العدد 5152 - الجمعة 14 أكتوبر 2016م الموافق 13 محرم 1438هـ

قصة القصيرة... عِتمة صحية

حان موعد وجبة الافطار في الجناح 56 في الطابق الخامس، علبة من الفلِّين مقسَّمة إلى 3 أقسام، بيض شبيه بالبيض! علب صغيرة من المربى والعسل، قطعة خبز باردة.

تأملت وجبتي طويلاً، تنفَّست بعمق وسخرتْ ذاكرتي مني حين أعانتني لأدرك كم كانت حياتي الروتينية رائعة! اشتقت إلى كوي هندامي بعجلة صباحاً، بعثرة صندوق مجوهراتي، التذمر على زحمة الطريق ورائحة القهوة الساخنة، الرجوع منهكة إلى المنزل لأصب غضبي على أطفالي لأنهم ارتدوا ملابسي وعثوا في المكياج خاصتي! لم أتيقن لحظة أنهم يشغلون وقتهم في غيابي بالقرب من خزانتي.

يا إلهي..! كانت لحظات مميزة لم أشكر نفسي عليها! هل خانني الزمن أم خذلني الجسد الذي طالما كان إلى جانبي ولم أقدم له سوى الاستياء، أم حان وقتي لإنهاء آخر صفحات من مسيرة حياتي؟!

طق طق طق"، زوار قادمون يا إلهي تعبت منهم ومن أسألتهم ومن التفحص فيَّ وفي أجهزتي التي أصبحت جزءاً مني، والغريب حين أرى الغرباء أو بالأحرى الأشخاص الذين لم أقبل منهم دعوة ولم أرد على مكالمة منهم!

المتعب في كونك مريضاً يعني أن تتقبل نظرات الشفقة ودموع الأيتام وشهقات الفاقدين وتعيش في دوامه مستمرة من الدراما حتى لو كانت خارج إرادتك ورفضك، وكأنك تستعد إلى مراسم دفنك وترى بعض صور العزاء.

وحين تكسوني وحدة الليل ابدأ بمراجعة سجلات حياتي، لماذا لا تأتي مشاعر الندم إلا في لحظات صعبة، أين كانت في الصحة والازدهار الجسماني؟!

لماذا لم أكن أكثر وصلًا مع الأقارب؟ لماذا تجاهلت الرد على مكالمة أخي؟ لماذا لم اشترِ الحذاء المضيء لأبني؟ لماذا تخلفت عن تلبية دعوة تجمّع الصديقات في مارس؟.. أظل متحسرة على نظرة حقد رمقت بها عامل الزبالة، وكلمة سخرية وصفت بها أخت زوجي والقائمة تطول! ولكن لماذا الندم هل فات الأوان؟! أم قد تكون هناك فرصة ثانية لأكون ملائكية كوجودي على السرير الأبيض المعقم.

وهناك ملف أتجاهله أو بالأحرى أتهرب منه كلما شدَّته ذاكرتي كيف ستكون الحياة لاحقاً ؟ زوجي وأطفالي وأبي وأمي أخواني، هل أستطيع أن افعل شيئاً يخفف عليهم وطأة الحدث؟ عقلي يريد أن يستفتح موضوع الوصية بيني وبين زوجي ولكن قلبي يقول لا لن تموتي مازلت في مقتبل العمر وأطفالك صغار وجدّتك مازالت على قيد الحياة ووشاحك الأزرق الجديد لم ترتده للآن... أشياء بسيطة تعلقني بالحياة أكثر وأكثر، وأتساءل كيف ستكون وحدة القبر وتبعاتها التي يتهرب منها الجميع.

بعد مراجعة كل أموري مع نفسي، بلا نتيجة طبعاً... فالنتائج مازالت متعلقة في المقام الأول على صحتي! استسلمت للنوم مثل كل ليلة لا أعرف هل سأستيقظ في المكان نفسه أم في مكان آخر!





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 10 | 1:20 ص

      لم تحتاج الكاتبة لذكر حالها الميسور قبل و أثناء المرض بشكل صريح ... فمن خلال وصفها لحياتها قبل و أثناء المرض تستطيع أن تستنتج حالتها المادية الميسورة والتي لا تساوي شيئا الآن بمقابل نعمة الصحة ... هذا النوع من القصص والتي تشعرك كأنه تصوير سينمائي جميل و مشوق ذكرني بروايات إليف شفق ... أنا لست بخبير ولا ناقد ولكن هذا ما لاحظته من خلال قرائتي السريعة للقصة. و

    • زائر 8 | 5:04 م

      جميل ..
      جوهر القصة : عدم التفريط في الحياة، و الإستعلاء على الإنسان الآخر ... لكي لا تصلَ إلى مرحلة الندم !

    • زائر 6 | 5:00 ص

      كثير منا لديه قصه او خاطرة لكن كيف يخرجها للعلن ويختار مفرداتها وعباراتها
      شكرا لقد عرفتي كيف توصلين الرساله

    • زائر 5 | 4:25 ص

      هناك حبكة في القصة
      وشخصيات و حكايه
      وتسلسل احداث ولمحه
      وعنوان الذي يحفظ الخاتمة صدامتها
      فالقصة القصيرة ليست نكته
      موفقه

    • زائر 4 | 1:59 ص

      خاطرة..

    • زائر 2 | 12:50 ص

      لا افهم في فن الكتابه فأنا قارئ بسيط جدا..... ولاكن تفاعلت مع القصة ، جدبتني لقرائتها ، و أحسست بكل كلماتها، واستخلصت منها عبر سامية ، في تقديري هي ما ارادت الكاتبة إيصالها للقارئ . .. بالتوفيق والى الأمام.

    • زائر 1 | 11:17 م

      شكرا للكاتبة، ولكن هذه أقرب إلى الخاطرة الوجدانية، القصة لم تعتمد على لقطة أو حدث رئيسي، والنهاية عادية. بالتوفيق

اقرأ ايضاً