العدد 5172 - الخميس 03 نوفمبر 2016م الموافق 03 صفر 1438هـ

تناقضات الحرب في سورية والعراق

شفيق الغبرا comments [at] alwasatnews.com

التناقضات هي سيدة الموقف في الحالة العربية المشتعلة؛ ويعود ذلك إلى كثرة اللاعبين في الساحة العربية ونزاعاتها، بالإضافة لنقاط ضعف كل من الدول المتداخلة مع المشهد. لهذا، فإن كان هناك من تصور قادم للوضع في سورية والعراق واليمن وليبيا، فهو على الأغلب يتضمن استمرار النزاع ضمن وتيرة ترتفع وتنخفض بين فترة وأخرى.

النظام العربي خائف، الشعوب العربية مرتبكة وتعاني من التفكك، كما أن القوى المتدخلة في النزاعات تعاني من إشكالية إثبات قوتها، في وقت تعاني من محددات وصعوبات جمة.

لنأخذ على سبيل المثال الحالة الروسية التي تبدو من خلال الإعلام قوة فتية تحت قيادة بوتين الصاعد.

لكن الحقيقة ليست هكذا.

لقد نجح بوتين على مدى سنوات بإقناع الروس أنه منقذهم. وبالفعل أعاد بوتين روسيا لخريطة العالم، واستغل أسعار النفط المرتفعة قبل 2014 ليحسن من مستوى حياة المواطن الروسي، كما استغل بنجاح حاجة الشعب الروسي للمشاعر الوطنية القادرة على ربطهم مع مكانتهم التاريخية كما كان الامر في زمن روسيا القيصرية والاتحاد السوفياتي. وهذا دفعه للتدخل في جورجيا وفي أوكرانيا وأخيرا في سورية.

لكن السقوط الاقتصادي الروسي منذ تراجع أسعار النفط في عام 2014 جعل روسيا تصاب بمقتل إستراتيجي. على سبيل المثال، مخزون البنك المركزي الروسي المكون من 91 مليارا سينتهي (في ظل استمرار السياسات الراهنة) مع أواخر 2017، الروبل الروسي سقط بحدود 40 في المئة في 2014 ومازال مهددا، كما أن عام 2015 لم يشهد أي استثمار خارجي في روسيا، بل هاجر من روسيا 260 مليار دولار من رؤوس الأموال عام 2014، وخرج منها أكثر من 85 مليار دولار عام 2015، روسيا سائرة نحو كارثة اقتصادية، لهذا تتحول الحروب بما فيها الحرب السورية لمركز إثبات قوة، لكن من جهة اخرى لعبء إضافي على الاقتصاد الروسي.

هذا الوضع معلوم للفرقاء والمتواجهين مع روسيا على الأرض، لهذا فالخيار أمام الكثير من القوى بما فيها قوات المعارضة المسلحة هو الاستمرار في مواجهة روسيا ومعها إيران والنظام السوري انطلاقا من نقاط ضعف هذه القوى وتناقض أهدافها وخطورة مراميها على مستقبل الشعب السوري وحقوقه، يقع هذا بينما السعي الروسي الأميركي للتفاوض مستمر وبلا انقطاع.

كما أن الولايات المتحدة التي تتفاوض مع روسيا لا تتطابق في رؤيتها مع كل من دول الخليج وتركيا. فتركيا والخليج لن تستطيع القبول بأهداف روسيا وإيران والنظام السوري الذي سيترجم على شكل تغيرات في خريطة السكان في سورية. بل لا تستطيع تركيا القبول بالكثير من ابعاد السياسة الأميركية التي قد تترجم تقوية للأكراد في سورية، بما يعود بالضرر على أوضاعها الداخلية. لهذا فالحروب الراهنة ستتحول لمزيد من الاستنزاف قبل أن تشهد أفقا للتسوية والحلول.

لنأخذ على سبيل المثال ما يقع في الموصل، ولنفترض أنه بعد معركة دامية ومدمرة وطويلة تمت استعادة الموصل للقوى التي تحاصرها الآن. فهل هذا سينهي مشكلة الدولة الإسلامية أم سيبدأ مشكلة أخرى أشد صعوبة وأكثر خطورة؟ الواضح أن القوى المصطفة لتحرير الموصل تملك زخما كبيرا لفرض انتصار بالقوة. لكن بنفس الوقت بين الدول المصطفة حول الموصل تناقضات كبرى بالرؤى كما وبالمصالح والأهداف، بل تختلف كل دولة وفئة بطبيعة علاقتها بالكتل السكانية في الموصل. وهذا يعني بالأساس أننا أمام سلسلة معارك ومواجهات، مما يعني نشهد نهاية قريبة للحرب في العراق كما في سورية.

إن ما يقع في العراق وما يقع في سورية وليبيا وكذلك في اليمن أصبح مترابطا، كل معركة ترد على الأخرى، كل مواجهة تسخن للثانية وللتي تليها. الحرب بين القوى المتداخلة أصبحت ذات طابع دولي كما إنها ذات طابع إقليمي ومحلي، فالصراع بشكله الراهن لن يصل لنتيجة قريبة في ظل وجود هذا الكم من التناقضات بين الأهداف والتصورات.

إقرأ أيضا لـ "شفيق الغبرا"

العدد 5172 - الخميس 03 نوفمبر 2016م الموافق 03 صفر 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً