العدد 5189 - الأحد 20 نوفمبر 2016م الموافق 20 صفر 1438هـ

من حمد بن عيسى إلى حمد بن عيسى

مريم الشروقي maryam.alsherooqi [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

بعد 3 سنوات تقريباً، ستمر على البحرين ذكرى عزيزة جداً، بل ذكرى تاريخية غيّرت مجرى تاريخنا بحذافيره، فلقد أصبحت مملكة البحرين نموذجاً لدول الخليج ولكثير من الدول العربية، للنهوض والتقدّم والتطوّر، فما أصعب البناء والتنظيم، خاصّةً عندما تنتقل الدولة من البداوة إلى الحضارة.

حين نقرأ في إصدار العلاقات العامة بوزارة الإسكان والبلديات والبيئة، الهيئة البلدية المركزية -سابقا-، عن ثمانين عاماً من عمر البلدية في البحرين، نقرأ بأنّ البداية كانت بسيطة، عندما استشعرت البحرين آنذاك الحاجة الملحة إلى وجود جهاز للحفاظ على صحة وسلامة المواطنين وتنظيم شئون حياتهم اليومية وتصريف أمورهم الطبيعية، تم إنشاء البلدية وكان ذلك في شهر ذي القعدة عام 1337هـ الموافق يوليو 1919م، وتعتبر بلدية المنامة من أوائل البلديات التي أنشئت في العالم العربي كله، كما أنها من أوائل الدوائر الرسمية في دولة البحرين التي أنشئت عند بدء تنظيم الإدارة في البلاد على أسس حديثة، ويعتبر القانون الصادر في 20/1/1920م بإنشاء بلدية في مدينة المنامة عاصمة البحرين هو أول نظام قانوني للبلديات في دولة البحرين، ويحدد القانون هدف النظام البلدي بأنه «حفظ الصحة ورفاهية وصلاح السكان»، وقد كلف بإدارتها آنذاك مجلس بلدي مكون من ثمانية أعضاء تم تعيينهم من قبل الحكومة.

وفي نهاية العام 1920، ترأس ولي العهد ونائب حكومة البحرين المغفور له الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة مجلس البلدية واستمر في رئاسته حتى العام 1929، واستمرّ الحال في الاهتمام بهذا الجهاز حتّى رئاسة المغفور له سمو الأمير الراحل عيسى بن سلمان آل خليفة في خمسينات القرن العشرين (عندما كان ولياً للعهد).

ممّا لاشك فيه أنّ البدايات كانت بسيطة، فالبلدية كانت تُشرف على سير وتنظيم حياة المواطنين الصحية والوقائية والتنظيمية، من خلال ما تقدّمه من خدمات، حيث شملت عند البدء كل أنواع الخدمات الحكومية التي استأثرت بجميع مهام ومسئوليات تلك الفترة.

فلقد بدأت أعمالها عند تأسيسها بترقيم البيوت والمحال التجارية وفرضت رسوماً مقدرة عليها ثم شرعت في إزالة التلال الشاهقة التي تكونت من تراكم القمامة في جميع أنحاء مدينة المنامة، وتسمى «السمايد»، واقتصرت أعمالها على الكنس ورفع القمامة.

وبمرور الزمن أخذت صلاحياتها تتوسع ومسئولياتها تتطور حتى جاء العام 1929، حين بدأت ببعض الأعمال الإنشائية كتوسعة الشوارع وتسوية الطرق (وزارة الأشغال)، وتنظيم الأسواق العامة ومراقبة المذابح وتوحيد الأوزان والمقاييس وتشييد المغاسل العامة (وزارة البلديات، وزارة التجارة)، وشق جداول صرف مياه الأمطار. ثم أخذت بقية المسئوليات تنهال على البلدية فأصبحت مسئولةً عن كل شيء إلا الجمارك. كما كلفت البلدية بإدارة مشروع إسالة المياه في بداية العام 1958 (وزارة الكهرباء والماء)، كما أعقبها بعد ذلك إنشاء المطافيء للحرائق، وتمّ إسناد ذلك للبلدية (إدارة الدفاع المدني)، وكذلك كانت المساحة تتبع البلدية في بداياتها (جهاز المساحة).

أوّل ميزانية في الدّولة كانت من نصيب البلدية حين تأسيسها، وذلك عام 1920، فقد قدرت بـ 000/604 دينار للإيرادات وبالمقابل قدرت المصروفات ب 000/604 دينار، أي نفس مبلغ الايرادات كان يذهب للمصروفات، وذلك لتواضع الميزانية آنذاك (وزارة المالية).

وتبع ذلك إنشاء مجلس بلدي لإدارة الجهاز التنفيذي للبلدية، فيمكننا في هذه الحالة أن نعتبر بداية تكوين هذا المجلس في 1920، بمثابة بداية لإنشاء أول نظام إداري يستحدث في البحرين وبالذات في البلدية، أو بالأحرى كأول تجربة نيابية تولد في بالبلاد، وهي ظاهرة حتمية أتت لمواكبة ما يطرأ على البلاد من نمو وبداية لتطور شمل جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية ونحو ذلك مما أوجب إنشاء هذا الجهاز الإداري الذي ألقيت على كاهله الخطير والجسيم من المهام والقضايا التي عايشها رؤساء وأعضاء مجالس البلدية المتعددة. لقد أصبحت البحرين في ذلك الوقت لديها سلطة تنفيذية وسلطة تشريعية، وكذلك وجود السلطة القضائية المستقلّة.

وتطوّرت مسيرة البلديات، فأصبحت بلديات متعدّدة على مستوى المملكة، وتتبع مجلساً منتخباً لإصدار التشريعات الخاصّة بالبلديات، وفي بداية الستّينات تمّ إنشاء الجهاز الإداري للدولة، والذي أصبح بعد ذلك مجلس الوزراء.

أوّل موقع شغلته البلدية في بداية تكوينها كانت في عمارة الحاج يوسف بن أحمد كانو في شارع التجار، في الجهة الغربية لمبنى بتلكو سنة 1919، ثمّ الانتقال إلى بناية المغفور له الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة والمقابل لباب البحرين، وذلك بعد مرور سنة من الإعداد والتنظيم وتشريع القوانين لكي تكون منهاجاً واضحاً لتسيير أعمال البلدية. ثم ارتأى حاكم البحرين أن يكون للبلدية مبنى مستقل بها، فتم تشييد المبنى الواقع قرب سوق اللحم القديم بالمنامة، وذلك عام 1341هـ/ 1923م، أي بعد مضي أكثر من ثلاث سنوات من تاريخ تأسيس البلدية. وقد أزيل هذا المبنى وأصبح مكانه الآن «ميدان البلدية» على تقاطع شارعي الشيخ عبدالله والبلدية بالمنامة. وفي العام 1961م تمّ افتتاح المبنى الحالي للبلدية.

هذا التاريخ الطويل الذي قصدنا سرده، ألا يستحق أن يوثّق من خلال متحف في مبنى البلدية من أجل الأجيال القادمة؟ حتى تعرف هذه الأجيال كيف تم إنشاء هذه الدولة، وكيف تكوّنت اللبنة الأساسية للإعمار والتطوير والتنظيم، إذ لم يأتِ هذا كله بسهولة ويسر، بل كان ثمرة سنين من العمل والجهد والشقاء بين الحاكم والشعب.

متحف يُسجّل هذا التاريخ بكل سنواته وعصوره، وأن يدخل فيه البث الحي وكذلك المقاطع الصوتية ومقاطع الصور، والتماثيل المشابهة لمتحف اللوفر الفرنسي، وتكون هذه الذكرى محفورةً في قلب كل مواطن بحريني، الصغير قبل الكبير، لأنّ هذا هو تاريخ آبائه وأجداده.

من حمد بن عيسى الذي أنشأ أوّل مجلس بلدي وتعليمي في هذا الوطن الغالي، إلى حمد بن عيسى ملك مملكة البحرين الحبيبة، تاريخٌ عظيم ومليء بالأحداث لا يمكن تجاهله، هل سنشهد مبنى البلدية يتحوّل إلى متحف، ويتم إسناده لهيئة الثقافة والآثار، ويُفتتح بمناسبة مرور 100 عام على الدولة الحديثة. ننتظر ذلك على أحر من الجمر.

إقرأ أيضا لـ "مريم الشروقي"

العدد 5189 - الأحد 20 نوفمبر 2016م الموافق 20 صفر 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 11:20 م

      حفظ الله الملك حمد بن عيسى ال خليفة حاكم مملكة البحرين اطال الله في عمرة وجعلة ذخرا لنا

    • زائر 2 | 9:49 م

      شكرا لج اختي مريم وشكرا على الموضوع الحلو

    • زائر 1 | 9:48 م

      نعم كل شي جميل ولكن التقرير دمر البحرين

اقرأ ايضاً