العدد 5152 - الجمعة 14 أكتوبر 2016م الموافق 13 محرم 1438هـ

النجَّار: الثقافة التحتية قادرةٌ على اختراق النُّخَب والجماعات الأعلى

«الثقافة الشعبية» في عددها الخامس والثلاثين...

تملك بعض الثقافات الشعبية القدرة على مقاومة التغيير
تملك بعض الثقافات الشعبية القدرة على مقاومة التغيير

تتعدَّد موضوعات العدد الجديد من مجلة «الثقافة الشعبية» في عددها الخامس والثلاثين لخريف العام 2016، بإحكام الأطروحات التي تناولتها، قراءة وتشريحاً وإضاءات لملامح وظواهر وطقوس في الثقافة العربية الشعبية.

يبرز من بين تلك الموضوعات، ما كتبه أستاذ علم الاجتماع في جامعة البحرين، البروفيسور باقر النجَّار تحت عنوان «الثقافة الشعبية والعوْلمة»؛ حيث يتناول ما ساد من اعتقاد لدى كثيرين من أن الثقافة الشعبية هي حصر، وتكاد تكون مُنكفئة على نفسها في أوساط الفئات الفقيرة، وأنها تعبِّر عن تلك الفئات، أو ما يوازيها من الشرائح الدنيا من الطبقات الوسطى «إلا أن التغيُّرات التي جاءت على المجتمع خلال العقود الثلاثة الماضية بفعل التطوُّر الهائل في تكنولوجيا الاتصال»، وما يرتبط بذلك من نزوح بشري هائل، عمل عمله في تحويل الكثير من عناصر الثقافة الشعبية «وتلك الخاصة ببعض الفئات أو الجماعات الأثنية إلى أن تكون جزءاً مميَّزاً لثقافة المجتمع ككلّ».

وينتخب النجَّار نموذج الثقافة الشعبية لجماعات السُّود في الولايات المتحدة الأميركية، بقدرتها «ليس فقط على الاستمرار ومقاومة التغيير، وإنما في أن تكون بعض عناصرها ومكوِّناتها مُركَّبات أساسية في ثقافة المجتمع الأميركي ككل». ووصولها إلى طور أكثر وضوحاً وجلاء في أن تكون جزءاً من الثقافة التي تبدو مهيمنة في الولايات المتحدة الأميركية، وهي ثقافة البِيض، مورداً شواهد من الفنون وأدوات التعبير، ونمط الحياة، كالموسيقى والرقص والغناء والعادات الغذائية. وفي المستويات نفسها من ثقافة الأقليات تبرز جماعات الهسبانك (اللاتينو)، لتكون جزءاً من المكوِّن الثقافي للمجتمع الأميركي.

ويرى النجَّار في ورقته أن مثل هذا الأمر «يدحض المقولة السائدة في بعض نظريات العلم الاجتماعي التقليدي، من أن الثقافة السائدة في المجتمع تمثِّل ثقافة الجانب الأقوى اقتصادياً وسياسياً في المجتمع»، مشيراً إلى أن تلك المقولة - كما يبدو - «لا تؤكِّد مقولة سيادة الثقافة (الرفيعة) على أنها ثقافة المجتمع؛ بل تُوحي بقدرة الثقافة التحتية كذلك على اختراق النُّخَب والجماعات الأعلى».

مُستحضراً في هذا الصدد انتشار بعض الممارسات الطقوسية الدينية الخاصة بالجماعات الشعبية في أوساط نُخَبٍ ثقافية واقتصادية في بعض البلاد العربية، باعتباره دليلاً على قدرة بعض المُكوِّنات الشعبية على اختراق النُّخَب الثقافية والاقتصادية التقليدية «كما هي قد جاءت في بعض حالاتها مع النُّخَب الاقتصادية الطارئة».

ويخلص النجَّار في ورقته إلى أن التحوُّلات الاقتصادية العظيمة التي جاءت مع قوى العوْلمة في هذا العالم لم تستطع فقط «إطمار عناصر الثقافة الشعبية فحسب؛ بل إنها وبفعل عناصر المقاومة في هذه الثقافة قد استطاعت أن تستمر، وهي في بعضها باتت تُمثِّل بفعل هذه القوى عناصر جديدة من مُكوِّنات هويِّتها؛ أي أن تحدِّد هذه الثقافة مسار انتساب هويَّتها الأثني، ولربما الديني أو العرْقي، كما هي، أن تكون جزءاً جديداً من مكوِّن الثقافة العالمية».

الحوَّاج... تعثُّر أم اندثار

الباحث والأكاديمي البحريني محمد السلمان، ومن خلال تحقيق ميداني، يُقدِّم إضاءات، وما يشبه المقاربة لموضوع «الحواج، الذي يمارس مهنة الطب الشعبي، باعتباره واحداً من المهن التي قامت عليها صحة المجتمعات الخليجية والعربية وحتى الإنسانية ما قبل الاكتشافات الطبية الهائلة، وبالنسبة إلى منطقة الخليج، ظلَّت ممارسة الطب الشعبي مستمرة إلى ما بعد مرحلة اكتشاف النفط بسنوات، ومازالت حتى يومنا هذا تجد مُقبلين عليها؛ وخصوصاً في ظل ما يشبه اليأس من علاجات وأدوية لأمراض لم تُحدث تأثيراً أو تغييراً لدى بعض الحالات. ويظل كبار السن هم الأكثر إقبالاً - ربما - على الأدوية الشعبية، أو الأدوية البديلة.

يبدأ السلمان في مقدمته للتحقيق بالأعشاب، أو الجذور، أو ثمار بعض الأشجار التي اشتُهر بها الشرق، آسيا تحديداً، وأجزاء من القارة الإفريقية؛ حيث تُستخلص منها الأدوية والعلاجات في فترة مبكِّرة من التاريخ البشري؛ وحيث هي واحدة من أقدم المهن. حتى أن الممالك والأقاليم الأوروبية في الفترات الأولى من عصر النهضة، كانت تجد في الشرق بغْيتَها من الأدوية.

يُورد السلمان الفرْق بين «العطَّار» و «العطَّارة»، الذين يُنتجون «العطر أو يبيعونه، أما العطَّار أو الحوَّاج «فهو الذي يمتهن الحواجة، ويستخدم علمه لفائدة الناس، مُعتمداً على الطب الشعبي الأصيل الذي يتخذ من المصادر الطبية للعلماء العرب وغيرهم أساساً له».

يتناول التحقيق المبالغات التي تسود بين «الحوَّاج» البحريني، سواء في المدن أو القرى، بتكرار أنه لا يوجد مرض ليس له علاج في الطب الشعبي من خلال الأعشاب. ليدخلنا السلمان في التساؤل الذي حمل عنوان تحقيقه: هل المهنة حقاً في طريقها إلى الاندثار؟

يبرز موضوع الدعم من قبل الجهات الحكومية أحد أبرز التحديات التي تواجه المهنة، إضافة إلى منافسة الأجانب، وخصوصاً الآسيويين.

من بين الذين التقاهم السلمان الحاج أحمد الكنكوني، والذي مارس المهنة لمدة تصل إلى 40 عاماً، والتي أخذها من جده الذي مارسها لنحو 60 عاماً.

الكنكوني يقوم بتخزين الأعشاب حال وصولها من الميناء إلى متجره؛ سواء في الصناديق الخشبية أو أوعية البلاستيك والزجاج، وعند مراجعة الزبون له يقوم بكتابة طريقة استخدام الدواء في ورقة مثل وصفة الطبيب، وأحياناً بشكل شفاهي. يضعنا الكنكوني أما «المُر»، حيث قيل قديماً «عندك المُر فلا تشتكي الضر»، وكان بمثابة علاج للكثير من الأمراض في الحواضر والصحارى.

التحقيق شمل لقاءات مع محمود مرهون، وهو خريج جامعة بغداد، تخصص إدارة أعمال، واكتسبها من عائلته التي مارستها لأكثر من 70 عاماً، وعبدعلي المخلوق، وصادق المخلوق، وعصام جواهري.

التحقيق تناول أنواع الأعشاب والجذور التي تُتخذ أدوية لأمراض شائعة في المنطقة، وطرق استخدامها وتحضيرها.

خريطة العدد

تضمَّن العدد زاوية «مُفتتح» بقلم رئيس التحرير علي عبدالله خليفة، تناول فيه الجهود الفردية لجمع الثقافة المادية، والتي تبرز في أجْلى صورها من خلال جمع المُقتنيات، والأهمية الكبيرة التي تمثِّلها في حفظ كثير من علامات الثقافة والتراث، ووصولها بعد تراكم تلك المقتنيات إلى أشكال من المتاحف الشخصية، وما يعتري تلك الجهود من عدم انتظام عملها وعدم منهجيتها، والعشوائية أو الانتقائية التي تكتنفها في كثير من الأحيان. ويلفت خليفة في نهاية «مفتتح» نظر المعنيين في كل دولة إلى أهمية الالتفات إلى تقييم وتكريم أهم أصحاب تلك المتاحف، والعناية بما جمعوه، من بعد وفاتهم.

شارك في العدد كل من: علي يعقوب بـ «الحيه... بيَّه... طقس شعبي متوارث»، حسين محمد حسين بـ «التنَّاك... ما تبقَّى من تَرِكَة المنامة»، رئيس قسم الفلكلور بجامعة الخرطوم، يوسف حسن مدني بـ «اتجاهات وطرق ومناهج العمل الميداني لدراسة الثقافة الشعبية المادية»، الكاتب المصري عبدالرحمن الشافعي بـ «الهلالية... من السيرة إلى المسرح»، الباحث المغربي بوشعيب الساوري بـ «البناء التخييلي في الحكاية الشعبية»، الأستاذ المساعد في الأدب الشعبي بجامعة جنوب الوادي بمصر، فرج الفخراني بـ «الخصائص الأدب شعبية في كتاب بلوهر وبوذاسف»، البروفيسور في جامعة تونس أحمد الخصخوصي بـ «صالح باي الظاهرة»، الكاتب السعودي أحمد عبدالهادي صالح بـ «الطب الشعبي في الأحساء»، الكاتب العُماني عبدالباسط إبراهيم بـ «نخلة التمر في المعتقدات الشعبية»، الباحث التونسي وجدي عليلة بـ «فن المالوف في تستور... تراث شعبي ذو تقاليد شفوية»، الكبير الداديسي بـ «الهوية المغربية من خلال الغناء والرقصات الشعبية»، الأكاديمية السعودية وسمية عبدالرحمن العقل بـ «الأزياء التقليدية للأميرة نورة بنت عبدالرحمن بن فيصل آل سعود»، الباحث الإماراتي علي محمد راشد بـ «الأسواق الشعبية القديمة في الإمارات»، إضافة إلى باب «جديد النشر» الذي يستعرض آخر ما صدر من الأبحاث والدراسات الفلكلورية والشعبية والتراثية في الوطن العربي، وتضمَّن 7 دراسات فلكلورية من سبع دول عربية، ودراستين في الأدب الشعبي العربي المقارن، وعرضاً لكتاب «استلهامات ألف ليلة وليلة في الشرق والغرب» لأحمد سويلم.

غلاف المجلة
غلاف المجلة




التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً