العدد 5148 - الإثنين 10 أكتوبر 2016م الموافق 09 محرم 1438هـ

عن نشأة المآتم في البحرين

وسام السبع wesam.alsebea [at] alwasatnews.com

أخذ موضوع نشأة المآتم والحسينيات هذه الأيام مساحة من اهتمام الباحثين والمهتمين بالتوثيق التاريخي، تزامنًا مع إحياء ذكرى عاشوراء، فكتب من الأصدقاء توفيق الرياش الناشط على شبكات التواصل الاجتماعية، ومحمد حميد السلمان في صفحة قضايا، وشاركهم آخرون دخلوا طرفًا في هذا النقاش الذي يعكس تزايد وعي البحرينيين اليوم واهتمامهم بتاريخهم، وهي ظاهرة إيجابية أتمنى لها الاستمرارية بنضج وعمق ومسئولية أكبر.

بحث الشيخ محمد مهدي شمس الدين (ت 2001) موضوع نشأة وتطوّر المأتم الحسيني، وقدّم دراسة مفصّلة، وبيّن أن المأتم بدأ بداية عائلية (وصفها بالعَرَضية) حين بلغ الطالبيين والطالبيات أنباء ما جرى على الحسين وأهل بيته، وبدأ في كربلاء تزامنًا مع حدوث الفاجعة، ثم دمشق في قصر الخضراء فالمدينة المنوّرة. ولما ذاعت أخبار المذبحة المروّعة بين أتباع أهل البيت ومحبيهم، نشأت المآتم العرضية العامّة، قبل أن تمر بثلاث أدوار وتستقر على شكلها الحالي. (واقعة كربلاء في الوجدان الشعبي، ص 249 وما بعدها).

وساهم التُّراث الرّوائي في ترسيخ هذه الشعائر عند الأوساط المحبّة لأهل البيت، فعن جعفر بن محمد الصادق، قال: «نظر النبيّ (ص) إلى الحسين بن علي وهو مُقبلٌ، فأجلسه في حِجره وقال: إنّ لقتل الحسين حرارةٌ في قلوب المؤمنين لا تبرد أبدا. ثمّ قال الصادق: بأبي قتيل كلّ عبرة، قيل: وما قتيل كلّ عبرة يا بن رسول الله؟ قال: لا يذكره مُؤمنٌ إلّا بكى».

(النّوري: مستدرك الوسائل 10 / 318).

وبدأ المأتم في البحرين كشعيرة دينية عرفها أهالي البحرين في بداية الأمر عند الأُسر العلمّية والميسورة، التي كانت تُحيي هذه المجالس في بيوتها أو في أملاكها من الأراضي المفتوحة أو المزارع، وتطوّر الأمر لاحقًا إلى إقامتها في المساجد الكبيرة، وهذا ما يُفسّر غياب وثائق تاريخية قديمة تدلّ على وجود المأتم كمؤسسة وصرح مُستقل يُشيّد لهذه الغاية.

على أننا نلاحظ وجود أوقاف شرعية كثيرة مرتبطة بالصّرف على إحياء ذكرى وفيات ومواليد أهل البيت (ع)، وهذا ما يظهر بشكل واضح في سجل الأوقاف المعروف للسيدعدنان (ت 1928/ 1347هـ) والذي ضمَّ عددا كبيرًا من الوقّفيات المقصورة على هذا الهدف.

وعندما نتعمّق أكثر في محاول قراءة وثائق القرون الماضية، تتجلى أمامنا حقيقة أن هذه المجالس كانت جزءًا أصيلاً من ثقافة المجتمع، وتقليدًا متبعًا وراسخًا، وهذا ما يتضح في طبيعة النتاج العلمي لعلماء البحرين في القرون الماضية، وسنتخذ هنا من شخصية الفقيه الشيخ حسين بن محمد آل عصفور (ت 1216هـ/ 1802) مثالاً ونموذجًا للتأكيد على ذلك؛ فقد ترك الشيخ حسين نتاجًا علميًا يُعطي دلالة واضحة على طبيعة الاهتمامات التي كانت سائدة في عصره، فقد كان يقيم مجالس الحسين دون توقف، وكان صَكّ خاتمه «قال

محمد: حسينٌ مني»، ويُنقل أنه فارق الحياة فيما كان أحد الخطباء يقرأ مصيبة الحسين ويرثيه بين يديه، وقد وضع مُصنّفات عِدّة في فضائل الإمام الحسين ومقتله، من بينها: «الفوادح الحُسينية والقوادح البينية»، و»مجالس الإخوان في مراثي الغريب العطشان»، وكلا العملين كتبهما الشيخ حسين على منوال كتاب «المنتخب» لفخر الدين الطريحي (ت 1087 هـ/ 1676) وصدرا بتحقيق السيدحسن علوي الدرازي.

ويبدوا أن هذا النمط من التأليف كان رائجًا؛ فقد وضع الشيخ حسين ما يزيد على 15 كتابًا متفاوتة في الحجم في وفيات الأئمة. ويقول في مقدمة كتابه:

«أحببتُ أن أُؤلّف كتابًا مُشتملاً على 30 مجلسًا مُرتبًا مُرتلاً، ليُقرأ في كل ليلة من الشهر مجلس منسوب لتلك الليلة أولاً بأول، إلى أن يكون الشهر مكملا، وسميته بـ (مجالس الإخوان في مراثي الغريب العطشان)». (ص 21) وهي عبارة تُغني عن أي تعليق فيما يخصّ تاريخ وجود المآتم في البحرين.

ونستخلص من هذا النصّ القصير والمُعبّر أربع حقائق مُهمّة:

- أن هذه المجالس الحسينية كانت تُقام في البحرين بانتظام إلى الدّرجة التي تدفع بعلماء البحرين أن يُساهموا في وضع مُصنّفات علمية تُلبّي حاجة هذه المجالس إلى المصادر التاريخية الموثوقة.

- أن هذه المجالس تستمر بالانتظام 30 ليلة.

- أن هذه المجالس -أو أغلبها- يُقام ليلاً.

- أن هذه المجالس تُقرأ بترتيب ونظام مُعين، يشبه الترتيب الحالي لأيام عشرة المُحرّم، وتخصيص يوم بعينه لأحد أنصار الإمام الحسين المستشهدين معه في واقعة كربلاء عام 61هـ 680.

وهناك عاملان رئيسيان في سبب غياب المأتم كمؤسسة مُستقلّة في البحرين في العهود البعيدة السابقة، عامل داخلي وآخر خارجي؛ أما العامل الداخلي فيتمثل في أن الأهالي لم يكونوا في السابق يُحيون مناسبات وفيات سائر الأئمة كما هو الحال اليوم، وكانوا يقتصرون على إحياء ذكرى الحسين فقط، ويبدو أن التوسع في الإحياء ليشمل وفيات الأئمة جاء بعد الشيخ حسين وبجهود منه، هذا ما يتضح من كلام له في وفاة الإمام الكاظم «... إني لمّا رأيتُ إعراض الناس عن إقامة المآتم والمراثي على من سوى الحسين (ع) من الأئمة مع مشاركتهم له في المصائب الجَمّة...». (كتاب الوفيات 2/252).

من هنا لم تنشأ الحاجة عند الأهالي قبل القرن الثاني عشر الهجري (18م) لوجود دار مُسّتقلّة لإحياء هذه المناسبة السّنوية، وعلى الأرجح فإن للشيخ حسين تأثير حاسم في ظاهرة التوسع في إحياء وفيات الأئمة، وبالتالي تأسيس المآتم في البحرين، ولهذا وجدنا أن جهوده العلمية حاولت أن تحقق هذا الغرض، فكان كتابه «الفوادح» لشهر محرم، و»مجالس الإخوان» لبقية أيام السّنة، و»مُريق الدموع في ليالي الأسبوع».

أما العامل الثاني الخارجي، فيتمثل في نشوء المآتم الحسينية في البلدان المجاورة، وخصوصًا في العراق وإيران في العصر الصّفوي، ثم تزايدت وتيرتها في العصر القاجاري لتنتقل إلى المجتمعات الأخرى ومنها البحرين.

أخيرًا، أودّ التنبيه على أن البحث في تأريخ المآتم الحسينية في البحرين قد لا يكون ميسورًا أمام الباحثين، فالوثائق التاريخية تخذلنا في هذا الأمر؛ لأنها سكتت عن كثير من الأمور المُتعلقة بجوانب عِدّة من تاريخنا الاجتماعي والدّيني، لكن الأكيد أن كتب الإجازات والتراجم والوقّفيات الشّرعية وصُكوك البيع القديمة والتّملّكات، قد تعطي إشارات باهتة يستطيع القارئ الفطن الخروج منها بفهم خاص، يُمكّنه من التوصّل لاستنتاجات على قدر من الأهمّية في هذا الإطار.

إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"

العدد 5148 - الإثنين 10 أكتوبر 2016م الموافق 09 محرم 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 10 | 3:06 ص

      الجواب يا اخي على لسان الامام الحسين سيد شباب اهل الجنة حفيد الرسول الاعظم وابن علي ابن ابي طالب بطل الاسلام الاول وفاظمة الزهرة سيدةنساء العالمين اني لم اخرج اشرا وبطرا ولامفسدا ولاظالما انمااخرجت لطلب
      الاصلاح في امة جدي اريد ان امر بالمعروف وانهي عن المنكر ا...........

    • زائر 8 | 2:51 ص

      هذي أول مرة أقرأ إن الشيخ ........ر مات في المأتم وهو يستمع إلى خطيب ؟! اللي اعرفه الشيخ ... طعن بحربة في قدمه من قبل أحد أعداء أهل البيت وذلك في هجمة السلطان بن أحمد الاباضي سنة ١٢١٥هجري

    • زائر 6 | 2:21 ص

      حبايب

      ترة في كتاب اسمة المأتم في البحرين للباحث بن سلوم .....شكراا

    • wessam abbas زائر 6 | 2:40 ص

      الكتاب لعبد الله سيف وليس بن سلوم

    • زائر 3 | 1:33 ص

      الاخ وسام شنو سبب خروج الحسين علي الوالي

    • wessam abbas زائر 3 | 1:51 ص

      لان ال.... فاسد ياصديقي

    • زائر 1 | 11:33 م

      جهد مبارك دكتور وسام ..
      بحث مختصر و لكن وضحت الرؤية من خلاله حول نشأة المأتم لاعتمادك القوي على المصادر و المراجع التاريخية المثرية و سدد الله خطاك لكل خير ..

    • زائر 2 زائر 1 | 12:32 ص

      نعم جهد ممتاز
      ونرجوا من بقية الباحثين الاستمرار في تقديم الدعم اللازم لتاريخ الماتم سواء في البحرين أو خارجها
      سلام عليكم ورحمة الله يا الله أبا عبدالله

اقرأ ايضاً