العدد 5192 - الأربعاء 23 نوفمبر 2016م الموافق 23 صفر 1438هـ

قصة قصيرة... حَقُّ الضَّحِكِ

عشم الله مكادي - قاص مصري 

تحديث: 12 مايو 2017

تطلّعا إلى طائرٍ يضرب بجناحين واهنين برودة المساء ثم ينكسر في حدةٍ على لوحة معدنية لإعلانٍ عن قريةٍ سياحيةٍ في أقصى الدفء، ثم ولجا طريقًا جانبيةً ضيقةً.

كان وجهه يتلقى نظراتٍ حادةً من النوافذ القليلة المطلة على مربّع الحي الذي لا يرحّب عادةً بأي غريبٍ عنه، وفي سرعةٍ تركها ليبحث عن خروجٍ في أول منعطفٍ يقابله.

جاء صوتها مسموعًا إليه:

- دائمًا تخطو مسرعًا.

- أحس أن نباتًا شيطانيًا يسكنني.

ويضحك..

هو الآن يضحك إذ إنه لا يحدثها اليقين.

حاول المرور بصفةٍ عاديةٍ لا تسترعي الانتباه فخفف من سرعته... كان يحدّث نفسه بأن هناك من يبحثون في كل خطوة، وكان يعلم أن سنواتٍ قد مرت عليه هنا تكفي أن يبتعد عن همومه لكنه في كل لحظةٍ يتذكّر كلمات جده - التي لا ينساها - إذ أوصاه أن يكون حذرًا.

يومًا سألته عن امرأةٍ كان يعرفها، وكان صمته سبيلًا آمنًا للهرب من أسئلةٍ تدق بكثرةٍ عند أذنيه، وعندما كانت تصرّ كان يقول لها:

أنت من يشغل تفكيري.

ويسكت بعد أن يهمس:

الآن!!

كان يفكّر في حاله؛ إذ كيف يقدّم ثمنًا لشيء لم يشتره، لكنه كان يبتعد بتفكيره إليها فقد أصبحت حياته الآن، أصبحت حياته والتي سعى جَدّه في أن يغيرها عندما صرخ فيه:

اهرب!

قالها ليضع حدًا لأحزانه. يكفي ما فقد من أبنائه كما فقدوا هم - من يبحثون عنه -  الكثير.

لم يعلم كيف وأين عرفها، لكنه تأكّد له الآن أنها ملجأٌ مناسبٌ لكل همومه في ليلٍ كهذا، وفي طريقٍ طويلةٍ يحتاج فيه فعلًا إلى رفيق.

هو الآن في حافلةٍ يقصد بنايةً قديمةً لأقرانٍ تعرّف إليهم منذ بداية رحلته - منذ سنواتٍ - عرفوا قصته دون أن يحكيها لهم.

حلّق من بين دخان سيجارته بين أشكالٍ يرسمها لنفسه؛ صورة لوجهٍ فيصير رجلًا ذا ملامح حادة هو الآن يختبئ منها لوصية جَدّه بالابتعاد عن دوّامة الثأر.

ضرب الهواء بيديه ليرسم صورةً لجَدّه... يسأل عن عصاه ويتذكّر حديثه عن الحذر، بعدها دون أن يتعمّد رسم الدخان صورةً باسمةً لفتاةٍ كان يشاركها لحنًا يتردّد عند الجمّيزة الصغيرة التي كبرت معهما حيث يبدأ عندها اللحن وينتهي.

تلاشت الصور جميعًا فظهرت عصا جَدّه فضحك بصوتٍ عالٍ، انتبه من في الحافلة إلى مصدر الصوت، فسكت سريعًا وكأنه لا حقّ له في الضحك.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً