العدد 9 - السبت 14 سبتمبر 2002م الموافق 07 رجب 1423هـ

الديمقراطية مذهب سياسي وليست نظاما اجتماعيا

عن التمثيل المباشر والنيابي

عبدالناصر جناحي comments [at] alwasatnews.com

.

فتح باب الترشيح للانتخابات النيابية بدءا من أمس، وبدأت المراكز الخمسة الرئيسية ( كما تنص المادة الثانية، رقم 27 سنة 2002) بتلقي طلبات الترشيح وتستمر إلى 20 سبتمبر /أيلول وهو الموعد الاخير لتلقي الطلبات.

وفي مناسبة أسبوع الترشيح دارت سجالات عن الديمقراطية وأنظمتها وشروطها وقوانينها واختلافها وتاريخها. وهنا اضافة جديدة.

تتميز الديمقراطية ذاتها بعدد من الخصائص الجوهرية، يتجلى اهمها في انها مذهب سياسي من ناحية، وانها فردية من ناحية ثانية، وتتميز الديمقراطية التقليدية بأنها تقرر مبدأ المساواة أمام القانون، واخيرا تهدف إلى حماية حقوق الافراد وحرياتهم.

وأهم هذه الخصائص:

1- انها مذهب سياسي وليست نظاما اجتماعيا أو بناء اقتصاديا.

ومعنى ذلك انها تستهدف المساواة في الحقوق السياسية فلا يتم شيء في الدولة إلا بواسطة الشعب أو على الاقل برضائه. فالديمقراطية تقوم على اساس تمكين الشعب من ممارسة السلطة السياسية في الدولة. وذلك إما مباشرة أو بواسطة من ينتخبهم من نواب، أو باشتراك الشعب مع هؤلاء النواب في ذلك (ويقصد بالشعب في هذا المجال، الشعب السياسي). وبذلك لا تسعى الديمقراطية إلا لتحقيق ممارسة الشعب للسلطة، ولا تتعدى ذلك.

2- فردية الديمقراطية التقليدية.

استندت الديمقراطية التقليدية إلى المذهب الذي يقدس الفرد ويسعى إلى حماية حقوقه وحرياته وتحقيق سعادته. وتعمل الديمقراطية على مساهمة الافراد في الحكم بصفتهم مواطنين من دون النظر إلى أي اعتبار آخر يتعلق بمراكزهم أو بانتمائهم إلى طبقة اجتماعية معينة.

3- تقرير الديمقراطية للمساواة أمام القانون.

تقرر الديمقراطية مبدأ المساواة امام القانون نتيجة لقيامها على اساس المذهب الفردي، بحيث يشترك كل المواطنين في شئون الاصل والجنس أو الدين أو اللغة أو الانتساب إلى مركز اجتماعي معين. ولكن تقرير المساواة القانونية بواسطة الديمقراطية لا يعني انها تسعى إلى تحقيق المساواة الفعلية المادية التي تطمح إليها المذاهب الاشتراكية.

4- حماية الديمقراطية لحقوق وحريات الأفراد أو احترام الديمقراطية حقوق الأفراد وحرياتهم.

وقامت الديمقراطية كمبدأ لمحاربة الحكم المطلق واستئثار الحكام بالسلطة من دون غالبية المواطنين، ومنع الاعتداء على حقوق الأفراد وحرياتهم. فالديمقراطية تعمل على التوفيق بينها وبين مقتضيات الصالح العام. والواقع ان رقابة الرأي العام، ركن مهم بالديمقراطية لا يمكن أن يتحقق فعلا في بلد تنتهك فيه هذه الحريات ولا تكفل حرية القول والكتابة والتعليم وتأليف الجمعيات والاحزاب السياسية والحرية الشخصية وحرية العقيدة والاجتماع... إلخ. ففي هذا تختلف الدكتاتورية عن الحكومة الديمقراطية التي تحترم هذه الحريات وتقدسها وان هي حددتها استثناء فإنما تحددها لا بقصد النيل منها بل بقصد تنظيمها وصيانتها ودفعها للمظالم والفوضى، ومن هذا يتضح مدى اصطباغ الديمقراطية الأصلية بالصبغة الفردية واخذها بالمذهب الفردي.

ولهذا، فإن الديمقراطية، كمذهب او نظام للحكم، ترمي إلى كفالة الحقوق الفردية، وحماية ممارسة الافراد لمختلف الحريات، وخصوصا السياسية. وتنطوي هذه الحماية على وضع حد لتدخل الدولة في ممارسة هذه الحقوق والحريات، بحيث تقوم بتنظيمها من دون المساس بمضمونها، وتقرير ضمانات معينة لحمايتها ضد اي تعسف او انتهاك من جانب النظام.

صور الديمقراطية

عرفنا ان الديمقراطية هي نظام الحكم الذي يكون فيه الشعب مصدر السيادة وصاحبها، ولكن طريقة ممارسة الشعب لسيادته لا تتخذ شكلا واحدا، وانما تظهر في صور متعددة تتماشى مع ظروف الدول واحوال شعوبها فكل شعب يختار ما يناسبه. وللديمقراطية صور تأخذ كل دولة بأي صورة منها تتوسم فيها أنها تحقق مصالحها العامة، وتكفل سعادتها ورفاهيتها، وتتفق وظروفها، وتتماشى مع احوال شعبها، لأن الشعب صاحب السلطة.

ويمكن حصر طرق ممارسة الشعب لسيادته في ثلاث صور:

1- قد يتولى الشعب ادارة شئونه بنفسه مباشرة ويطلق على هذه اسم الديمقراطية المباشرة.

2- قد يلجأ الشعب الى انتخاب نوابه (برلمان) ويترك لهم مقاليد الامور يصرفونها باسمه وهذا النظام يعرف باسم الديمقراطية النيابية.

3- قد يخرج الشعب بين الطريقتين السابقتين فينتخب برلمانا يحكم نيابة عنه (كما هو الشأن في النظام النيابي) ولكنه لا يترك له الحرية المطلقة في التصرف، وإنما يشترك معه في ممارسة بعض الاختصاصات المهمة. وهذه الصورة من صور الحكم يطلق عليها اصطلاح الديمقراطية شبه المباشرة أو نصف المباشرة.

وهذه هي بعض صور الديمقراطية:

أولا: الديمقراطية المباشرة

وهي ان يحكم الشعب نفسه من دون وساطة نواب فيصوت المواطنون على القوانين ويعينون الموظفين والقضاة، وهنا يجتمع الشعب في جمعية شعبية، وتعد هذه أقدم صور الديمقراطية، ومن تطبيقاتها ما اخذت به المدن الإغريقية القديمة ولا يوجد تطبيق لها حاليا وذلك لصعوبة بل استحالة تطبيقها في الوقت الراهن، إلا في بعض المقاطعات السويسرية.

رأى جان جاك روسو في الديمقراطية المباشرة الترجمة الوحيدة والصحيحة لمبدأ سيادة الامة، حيث ان السيادة غير قابلة للانقسام وكذلك لا يجوز التنازل عنها وإنابة الغير، فالشعب وحده بجميع افراده هو الممثل الحقيقي لإرادة الأمة.

مزايا الديمقراطية المباشرة

1- ترتفع الديمقراطية المباشرة بمعنى الانسان، إذ تجعله يشترك في تحمل المسئولية العامة مباشرة، وتشعره بمدى أهمية الصوت الذي يدلي به في المسائل المختلفة.

2- ترتفع الديمقراطية المباشرة بمعنويات جميع الشعب، وتقضي على الخلافات الطائفية، وتظهر الساحة السياسية والاجتماعية، إذ تضع دائما أمام الشعب المشكلات الحية والمسائل المحددة، فيضطر بذلك إلى ان يكون واقعيا يتلمس الحلول العملية، ولا يندفع وراء أفكار جامحة، او ينساق وراء اغراض حزبية طائشة، او يخضع لدعايات مغرضة، او يتأثر بشعارات جوفاء لأن الناس عندما يطلب منهم الرأي في موضوع معين، واضح المعالم، بيّن الحدود، سيكونون عمليين واقعيين، لأنهم يعرفون نتائجه، ويعلمون عواقبه.

3- تهذب الديمقراطية المباشرة الاحزاب وتقومها وتخلصها من الدعايات المصالحة.

4- الديمقراطية المباشرة تحقق سيادة الشعب في المعنى الفعلي الكامل، حين يباشر الشعب كل السلطات من دون وسيط.

عيوبها

وعلى رغم المزايا السابقة التي تنسب الى الديمقراطية المباشرة، وخصوصا في تطبيقها في المدن اليونانية القديمة، وبعض المقاطعات السويسرية في الوقت الحاضر التي تتميز بقلة سكانها وبساطة مشكلاتها، فإنها لا تصلح للتطبيق في الدول المعاصرة ذات الكثافة السكانية المرتفعة والمساحات الإقليمية الشاسعة والمشكلات الاقتصادية والاجتماعية المعقدة.

وأبرز عيوبها الآتي:

1- يصعب تطبيقها من الناحية العملية، وخصوصا في مجال الوظيفة التنفيذية والتشريعية والقضائية. واستلام بعض التخصصات الفنية المعقدة لمن يقدر على ادائها.

2- الاستحالة المادية. وهذا اهم ما يؤخذ عليها وهو استحالة تطبيقها في الدول الحديثة التي تضم عددا كبيرا من السكان، يمتد اقليمها إلى مساحات شاسعة، يستحيل معها جمع المواطنين في مكان واحد واشراكهم جميعا في مناقشة الأمور العامة.

3- هناك بعض المسائل السرية، وخصوصا الخطط العسكرية. واشراك كل المواطنين في مناقشتها يكشف هذه السرية ويعرض البلاد للمخاطر.

4- سوء ما أدت إليه الديمقراطية المباشرة من نتائج، فمناقشة الجمعيات الشعبية للأمور لم تكن جدية ولا مفيدة نظرا إلى تعذر بحث الأمور ومناقشتها بدقة، ولتأثر الجماعة (إذ التصويت علني) باعتبارات خاصة كتأثير رجال الدين، والموظفين، ورجال الأعمال. والهيئة التنفيذية هي التي تقوم بتحضير مشروعات القوانين التي تعرض على الجمعية للتصويت، ويجري التصويت بصورة علنية (وفي غالبية الأحيان من دون مناقشة جدية)، ولذلك انحصر عمل الجمعية في مجرد التصديق أو الاعتراض على ما تم إعداده سلفا.

5- إن مناقشة المسائل المعروضة في الاجتماعات العامة مناقشة جدية، لأن كثيرا من الناس لا يصلون إلى درجة كبيرة من النضج العقلي والإدراك السليم، تمكنهم من حكم أنفسهم بأنفسهم.

6- يجهل الناس المسائل التشريعية التي تحتاج إلى ثقافة معينة وخبرة تامة ومعرفة وتجربة، لأنها فنية ودقيقة ومعقدة.

ونظرا إلى الانتقادات الموجهة إلى الديمقراطية المباشرة، ومع التسليم بمزاياها حرصت بعض الدول على تطعيم ممارساتها الديمقراطية ببعض وسائل الديمقراطية غير المباشرة.

ثانيا: الديمقراطية النيابية (غير المباشرة)

يقوم هذا النوع من الديمقراطية على أساس أن الشعب ينتخب نوابا، يكونون البرلمان، ويمارسون سلطة باسمه ونيابة عنه، وذلك من خلال مدة معينة يحددها الدستور. فالشعب لا يحكم نفسه في هذه الحال، كما أنه لا يشترك مع البرلمان في الحكم. فالنظام البرلماني يرتكز على برلمان منتخب كله، أو غالبية أعضائه بواسطة الشعب لمدة محدودة وقد يتكون البرلمان من مجلس واحد أو مجلسين.

وتتميز الديمقراطية النيابية

عن مثيلاتها، المباشرة وشبه

المباشرة بسمتين أساسيتين:

1- إن مظاهر السيادة يباشرها نواب عن الشعب وليس أفراد الشعب ذاتهم، وفي هذا تفترق الديمقراطية النيابية عن الديمقراطية المباشرة.

2- إن النواب وهم يباشرون مظاهر السيادة لا يملك الشعب سلطانا عليهم، بل يتمتعون بالاستقلال عنه في مباشرة مظاهرها. وفي هذا تفترق الديمقراطية النيابية عن شبه المباشرة.

ويبين من ذلك أن البرلمان هو الذي يتولى الوكالة عن الشعب في التعبير عن إرادته العامة. فكل ما يصدر عن أعضاء البرلمان من قوانين وقرارات، تعد وكأنها صادرة عن الشعب، الذي لا يعيش الديمقراطية بنفسه إلا فترة مؤقتة هي فترة الانتخابات، وبعدها يتولى النواب مزاولة السلطة التشريعية. ويطلق على الديمقراطية النيابية اسم «النظام النيابي» كملجأ عملي في العصر الحديث لتطبيق الديمقراطية.

نشأ النظام النيابي في انجلترا، ومر بمراحل طويلة من التطور حتى استكمل اركانه، ثم اخذ شكل النظام النيابي البرلماني بعد ذلك.

واختصاصات البرلمان في هذا النظام تنحصر في ثلاثة أمور هي: اختصاص تشريعي (سن القوانين)، واختصاص مالي (الموافقة على الموازنة)، واختصاص سياسي (مراقبة السلطة التنفيذية)

العدد 9 - السبت 14 سبتمبر 2002م الموافق 07 رجب 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً