العدد 5154 - الأحد 16 أكتوبر 2016م الموافق 15 محرم 1438هـ

أسطورة بابل وحواراتنا اليوم

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

لبرج بابل أسطورة ذات مغزى كبير، إذ يروي كثير من المؤرخين أن هذا البرج بني في مدينة بابل في بلاد ما بين النهرين، العراق، وقد جاء في سفر التكوين (الفصل 11 من 1 - 9) أن بناء برج بابل يعزى إلى سلالة النبي نوح. فقد كان يدور في خلد بنائيه أن يوصلوه إلى السماء، ولكن الإله السرمدي فرق الألسن (أي بلبلها) بحسب السفر ليمنعهم من تحقيق أمنيتهم وشتتهم بعدئذٍ في مشارق الأرض ومغاربها.

وبحسب سفر التكوين، بعد نهاية الطوفان شرع نسل نوح في بناء برج بابل في سهل شنعار، بغية أن يجمعهم مكان واحد من الأرض، فلا يتبدّدون على وجه البسيطة الواسعة. وكان في قصدهم جعل العالم كله مملكة واحدة عاصمتها هذا المكان الذي اختاروه في أرض شنعار وسمي بابل. وليقيموا لأنفسهم اسماً ومجداً دلالة على كبريائهم وتشامخ نفوسهم، لكن الله لم يكن في قصده تجمّع الناس بعد الطوفان بل انتشارهم لتعمير الأرض؛ ولأنهم تحدّوا الرب، فقد بلبل الله ألسنتهم، فكفوا عن العمل وتفرقوا.

واقعنا الحالي ليس ببعيد عن هذه الأسطورة؛ خصوصاً حين يتعلق الأمر بما هو ضمن نطاق أي حوار عربي. في الحوار نجد الأطراف متمسكة بآرائها وكأنها لا تسمع الآخر، رغم أن الأصل في الحوار هو أن يستمع كل فرد أو طرف لوجهة نظر الآخر ويفهمها ويحاوره في تفاصيلها، لكننا اليوم نجد أن الأطراف المتحاورة على المستوى السياسي والشخصي لا تستمع للآخر بقدر ما تحاول أن تثبت وجهة نظرها، وكأن لكلٍّ لغته الخاصة التي لا يستوعب معها لغة غيره.

في العلاقات الشخصية، كثيراً ما يتهم طرفٌ غيره بأنه لا يفهم، أو لا يجيد الاستماع، أو أنه يفهم ما يريد ويغض سمعه وفهمه عمّا لا يريد. وكأن الألسن وقت الحوار تتبلبل وتختلف خصوصاً وقت المشادات الكلامية أو فيما يتعلق بلحظات سوء الفهم.

ليتنا نشعر بجمال أن نكون محاطين بمن يفهمون لغتنا الجميلة ويتحدثون بها. أن نتحاور كما يجب، فلا يشعر أحدنا بأنه يتحدث بلغة غريبة لا يفهمها من يشاركه الحديث أو الحوار. فماذا لو استيقظنا يوماً ووجدنا أنفسنا في معضلة كتلك التي عاشها أهل بابل في الأسطورة أعلاه؟

هل سنشعر حينها بهذه النعمة التي لدينا الآن والتي أنعم الله بها علينا، وهي نعمة اللغة الواحدة التي تبدو غريبة اليوم في ظل كل هذه الخلافات، وكأن وجود لغة واحدة هي الأسطورة لا الأصل لدينا؟

هل سنحاول فهم بعضنا كما يجب، أم أننا سنتفرق في الأرجاء بحثا عمن يفهمنا ويجيد لغتنا التي لا يتحدث بها سوانا؟

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 5154 - الأحد 16 أكتوبر 2016م الموافق 15 محرم 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 5:41 ص

      مقال جميل وعرض أجمل للفكرة.

    • زائر 2 | 2:24 ص

      استوقفتني الاسطورة كثيرا وهي بالفعل مراة لواقعنا اليوم. اليوم نحن نعيش عصر بليلة الالسن خصوصا مع الحوارات السياسية والطائفية . شكرا استاذة على المقال وعلى تعريفنا بهذه الاسطورة

    • زائر 1 | 2:23 ص

      مقال جميل كعادتك شكرا لك

اقرأ ايضاً