العدد 5145 - الجمعة 07 أكتوبر 2016م الموافق 06 محرم 1438هـ

53 طفلاً في رقبته

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

مات شمعون بيريز. لا أظن أن العرب سينسون هذا الرجل بعد أن قضى 70 سنة يحاربهم. عندما أصيب بيريز بجلطة دماغية في المخ، مؤثّرة على جهازه العصبي، كتبتُ حينها وقلت إن اسم بيريز (كغيره من الأسماء الأخرى كـ هتلر) يمكن أن تشكل إزعاجاً لشعوب ودول بسبب تاريخها. والحقيقة أن بيريز هو كذلك بالنسبة لـ 400 مليون عربي رأوه أو سمعوا من آبائهم وأجدادهم الكثير عنه.

قبل أيام كَتَبَ روبرت فيسك في صحيفة الإندبندنت مقالاً عنونه بـ «شمعون بيريز ليس صانع سلام». قال فيسك بأنه وحين سمع بموت بيريز تذكر «الدم والحريق والمذبحة». يشير بأنه كان شاهداً عن أحد أعمال بيريز التي جرت في العام 1996. يقول: «كنتُ موجوداً في قافلة إغاثة تابعة للأمم المتحدة خارج تلك القرية اللبنانية الجنوبية (قانا)، حين مرت القذائف فوق رؤوسنا تماما وهي تتجه نحو اللاجئين المحتشدين تحتنا. استمر القصف 17 دقيقة». بعدها قُتِلَ 106 من المدنيين.

كان بيريز يطمح في منصب رئاسة الوزراء في إسرائيل. ولا يوجد شيء في إسرائيل سوى ضرب العرب لتحسين صورته وخدمته في العسكرتاريا الاسرائيلية. لذلك فعل ما فعل في قانا اللبنانية. يسخر فيسك من قول بيريز بأنهم لم يعرفوا أن «عدة مئات من الناس يحتشدون في ذلك المعسكر»، قائلاً بأن تلك «كذبة واضحة»، مشيراً إلى أن إسرائيل احتلت قانا عدة أعوام بعد العام 1982، وهم يملكون (أي الإسرائيليين) فيلماً عن المعسكر»، وأنهم «أرسلوا طائرة آلية فوقه» أثناء المذبحة.

يواصل فيسك بأن جندياً تابعاً للأمم المتحدة قدّم له شريط فيديو التقطه للطائرة» وأن الأمم المتحدة أخطرت إسرائيل «مراراً بأن المعسكر يكتظ باللاجئين». ثم يصف فيسك تلك اللحظة «حين وصلت إلى بوابات المعسكر كان الدم يتدفق عبرها بغزارة. لقد كان يمكنني أن أشم رائحته. كنا نخوض فيه بأحذيتنا التي التصق بها مثل الغراء. كانت هنالك سيقان وأذرع وكان هناك أطفال بلا رؤوس وكانت هنالك رؤوس رجال مُسِنِّين بلا أجساد. وكانت هنالك جثة لرجل مقطوعة إلى جزأين ومعلقة في شجرة تحترق. فما تبقى منه كانت تشتعل فيه النيران».

ومن المشاهد الرهيبة التي سجّلها هذا الصحافي وذكرها في الإندبندنت هو أنه شاهد فتاة تجلس «وهي تحتضن رجلاً أشيب. وكانت تلف ذراعها حول كتفيه وهي تهز الجثة مراراً وتكراراً وعيناه تحدقان فيها فيما هي تتلوى وتتفجع وتتوجع وتصرخ أبي... أبي». وعندما صدر تقرير الأمم المتحدة بشأن المجرزة ذكر على استحياء ممل بأنه لا يعتقد بأن «المذبحة حادثة عرضية»، لكنه أيضاً اتُهِمَ بمعاداة السامية. هذه هي العقلية الإسرائيلة «المسالمة» في نظر البعض والتي تجعلنا نصاب بالسّأم.

عندما أجرت مجلة إسرائيلية مقابلة مع أحد الضباط الإسرائيليين الذين أطلقوا صواريخهم على قانا، قال ذلك الضابط للمراسل: «قِلَّة من العربوشيم (العرب) ماتت. لا ضرر في ذلك»! بينما قال رئيسه: «لا أعرف أية قواعد أخرى للعبة. سواء للجيش الإسرائيلي أو للمدنيين». كما ذكر فيسك. هذا الخطاب الشوفيني والعنصري له جذور أكيدة لدى السياسيين، ومن بينهم شمعون بيريز.

يشير فيسك إلى أن بيريز اختار لعملية ضرب قانا اسماً من صميم المعتقد اليهودي وهو «عناقيد الغضب»، ذاكراً نصاً من سفر التثنية يقول: «السيف في الخارج والرعب في الداخل. يقتل الشاب والعذراء، والرضيع أيضا مع الأشيب». هكذا شرّع بيريز الذي يتغنى بإلحاده وعدم إيمانه لتلك العملية التي أبادت 106 من المدنيين بينهم 56 طفلاً، لكنه مستعد أن يكون حاخاماً متطرفاً عندما تقتضي مصلحته السياسية ذلك.

وبالمناسبة فإن هذا المنطق رائج في إسرائيل بل هو قد تشكل في هيئة رأي عام حتى. قبل سنوات كان الحاخام الإسرائيلي عوفاديا يوسف، يقول في أحد دروسه الدينية: «العرب صراصير يجب قتلهم وإبادتهم جميعاً. إنهم أسوأ من الأفاعي السامة»، و»اليهودي عندما يقتل مسلماً فكأنما قَتَلَ ثعباناً أو دودة». والغريب أنه وعندما توفي صاحب ذلك الخطاب المتطرف مشى في جنازته 800 ألف إسرائيلي! أي 12.3 في المئة من سكان إسرائيل! ترى هل صوت الاعتدال هو الرائج لديهم؟!

هذا الأمر يجعلنا نتأمل في حقيقة ما يجري في هذا الصراع بين العرب وإسرائيل. فإذا كان المؤمنون بـ أوسلو قد قدموا كل ما يجب أن يُقدموه من أجل السلام، ثم نرى أفعال إسرائيل تجاه أبسط ملفات القضية ندرك أن السلام الذي يرونه يختلف عن السلام الذي يراه «الأوسليون». نعم إنه مختلف ولا علاقة له بالحقوق الأساسية ولا بمستقبل دولة قابلة للحياة والتطور والنمو.

فالسلام يجب أن لا يُبقِي 7000 سجين تراوح (أعمارهم ما بين 10 أعوام و73 عاماً مع 200 امرأة وفتاة). والسلام يجب ألا يمد في المستوطنات فتصل إلى أقصى حدود منازل الفلسطينيين، فهذا منطق حرب وليس سلام والحبل على الجرار فيما تقوم به إسرائيل ضد العرب! فأي سلام وأي رجاله هؤلاء!

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 5145 - الجمعة 07 أكتوبر 2016م الموافق 06 محرم 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 12 | 3:51 ص

      على الأقل بيريز يهودى عنصرى ضد العرب ولكن يشار وين موقعه فى إعراب هو قتل دمر أكثر من بيريز سوى فى فلسطين هل لأنه علوى يحق له قتل شعب السورى ليس من طائفته

    • زائر 11 | 2:07 م

      أتمنى وضع حد لتصريحات بعض المسؤولين حيث انها تؤثر وتلمس وتر حساس ضد الدولة بسبب حساسية مناصبهم ولا اعتبار لآرائهم الشخصية التي شوهت السياسة الخارجية لدولنا امام الاشقاء العرب عموما والفلسطينيين خصوصاً
      وهزت من صورة ناصعة عمل المؤسسون على صناعتها وترسيخها عن مملكتنا امام العالم وتعبوا عليها لسنوات لتنسفها تغريدات تويتر كُتبت بلا تفكير
      (عبدالعزيز الجار).

    • زائر 8 | 12:12 م

      مجرم ومن ترحم عليه مجرم

    • زائر 7 | 11:02 ص

      قالها و ما هو بعربي اللسان و لا الدم " ليس صانع سلام " !!!!!!!!!!!!

    • زائر 5 | 5:36 ص

      ومع الأسف الشديد هناك من يدعي العروبة ويترحم عليه

    • زائر 1 | 12:27 ص

      نعم أصبت كبد الحقيقة

اقرأ ايضاً