العدد 5156 - الثلثاء 18 أكتوبر 2016م الموافق 17 محرم 1438هـ

برلمانيات المغرب واختبارات «الكوتا»

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

تتفق الناشطات المغربيات ونحن معهن، على أن الحديث عن مشاركتهن السياسية ليست ترفاً ولا إعادة اجترار وإنتاج لمفاهيم حداثية متداولة صمّاء كتمكين المرأة واكتسابها لحريتها ومساواتها كمواطنة، بقدر ما هو تعبير عن تاريخ كفاحي خاضته النساء في معاركهن النضالية وتعزيزاً لمكانتهن كشريك فعلي في المجتمع.

المرأة المغربية كانت ولا تزال حاضرة وفاعلة في المشهد السياسي الذي شغلت فيه قضاياها مركز الصدارة في المناقشات العامة وفي استراتيجية الدولة ومؤسساتها التشريعية والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، لاسيما لجهة قوانين التمكين السياسي والاقتصادي والاجتماعي، بيد أنه وعلى رغم النضالات الممتدة، لم تستطع المغربيات التموقع في المناصب ومواقع صنع القرار بما يتناسب ويليق بقوتهن العددية والنوعية التي يتميز بها نشاطهن وما حققته النخب النسائية من تطور فكري ومعرفي. وهذه معضلة لا تعيشها المغربية فقط، إنّما هي علة متلازمة للمرأة العربية، فكل ما يتقرر في السياسة العامة يتحقق على يد سياسيين ذكور، في حين تمثل النساء 50 في المئة من السكان، وبالتالي يشكلن مرتكزاً أساسياً في العملية الانتخابية؛ لكنهن من أسف لا يشغلن قمة الهرم الحزبي الذي يهيمن عليه الرجال بأنانية وضيق أفق. هنا تنعدم المساواة الفعلية، لتجد لهذا الوضع الشاذ ترسانةً من التفسيرات والتبريرات، ولعل قراءة فاحصة في نتائج الانتخابات المغربية تعطي دلالة فاقعة على ما نقول.

رعب من فوز الإسلاميين

خاضت المغربيات الانتخابات التشريعية الأخيرة وسط سجال سياسي تراوح بين جدوى المشاركة في انتخابات منزوعة الدسم من عدمها، وبين تنافس حاد بين «حزب العدالة والتنمية» الإسلامي وأحزاب المعارضة الأخرى «اليمين واليسار»، وبالطبع كان للنساء صوت وتمثيل في خضم هذا السجال. ثمة تطور ملحوظ باتجاه تحقيق المزيد من المكتسبات للنساء، لكنّ ثمة بطئاً أيضاً في ذلك التطور منذ دخولهن البرلمان العام 1993 بنائبتين من أصل 333 نائباً، وبنسبة %1، وارتفاع عددهن إلى 35 بنسبة%11» العام 2002، ووصول عددهن إلى 67 نائبة بنسبة 17.5 % في 2011، فيما تشير نتائج 2016 إلى فوز 81 من أصل 395 نائباً، وبنسبة 21 %، وانتخبت 10 منهن عن دوائر محلية، فيما انتخبت 60 منهن عن اللوائح الوطنية. ويجدر التنويه بفوز 24 من نساء حزب العدالة والتنمية وبنسبة 20 % من أغلبية مقاعد الحزب الـ125، فيما حصلت المرأة في «حزب الأصالة والمعاصرة» الخصم على 26 مقعداً، بنسبة 25 % من أصواتهم الـ102، كما توزعت مقاعد 31 برلمانية على بقية الأحزاب واللوائح.

مع قناعة البعض بأن النتائج المتحققة تعد مؤشراً على ثقة الناخبين بقدرات النساء وكفاءتهن، وأن الفوز يمثل فرصةً لتحفيز مكامن قوتهن لتغيير واقعهن وللمساهمة في صياغة السياسات العامة والقيام بالمهام التشريعية، إلا أن فوز الإسلاميين من جهة متصلة أرعب بعض الحقوقيين ومعهم حركات نسائية، ودفعهم للتظاهر احتجاجاً على تراجع الحريات والحقوق وتصويت البرلمان على قوانين لا تتماشى وروح الدستور، كالمصادقة على قانون تشغيل الصغيرات في البيوت من عمر 16 عاماً في الوقت الذي تحتاج فيه الطفلة بهذا العمر لرعاية أسرتها، وللتعليم وليس العمل، وطالبوا بالحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة، واحتجوا ضد التهميش والتمييز منتقدين ظاهرة ممارسة العنف ضد المغربيات؛ وكذا قانون العنف المعروض أمام البرلمان لهشاشته، كما انتقدوا تأخير مناقشة نصوص القوانين، والمصادقة عليها وترحيلها لدورات برلمانية أخرى.

في السياق برز تخوف بعض الحركات النسائية من لجوء التيار الإسلامي الفائز بغالبية المقاعد إلى سياسات متشددة تجاه المرأة، وقالوا بأنهم يزحفون للإنتقاص من مكاسب النساء وإيهام الناس بإحداث تغيير ما على الواجهة المدنية، لإخفاء عجزهم السياسي في التغيير، على رغم تصريحات زعيم «التنمية والعدالة» المطمئنة، فيما علقت نائبة إسلامية عن العدالة والتنمية بأن «القلق غير مبرر وناتج عن أوهام وهواجس، خصوصاً أنهم محكومون بضوابط القوانين والدستور»، مؤكدةً أن حزبها الفائز بأزيد من مليون صوت نسائي لا يمكن إلا أن يكون داعماً لحقوق المرأة الحقيقية المرتبطة بالكرامة والتعليم والصحة والسكن.

آليات تحفيزية ولكن؟

لاشك أن زيادة مقاعد النساء المتحققة لم تحدث هكذا، إذ لا يمكن إغفال تأثير المكتسبات الدستورية والقوانين التشريعية المحفزة لمشاركة المغربيات السياسية، وعلى رأسها بالطبع التعديل الدستوري في سياق انتفاضات الربيع العربي 2011، الذي أنصف المغربيات نسبياً؛ خصوصاً في الفصل 19 المعني بدسترة المساواة في القوانين بين الرجال والنساء في الحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، وفي مقتضيات تحقيق مبدأ المناصفة بينهما ومكافحة كل أشكال التمييز.

وقد سبق ذلك إصلاحات اجتماعية وحقوقية تمثلت بإصلاح مدونة الأحوال الشخصية في 2003، وضمان حق المغربية في منح جنسيتها لأطفالها من أب أجنبي 2005، ورفع التحفّظات عن اتفاقية السيداو في 2008، والمغرب هنا متقدمٌ مقارنةً بوضعنا المحلي.

إلى جانب ذلك اعُتمد نظام الكوتا «المحاصصة» كتمييز إيجابي للنساء يرفع من مشاركتهن التمثيلية السياسية منذ 2002، وتعزّز ذلك بتبني آلية «اللائحة الوطنية المخصصة للنساء بـ60 مقعداً و30 للشباب»، وهو الذي مكّن 81 امرأة بالفوز في الانتخابات الأخيرة والدخول للبرلمان. كما نصّ القانون التنظيمي لمجلس المستشارين (الغرفة الثانية للبرلمان) على ألا تتضمن كل لائحة من لوائح الترشيح اسمين متتابعين لمرشحين اثنين من الجنس نفسه، وتمت المصادقة على قانون يسمح برفع تمثيل النساء بالمجالس المنتخبة من 12 % - 27 % ومع هذا التطور النسبي المتحقق، لاتزال نسبة المغربيات الأقل (21 %)، مقارنةً بمثيلاتهن في الجزائر (31.6) وتونس (31 %)، وموريتانيا (25 %)، ما يطرح السؤال عمّا إذا خدمت آليات التمكين ومنها «اللائحة الوطنية» المرأة المغربية أم لا؟

لا إرادة سياسية

هنا تجمع التحليلات بأن انخراط المرأة في الأحزاب لا يزال ضعيفاً وباهتاً بسبب عدم قدرة الأحزاب على استلهام مفهوم التمكين والمساواة واستقطاب قطاعات واسعة من النساء، وهي –أي الأحزاب- تفتقد لروح المبادرة والشجاعة لترشيح النساء للكثير من المسئوليات داخل أطرها ومنحهن المكانة اللازمة، باستثناء البعض طبعاً. كما يفتقد بعضهم لآليات تحفيز النساء للإنخراط في الحياة السياسية بكثافة، وتغيب عنهم قضية احترام النوع الاجتماعي، ويبقى حضور المرأة بينهم شكلياً، فيما تتركّز المبادرات السياسية في يد الرجل. كذلك تتهم بعض الجمعيات النسائية الأحزاب بالتقاعس وفقدان الإرادة السياسية عند إعدادهم لوائح الترشح، وعدم تقديم عدد من المترشحات على مستوى الدوائر المحلية، الأمر الذي يتناقض ومطلب تفعيل مبدأ المناصفة في البرلمان وفقاً للدستور، خصوصاً مع ضعف الفرص المتاحة للناشطات السياسيات أثناء خوض الانتخابات.

ومع أن البيانات أثبتت ارتفاع نسب فوز النساء بالمقاعد بسبب آلية اللائحة «من 127 مقعداً في انتخابات 2003 المحلية إلى 3406 في 2009، ثم إلى 6673 مقعداً عام 2015، إلا إن دراسة لجمعية «طفرة» خلصت إلى أنه وبعد ثلاث انتخابات تشريعية، لا يبدو أن نظام «المحاصصة» مكّن من تحسين تمثيلية المرأة ليتجاوز الحد الأدنى الإجباري القانوني، ولم يمكن من تقوية المساهمة الفعالة للنساء في أشغال الغرفة الأولى (مجلس النواب). وأرجعت بعض التحليلات ذلك إلى سببين؛ الأول: أنه لا يمكن لمرشحة ما الدخول إلى اللائحة الوطنية سوى مرة واحدة، وعليها الحصول على تزكية من حزبها للترشح في اللائحة المحلية، إذا أرادت أن يعاد انتخابها، أما الثاني، فيتمثل في قلة استثمار الأحزاب للنساء حين يتعلق الأمر بدوائر انتخابية يمكن كسبها. ويشير أستاذ جامعي مغربي إلى أن «اللائحة الوطنية لم تفِ بالمطلوب لأن اختيار النساء لا يتم بناء على كفاءتهن بقدر ما تتحكم في الاختيار مسألة (الولاءات) وصلات القرابة والعلاقات الشخصية». ومع ذلك يجمع الكثيرون على أن «اللائحة الوطنية» تبقى آلية مهمة ومدخلاً رئيسياً لتحقيق التمثيلية البرلمانية للمرأة.

ختاماً، تبقى المشاركة السياسية وتفعيلها للمغربيات مرهونة بطبيعة النظام السياسي ونظرته للمرأة، وكذلك بالظروف السياسية وواقع التنظيمات السياسية، وهذا يتطلب مقاربة سياسية في إطار عملية إصلاح ديمقراطي شاملة، وإلا سننتهي إلى حالة تزييف لواقع يتم فيه تسويغ صورةٍ لا تعكس حقيقة واقع النساء، خصوصاً مع استمرار أوضاع فئات عريضة منهن دون المستوى معيشياً وصحياً وتعليمياً، واستمرار معاناة فئات أخرى من ممارسة العنف وفرض الإملاءات الأبوية عليهن أثناء ممارسة حقهن في التصويت، أو شراء ذممهن بالمال السياسي.

إن أمام المرأة العربية عامةً درباً شاقاً وطويلاً، على رغم كل الجهود المبذولة والتطور الكمي والنوعي.

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 5156 - الثلثاء 18 أكتوبر 2016م الموافق 17 محرم 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 3:35 ص

      اما بخصوص التجربة البرلمانية البحرينية فهي ما تعتمد على نظام المحاصصة التمييزي (الكوتا) والمشكلة في الوعي الشعبي والرسمي ويجب وضع آليات للمعالجة السياسية بعيدا عن نظام الكوتا الذي يضع الكفاءة في مؤخرة أولوياته ويقدم مكانها الجنس او أي متطلب يسعون لتمكينه والترويج له تحت شعارات التمييز الذكوري والانحياز الذكوري وهذه الشعارات ظلت تتردد في البحرين حتى انقلبت الموازين في السلطة التنفيذية والقضائية والتشريعية في شق الشورى
      وربما النواب على الطريق مع نظام الكوتا لو تطبق 50%؟
      (عبدالعزيز الجار).

    • زائر 1 | 3:31 ص

      قضية تمكين النساء بالمحاصصة (الكوتا) اكبر تمييز ممكن ان يحصل حيث يعتمد مبدأ الجنس لا الكفاءة والواثق من نفسه ما يستنجد بهذا النظام وما يستجير به
      واذا كانت المشكلة ثقافة مجتمعية وشلل سياسي واجتماعي فالحل هو معالجة هذه المشاكل من جذورها
      اما نظام الكوتا فهو نظام اجباري يفرض تواجد النساء واجزم ان الجمعيات السياسية مجبورة عليه مع الشعب
      وكله بالقانون وهذا بالنسبة للمغرب
      اما البحرين انقلبت الآية تماما وتحول تمكين المراة الى هيمنة تامة وسيطرت على معظم الوظائف تحت هذه الشعارات
      (عبدالعزيز الجار).

اقرأ ايضاً