العدد 5192 - الأربعاء 23 نوفمبر 2016م الموافق 23 صفر 1438هـ

يوسف: ألهمني نص عمره 30 عاماً... وقاسم: يقين البهائم يجعلنا مطمئنين

في معرض يكشف تواصلاً عميقاً بين تجربتيهما ويستمر حتى 10 ديسمبر...

من اليمين: عبدالقادر عقيل، عباس يوسف، قاسم حداد وعبدالنبي العكري
من اليمين: عبدالقادر عقيل، عباس يوسف، قاسم حداد وعبدالنبي العكري

المقشع - منصورة عبدالأمير 

تحديث: 12 مايو 2017

«يا يأس، اخرج المعتوهين بلوثة الأمل من غيِّهم، واخسف بهم الأرض (...) اكسر شوكة في أحداق المأخوذين بدسائس المستقبل وأشراك الانتظار (...) قل للمشغولين بخشبة النجاة أن البحر ليس هناك، وأن الشواطئ أسلاك شائكة للقاطن والمسافر».

الكلمات أعلاه، وإن بدت مشوبة بكثير من اليأس والغيظ، إلا أنها في واقع الأمر جزء من نص «دعاء الأمل» الذي كتبه الشاعر والأديب البحريني قاسم حداد، ونشرته صحيفة «الوطن» الكويتية العام 1989.

تلك الكلمات، والصحيفة التي وصلت نسخة منها ليد الفنان والكاتب البحريني عباس يوسف، تحوّلا إلى مصدر إلهام للفنان، ظل متوقداً حياً طوال ما يقرب من ثلاثين عاماً.

مساء الثلثاء (22 نوفمبر/تشرين الثاني 2016) جاءت ترجمة يوسف لتلك الكلمات ولذلك الإلهام عبر تحية لونية وإهداء فني خاص قدمه الفنان لصديقه الشاعر عبر خمسة وثلاثين عملا فنياً احتضنتها قاعة معرض البحرين للفنون التشكيلية.

أنجز الفنان بعض تلك الأعمال المختلفة في أحجامها، المتنوعة في اشتغالها على الورق أو على قماش الكانفاس، العام 2013، فيما تم إنجاز معظمها في فرنسا بين عامي 2015 و2016، لتمثل قوام تحيته للشاعر حداد.

هذا التحية المعنونة بـ «دعاء الأمل» والمهداة إلى قاسم حداد و «دروبه المضاءة بالمنارات»، هي واحدة من «عطاياه المدهشة» لأصدقائه، وذلك بحسب تعبير الكاتب والمترجم البحريني أمين صالح.

يوسف: ظلَّت معي حتى حان وقتها

منفتحاً على نصين لحداد، مشتغلاً أولاً وبدأب طويل في نفَسه وفي استلهامه، على النص المنشور العام 1989، حمل المعرض عنوانه «دعاء الأمل»، استلهم الفنان يوسف لوحاته التي عرض منها 35 لوحة فقط، والتي كشفت عن حجم تواصل إنساني وفني مميز ومختلف بين تجربتي عباس وحدَّاد.

هذا النوع من التواصل بين تجارب يوسف وأصدقائه من المبدعين، ليس جديداً، كشفه الفنان عبر معارض قدم فيها تحايا لأصدقائه من المبدعين والفنانين، وذلك عبْر اللون والشكل المجرد، والأهم من ذلك عبْر الحرف العربي بكل تشكيلاته وتموّجاته وجمالياته. بدأها بـ «البحر عند ما يسهو... تحية إلى أمين صالح»، ثم «تحية إلى علي الشرقاوي»، وبعدها «كليم اللون... تحية إلى المرحوم ناصر اليوسف»، فـ «تحية إلى جبّار الغضبان»، ومن ثم «التحية إلى محمود درويش»، وصولاً إلى «تحية إلى عبدالإله العرب»، وها هو اليوم يقدم تحيته السابعة إلى حداد وإلى نص العام 1989، الذي احتفظ به يوسف على لوحة في مرسمه منذ نشره، وظل ملهماً له منذ ذلك العام، حتى قرر تحويله لأعمال فنية وتحية لونية خاصة جداً إلى واحد من المبدعين ممن يتشارك معهم مساحة إنسانية وفنية إبداعية خاصة جداً.

سألت يوسف عن سبب تأخر تحيته لحداد، على رغم وجود النص، وعلى رغم حضور الإلهام والمساحة الإبداعية المشتركة، فقال: «تأخرت كثيراً وليس هناك سبب ما، إلا أنني انتبهت فجأة إلى أن هذا النص الذي يحاكي الواقع، ظل معي منذ العام 1989، لم يكن مخبّئاً في الأدراج، بل حاضراً على لوحة في مرسمي، كما إنني اشتغلت على تسعة أعمال مستلهمة منه في العام 2013، ثم خبّأته».

خبّأ يوسف المشروع، وتتالت مشاريع أخرى، وهكذا كما يشير، أصبح «دعاء الأمل» ضمن مشاريعه المؤجلة.

في العام 2015 جاء نص آخر لحداد هو نص «ابدأ بنفسك»، فشكل مصدراً آخر للإلهام ليوسف، حينها، كما يشير «راجعت المشروع ووضعت تخطيطات جديدة لتحيتي لقاسم حداد، حاولت مباغتته بالأمر لكنه للأسف عرف بالأمر». تأخرت تحية حداد لكن يوسف يقول: «جاءت في وقتها».

أسرني قاسم مرَّتين

ألهمه نصا حداد فجاء معرضاً متعدّد الاشتغالات، أسأل يوسف عن أي أنواع من النصوص تلك التي تلهمه وتظل ملهمة طيلة سنوات، وهل يقتضي الأمر أن ينتجها مبدع و «صديق» بحجم قاسم حداد وأمين صالح وعبدالإله العرب وعبدالجبّار الغضبان وعلي الشرقاوي، فقال: «الشخص وعلاقتي به أمور مهمة في تقديري، ثم إن القرب الإنساني مع مبدع لابد أن يقربك من نصوصه فما بالك إذا كان البعد الإنساني لدى هذا الصديق مرتفعاً دائماً في حدّته وفي منجزه الإبداعي، بالتأكيد ستؤسر مرتين، مرة بشخصه ومرة بمنجزه الإبداعي... وفي الواقع فإن هذا هو دائماً ما أؤخذ إليه».

ولا ينفي يوسف إمكانية أن يلهمه نص ينتجه مبدع «أقل حجماً» من أصدقائه، لكن «لا يمكن أن أقرر بالطبع ما إذا كنت سأقدم لهذا المبدع تحية لونية، ربما سأوجه له تحية أسبوعية».

يوجّه يوسف تحايا لونية، لكثير من المبدعين، بشكل أسبوعي، هي عبارة عن لوحة تشكيلية يعبّر بها عن حجم التواصل والتقاطع بين تجربته وتجربة المبدع موضع التحية. يوجّه الفنان تحيته تلك عبر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي كما يطلع أصدقاءه عليها عبر قائمة بريد إلكترونية طويلة».

قاسم حداد: عباس يفعل ذلك

«أن توجِّه تحيةً إلى قاسم حداد يعني أن توجِّه تحيةً إلى الشعر في أبهى تجلياته وأزهى صوره، إلى الكينونة الإنسانية في أسطع حضورها، إلى النبالة والسخاء في التعامل مع المحيط، إلى المخيَّلة النافرة التي لا سائس لها وتستعصي على الترويض، إلى المعاني المتناثرة في فضاء النص كالشهب ولا تقدر عليها فخاخ التأويل، إلى الكلمات المجنَّحة كالغرابة، إلى العطايا المدهشة، إلى الشيء ونقيضه، إلى العذوبة والدماثة، إلى صداقة الخبز والطريق التي لا تذبل، إلى الحب ولا شيء غير الحب».

هكذا كتب المترجم والروائي البحريني أمين صالح، عن تحية الفنان يوسف للأديب حداد، في الكتيب المصاحب للمعرض، وحين سألت الأديب حداد عن تلك التحية، كيف وجدها، وهل لمس ذلك التواصل بين تجربتيهما، هو ويوسف، قال: «عباس يحقق جانباً من أحلامي كشاعر محب ومولع بالتشكيل، أنا فعلاً أحلم أن أكون رساماً وتشكيلياً».

وأضاف «عمل الفنانين التشكيلين مع النصوص الأدبية، هي خطوة بالغة الأهمية في الثقافة العربية لأنها تفتح الآفاق للشعراء والكتاب والأدباء وتردم الفجوة بين الكاتب العربي وبين الفنون البصرية الأخرى، وهذا أمر مهم جداً فالرسم هو أحد الفنون البصرية التي تغذّي الصورة الشاعرية لدى الشاعر، فأي صورة ذهنية شعرية أساسها الحقيقي الأول مادي وبصري».

وعن تفاعله مع استلهام يوسف لنصه، قال: «أفهم تحية عباس يوسف من هذا الجانب وهو الحوار العميق مع النصوص. كما إنه من المهم عندي أن أي فنان يتعامل مع نصوصي، يتعامل معها بحرية كاملة لا بقدسية وأن يظهرها كما أحب. أنا أظهرتها كما أحب في النص المكتوب لكن أحب أن أراها بشكل آخر في الفن الثاني... وعباس يفعل ذلك».

نصي ليس ملهماً!!!

وبشأن شكل وماهية النص الملهم قال: «دائما يقال إن الشاعر راعٍ، الشاعر رامبو كرَّس هذا المفهوم، وهو مفهوم قديم؛ إذ إن تحديق الشعراء القوي في الواقع يجعلهم قادرين على استكشاف أو رؤية المستقبل بوضوح أكثر. هذه هي الجوهرية في الشعر عموماً، وهو ما يجعلنا الآن كقراء ما زلنا نعجب بالنصوص الإغريقية والنصوص الشعرية القديمة وهذه خصِّيصة شعرية في الحقيقة».

وعن نص «دعاء الأمل» والتفاتة يوسف له طيلة هذه السنوات، قال حداد: «هذا النص عمره 30 عاماً ولا يزال يوسف محتفظاً بالقصاصة ويشعر وكأن النص مكتوب الآن، وأنا أشعر بأنه ما زال صالحاً للحظتنا الآن عبر كل هذه السنوات، ليس لأن النص ملهم، لكن النص يبقى حياً؛ بل لأن حياتنا العربية لا تتغير بل تصبح أسوأ، ولذا لا يتغير كلامنا عن الأمل واليأس، وذلك بسبب جمود حياتنا وتدهورها ورجوعنا إلى الخلف؛ ما يجعل النصوص قادرة على الحضور، وهذا أمر مؤسف».

يأتي مبعث الأسف الذي تحدث عنه حداد، أعلاه في أن «كل محاولات الشعر والإبداع والأدب كي يوقظ الاطمئنان السلبي عند الإنسان ويجعله قادراً على تغيير حياته، لا تحدث».

ويوضح «ليس أمراً مؤسفاً بالطبع أن يتمكن نص أدبي من الحضور طوال سنوات، لكن السلبي هو أن حياتنا لا تتغير. كل تضحيات الأجيال وأحلام الشعراء والشباب المأخوذ بالتغيير، كل هذه التضحيات لا تفعل شيئاً إيجابياً في حياتنا لأن لا أحد يصغي للإبداع؛ وخصوصاً في الثقافة العربية، حيث يسقط الإبداع والأدب والفنون دائماً من قعر القفة، ليصبح موضع شك وتهميش وحصار للأسف».

ويضيف»لو كنا نقرأ التاريخ بشكل جيد لاستطعنا أن نتطور.. لا يحدث في ثقافتنا واستيعابنا قراءة التاريخ كدروس متراكمة فلا يحدث لدينا تراكم نوعي. نحن نعبر على التاريخ ككائنات غير عاقلة وغير عاطفية كأنما يحدث في الواقع لا يخدشنا».

نحن شعوب مذعورة

يوضح حدَّاد بأن «العنف الشعري في نص دعاء الأمل صادر من الغيظ المكبوت عند الشاعر بأنه يكاد الإنسان العربي يستسلم لمشاريع الأمل التي يجري الترويج لها باعتبارها حقائق وهي في الحقيقة مشاريع تيئيس وليست مشاريع أمل لذلك أرى بضرورة الشك في كل مشروع عربي معاصر يجري الترويج له».

الشك، كما يشير حداد «هو الطريق الصحيح لطرح الأسئلة لكي لا نقبل الواقع بأجوبة جاهزة. نحن محرومون من الشك ومن طرح أسئلتنا الحرة، ومطالبون بأن نقبل بالواقع كأجوبة منتهية وأن نخضع لها كمشاريع أمل. هذا هو الخلل وهذا هو الذي لا يجعل لدينا تاريخا تراكمٍ نوعي ودروس. نحن شعوب مؤجلة تذهب في الفراغ».

موضحاً «الشك ليس مصادرة للمشاريع الحقيقية، بل هو عدم القبول بيقين البهائم الذي يجعلنا مطمئنين إلى أن كل شيء على ما يرام، في حين أنه ليس هناك سبب للاطمئنان، فنحن في الواقع محاصرين، مذعورين، والإنسان المعذور والمحاصر والمحروم، لا يبنى حضارة، ولا يبني مجتمعاً، ولا يشارك في التنمية وكل حقوقه الصغيرة مهددة ومحاصرة».

هذا غير لائق

وبشأن البديل الذي يمكن أن يطرحه المثقف العربي غير القادر على التناغم مع هذه المشاريع، قال: «البديل هو إعطاء الكائنات العربية الحريات والعدالة الاجتماعية. لا يكفى الكلام بوصفه ديمقراطية. هذا ضجيج وهذه ديمقراطية القرون الوسطى التي تعطي العبد حقا في أن يتكلم. الديمقراطية الآن تعني العدالة الاجتماعية وتعني الكف عن ظلم الإنسان وعن مصادرة حرياته الصغيرة. الآن نحن مسموح لنا أن نقول كل شيء لكن ليس مسموحاً لنا بأن نتمتع بكل شيء».

وعن مشروعه الشخصي قال: «قلت مرة بأنني أكتب شعراً لأنني خائف، أنا لست مطمئناً لأي شيء، والشعر هو حصني وأسئلتي. سلاحي الحقيقي هو الأسئلة، والشك في اليقين المهيمن». مضيفاً «مطلوب منا أن نعجب بالمشاريع، بل أن نروج ونسوق لها. هذا غير لائق بالإنسان أن يطالب بأن يقبل الأجوبة بدون أسئلة... لا يليق».

صالح: تحايا نادرة تليق بقاسم

الروائي والمترجم البحريني أمين صالح، صديق مشترك لحداد ويوسف، وهو من قدَّم تحية عباس في الكتيب المصاحب للمعرض/التحية بمقالة حملت عنوان «العطايا المدهشة»، كان حاضراً معرض يوسف، وخلال حديثه لـ «الوسط»، أثنى على الأعمال المقدمة فيه قائلاً إنها «جميلة جداً» و «تليق بتجربة قاسم واسمه».

صالح وصف التحايا اللونية التي يقدمها الفنان يوسف لأصدقائه من المبدعين، بأنها «أمر نادر جداً، وغير موجود في الساحة الثقافية أو الفنية». قال إن يوسف «بدأ هذا الأمر كنوع من التقدير والامتنان والاحترام لتجارب آخرين يشعر أن هناك تفاعلاً بينه وبينهم، ليس فقط على المستوى الفني بل على المستوى الإنساني أيضاً».

أمين الذي كان أول من تلقى تحايا يوسف اللونية العام 2002، وذلك عبْر معرض «البحر عند ما يسهو... تحية لأمين صالح» أكد بأن تحايا عباس «تُشعر الفنان الآخر بأن ما ينتجه وما يبدعه غير منسي وغير مهمل، وهذا نوع من التقدير يشعر باعتزازه». مضيفاً بأن «هذه البادرة التي يقوم بها عباس لا نجدها لأن الواقع الثقافي لدينا واقع محكوم بكثير من الغيرة الشريرة والحسد والنفاق وبأمور مرضية غير صحية نادراً ما نجد تحية حقيقية بين الفنانين».

وبشأن ماهية وشكل النص الملهم، أفاد صالح بأن «النص الإبداعي يمكن أن يظل ملهماً اعتماداً على العلاقة الشعورية واللاشعورية بين الشخص والنتاج نفسه»، مؤكداً بأنه «ليس شرطاً أن يكون النص قديماً أو حديثاً، فهناك أعمال كثيرة تظل راسخة في الذهن (...) وإذا عدنا إليها بعد وقت طويل تظل محتفظة بقيمتها التاريخية»، مؤكداً بأن نص حدّاد الذي ظل مُلهماً ليوسف طوال ثلاثين عاماً «بالتأكيد حافظ على شيء معيّن في العلاقة بينه وبين الفنان إلى حد أنه احتفظ به في ذهنه طوال هذه الفترة»، مضيفاً بأن «لا شيء يمكنه أن يقيد إلهام النص أو يحدّده، لأن كل ما نقرأه أو نشاهده يظل في اللاوعي، وتظهر تأثيراته في منتوجاتنا».

يشار إلى أن يوسف أقام العديد من المعارض الشخصية، وشارك في الكثير من المعارض والفعاليات العربية والدولية، وقد تم اقتناء أعماله الفنية من قِبل أكثر من مؤسسة فنية وثقافية ومتحف، من بينها: وزارة الثقافة والفنون والتراث في دولة قطر، متحف البحرين الوطني، وزارة الثقافة في الجمهورية العربية السورية، المتحف الوطني البريطاني في العاصمة (لندن)، متحف الشارقة الوطني، في دولة الإمارات العربية المتحدة، المجمَّع الثقافي في إمارة أبوظبي، المجلس الوطني للثقافة والآداب في دولة الكويت، المتحف الوطني الأردني في العاصمة (عمَّان)، تحف الفن العربي المعاصر، في دولة قطر، والمتحف الوطني في سورية وغيرها.

ما يميِّز يوسف هو مشروعه في استنطاق الحروف
ما يميِّز يوسف هو مشروعه في استنطاق الحروف




التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً