نهجه الأيديولوجي لكنه لم يكن مفهوما لدى الجماهير المؤيدة لخط الحركة الوطنية السياسي.

وجرت الانتخابات، وسط إصرار القوى اليسارية على المقاطعة، ونجح من نجح وخرج «اليساريون» من البرلمان اللبناني، وبقي التقدميون فيه بقيادة كمال جنبلاط.

بعد أسابيع ندم اليساريون على فعلتهم ودبّ النقاش مجددا في صفوفهم... وانتهى السجال الداخلي إلى «نقد ذاتي» للسياسة التي لم تقرأ الواقع بتعقيداته ولم ترَ «العالم» سوى فئات بشرية منقسمة إلى قسمين: يسار ويمين.

لكن الواقع أكثر تعرجا. فهناك في اليمين من يميل إلى اليسار وفي اليسار من يميل إلى اليمين.

أكثر من ذلك. العالم ليس منقسما بهذا الشكل الأيديولوجي. فهناك استقطابات كثيرة تزيد من تعقيد المسائل. هناك الطوائف والمذاهب والمناطق والعشائر والأسر اللبنانية الموزعة على الريف والمدن. وأيضا هناك فئات اجتماعية تعيش في المدينة هي أقرب إلى أهل الريف. وهناك فئات اجتماعية تعيش في الريف هي أقرب إلى أهل المدن. وهناك الفقراء في الضواحي وهناك... إلى آخر الانقسامات والتقسيمات المركبة من مجموعة عوامل ولا تستوي على عناصر أحادية الجانب.

قرأ اليساريون تجربتهم قراءة موضوعية فغادروا فكرة المقاطعة (الفاشلة في كل الحالات) إلى نهج المشاركة في الدورة التالية وهي دورة العام 1972 (كل أربع سنوات دورة).

وشارك «اليساريون» في انتخابات 1972 وقرروا دعم اللوائح الانتخابية القريبة إلى برامجهم بقوة مع أنها ليست متطابقة مع أفكارهم.

كان الخيار إما المشاركة في الحياة العامة للناس بسلبياتها وإيجابياتها وحلوها ومرها، وإما القعود في المنازل ومشاهدة المعركة من وراء الزجاج.

فالسياسة ليست حلوة دائما وليست مرة دائما. إنها نتاج تعقيدات الواقع الذي يصنعه الناس ولا تصنعه الأيديولوجيا. والأيديولوجيا فكرة قد تكون صحيحة وقد تكون خاطئة لكنها ليست بديلا عن الواقع. الواقع أقوى من الأيديولوجيا. والبيئة في النهاية تؤسس ثقافتها ولكنها تتطور أيضا. فمرة الثقافة تسبق البيئة ومرة تلحق بها، لكنها في كل الحالات تعكس «نبض الشارع» محاولة تكييفه معها من جهة وتكييف نفسها معه من جهة.

... ودخل اليساريون اللبنانيون مقاعد البرلمان ولم يتجاوز عددهم أصابع «اليد الواحدة» لكن فعاليتهم في المجلس النيابي كانت تساوي جهود أكثر من 50 نائبا. فأصحاب الرؤية السياسية أقوى في الفعل اليومي من أولئك الذين دخلوا الحياة النيابية لأسباب مناطقية أو محلية، أو بسبب عدم وجود المنافس المناسب.

اكتسب اليساريون خبرة مهمة في برلمان 1972 وأخذوا يستعدون لدورة 1976 ورجحت الاستطلاعات إمكانات فوزهم بمقاعد كثيرة نظرا إلى تميز دورهم في المجلس السابق.

... لكن الواقع كان، للأسف، أقوى منهم. فالبلاد (لبنان) انفجرت داخليا وبدأ الاقتتال الأهلي الذي لم ينتهِ إلا بعد مرور 20 سنة من الدمار والخوف.

وبعد الاستقرار، لم يفت الأوان، عاد «اليساريون» إلى العمل السياسي ابتداء من العام 1972 (المشاركة) وليس من العام 1968 (المقاطعة)

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 9 - السبت 14 سبتمبر 2002م الموافق 07 رجب 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً