العدد 26 - الثلثاء 01 أكتوبر 2002م الموافق 24 رجب 1423هـ

نبيل كمال ينتقد المسئولين والشركات والجمعيات

الصراحة حين تأتي من مسئول رفيع

وجه نائب رئيس لجنة الرقابة الإدارية والمالية نبيل إبراهيم كمال انتقادات جمّة إلى خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتبعة خلال العقود الماضية، وركز خصوصا على ما أسماه «غياب التخطيط وانتشار الفساد»، وذكر بعض صور التعيينات التي لا تتسم بالشفافية.

جاء ذلك في ندوة عن استراتجيات المملكة لمكافحة الفساد نظمها الملتقى الثقافي الأهلي، مساء الأحد الماضي، وتحدث فيها كمال في ثلاثة محاور، الأول عن استراتيجيات المملكة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، والثاني عن تفاعل المجتمع البحريني مع لجنة الرقابة الإدارية والمالية، والثالث عن المترشحين ودورهم في المرحلة المقبلة.

بدأت الندوة بمداخلة لمديرها، رضي الموسوي، أشار فيها إلى أنه تساءل قبل سنوات عن نسبة «التسرب» في موازنة الدولة. أما الإجابة التي تحصل عليها، فتشير إلى أن لا أحد من المسئولين ينفى وجود «التسرب»، ونسبة ذلك تتراوح بين 10 - 40 في المئة، وإذا أخذ بعين الاعتبار موازنة الدولة التي تقـــدر بنحــو 700-800 مليون دينار، فإن الحد الأدنى من «الليك» أو «التسرب» في حدود 70 مليون دينار، وإذا أخذنا المعدل فإن التسرب أكبر من ذلك بكثير.

أما المتحدث الرئيسي، كمال - الحاصل على ثمانية أوسمة عسكرية - فبدأ بالإشارة إلى الحاجة لوضع النقاط على الحروف «ونحن نعيش مهرجان منجزات (...) إذ كنا نطالب بالديمقراطية فأتت، وكنا نطالب بالدستور فأتى الدستور أكثر تطورا. كنا نطالب بالمشاركة، فجاء الميثاق».

وأوضح أن البحرين شهدت الكثير من المتغيرات السياسية، ففي الماضي دمّر الاستعمار البريطاني الأسطول البحري للبحرين، إذ «كنا نمتلك قدرات كبيرة وخيرات بلغت إلى مرحلة أن قدمنا قروضا إلى دول المنطقة في العشرينات، ووصلنا إلى مستوى راق في التجارة... والذي جعلنا نبتعد عن مسارات الديمقراطية، هو الأفراد ومجمل شعب البحرين...، إذ ابتعدنا عن ثقافتنا العريقة، وأسلوب حياتنا، وتوجهنا إلى الآخر، ونحن مطالبون بقراءة سياسية صحيحة للخطاب السياسي في البحرين، وليس فقط بالتفرج على المترشحين، والدولة، ولجانها».

وأضاف أن عظمة الملك قدم مبادرات متتالية، و«كنت أخشى على مجتمعنا ألا يتحمل كل هذه المبادرات، فمنذ العام 1975 تم إيقاف العمل بالدستور، والآن الدستور مطور... لكننا لا نقرأ الأفكار بصورة صحيحة، وحبذا لو نقرأها قراءة صحيحة، وأن نسعى لتقديم ما يمكن إلى البلد».

وتساءل نائب رئيس لجنة الرقابة الإدارية والمالية وهي لجنة تعمل بشكل مؤقت، ريثما يبدأ نشاط ديوان الرقابة المالية التابع للديوان الملكي «ماذا تريد الحكومة أن تصل إليه، لم نسمع عن خطط خمسية وسبعية مثل الدول الأخرى، لا يوجد عندنا وزارة تخطيط مثل الدول الأخرى، لماذا؟ هل لعدم وجود الكفاءات؟ أبدا، إذا أين الخلل؟».

استراتيجيات المملكة

وفي محاولة للإجابة قال: «إن استراتيجيات مملكة البحرين، التي وضعت في العام 1984، هي الاستراتيجية الوحيدة في مجلس التعاون، وهي تعطي تصورا كاملا عن توجهات الدولة المستقبلية...، وقد وضعت على أسس عالمية، تراعي الجوانب السياسية، والاقتصادية، والعسكرية والاجتماعية، ثم أدخلت عيها ثلاث منظومات جديدة، سميت الاستراتيجيات الغائبة، وهي الاستراتيجية الإدارية والعقائدية والإعلامية».

وتساءل مرة أخرى: «لماذا نضع خططنا من الأساس، ونوضح الأمور؟ ذلك حتى تعرّف الدولة المجتمع إلى أين يتجه، وما هي مقاييس ومعايير الأداء عند الحكومة والأحزاب، والمترشحين، وموظفي الحكومة، والقطاع الخاص، والقطاع العام».

وبيّن أنه إذا لم تكن عندنا خطة «سنصبح مثل «بتلكو»، حيث التفرد والتوحد في قطاع الاتصالات، والتي تستطيع أن تعمل بلا ضوابط، وإذا ناقشهم الزبون قطعوا عنه الخط في اليوم الثاني».

وتابع قائلا: «هذا الوضع ليس طيبا، لكنه نتاج الابتعاد عن الديمقراطية، وعندما تصل الديمقراطية مرة أخرى نبتعد عنها، كنا نطالب بالديمقراطية، والجدران مليئة بهذه المطالبات، وحينما تتوافر لنا لا تحصل على الدعم الكافي، لا من قطاعات الشعب، ولا من المترشحين».

وقال إن الاستراتيجية تتكون من الغايات الوطنية للدول، التي يعمل الجميع من أجلها، مثل الإسلام دين الدولة، والمحافظة على القيم، وسلامة أراضي الدولة ومياهها الإقليمية، والبناء الحضاري للأمة، ونقل التكنولوجيا المناسبة...لا أن نجلب الحديد والصلب الذي يسمم أهالي الحد، ولا «ألبا» بكل ما تسببه من أمراض سرطانية منتشرة في البحرين بنسب لا يتصورها أي عاقل. وإن أي مسئول لا يستطيع أن يخفي هذه الحقائق - كما أسماها - مع وجود البرلمان والشفافية، ووجود عظمة الملك الحريص على المواطن البحريني.

وشرح كمال ما أسماه الغايات الوطنية لأي دولة، والتي تخرج منها الاستراتيجيات العظمى، وهي الأهداف الرئيسية للدولة، والتي تشمل: حماية المصالح الوطنية، والعمق العربي الإسلامي، ومراعاة الوضع الخاص للوطن العربي.

وأضاف: «عندما سألني أحدهم كم عدد السنوات التي سيقضيها الأميركيون في الخليج؟ قلت: حوالي 170 سنة، أي مدة النفط الموجود، ريثما يبحثون عن بدائل. وقال ومن «الاستراتيجيات العظمى التخطيط الفعال الذي نفتقده، وإذا وجد فهو تخطيط شكلي، ونحن اليوم في عهد الشفافية يجب أن نقول ذلك ولا نخفيه، ولا نتذرع أن هذا عسكري ليس له حق الكلام، وان هذا موظف ليس له حق الكلام على الوزارة، الوضع في البلد يسمح بالكلام، وإذا لم تتكلم فالعيب فيك».

وأردف قائلا: «جمع المعلومات وتحديدها، واستخدام تقنية المعلومات أصبح ضمن الأهداف الاستراتيجية، وتحليل الواقع لمعرفة الأرض التي نقف عليها، وكيف سننطلق للمستقبل، وإذا افتقدنا التحليل الصحيح فلا يمكن أن نصل إلى مثالية الواقع، نحن لا نريد ديمقراطية أوروبا، وهي وصلت لذلك بعد حروب 450 سنة، الديمقراطية المناسبة للبحرين، تحتاج إلى عناية مثل الطفل الرضيع».

وأضاف: «من الاستراتيجيات رسم الخطط، والتنفيذ السليم لها، لأن الخطط دون تنفيذ لا تقدم ولا تؤخر...، مأساتنا في العمل التطويري، في الأشخاص، عندنا تعليمات وقوانين، لكن الأشخاص ليسوا على مستوى التنفيذ الصحيح».

ثم قال: «إن الاستراتيجية تبنى على التهديد، سواء الاقتصادي، أو السياسي، أو العسكري. ونلاحظ حدة الصراع الدولي على المنطقة، فالكل يريد وضع قدمه هنا، حتى دول المنطقة، مثل غزو العراق للكويت، والتهديد الإيراني للخليج، والتهديد الذي تسببه الخلافات العربية».

التهديد الاقتصادي

وتحدث كمال أيضا عن التهديد الاقتصادي، الذي يتكون بسبب غياب التخطيط الاقتصادي والبرامجي، إذ يوجد في البحرين 192 مؤسسة مالية ومصرفا، «لا نعرف ما هي سياستهم، فيوما يغلقون مصرفا، ويوما يغيرون اسمه، ويوما آخر يدمجونه، ويوما يبيعونه، ويوما يشتريه مستثمرون أجانب... لا توجد سياسية واضحة».

ومن التهديدات الاقتصادية - بحسب كمال - استمرار الحياة معتمدة على النفط، وقد فشلت محاولات تعدد مصادر الدخل، بسبب غياب الجدية، فالكوادر موجودة، والأموال متوافرة، «واضطررنا إلى أن نُدخل المملكة العربية السعودية في مشروع «ألبا»، في المرحلة الثانية، والثالثة. وهناك قضايا كثيرة من الفساد وحدّث ولا حرج، ولو أردنا أن نتحدث عنه لاستغرق ذلك عشر سنوات».

ومن التهديدات الاقتصادية، تذبذب دور قطاع الخدمات في تنويع مصادر الدخل، «فنحن غير قادرين على أداء خدمة جيدة، وإذا قدمنا مثل هذه الخدمة فستكون مكلفة، كما هو حال «بتلكو» التي تقدم خدمة جيدة بأسعار مكلفة، والدليل أرباحهم السنوية، والمصارف لا تستطيع جني مثل هذه الأرباح، والمستفيد منها فقط الأشخاص الذي عندهم أسهم، أما المواطنون، فمن لهم؟» لذلك أيد ولي العهد سمو الشيخ سلمان بن حمد، أهمية إدخال المنافسة في قطاع الاتصالات.

ومن التهديدات الاقتصادية أيضا، الشكوك المصاحبة لعملية التصنيع، يشككون في كل شيء، «إذ يقول أحدهم إن مصنع ذرات الألمنيوم - والذي تأسس منذ 27 سنة - أغلق بعد اكتشاف أن الشركة الألمانية سرقتهم طوال 27 عاما (...) لا توجد عندنا الرؤية الواضحة لأسس التصنيع، وخصوصا في قضية التسويق».

التهديد الاجتماعي

هناك أيضا، كما يقول نائب رئيس لجنة الرقابة الإدارية والمالية، التهديدات الاجتماعية، المتمثلة في عدم مشاركة المواطنين في رسم السياسات العامة للمملكة، «فمن الذي يصنع الرأي العام في البحرين؟ من يخبرنا عن الصواب والخطأ؟ هل تلفزيونات الخارج؟ وحينما نلقى تيارين متصارعين على الموقف من الانتخابات، من يقول للمواطن الرأي الصحيح؟ لابد من وجود جهة معينة توضح الأمور».

ومن التهديدات الاجتماعية، قال العميد العسكري، إنها تتمثل أيضا في فقدان التوازن بين معدلات النمو الاقتصادي ونوعية التغيير الاجتماعي، معدل الولادة يبلغ 3,4 في المئة، والمعدل العالمي يبلغ 1,2 في المئة، «يعني أننا أرانب نفرّخ بلا حساب. وهذا يؤدي بنا إلى مناقشة قضايا التجنيس وغيرها».

إضافة إلى الاغتراب الاجتماعي والثقافي، والعزلة الاجتماعية، والمفهوم الخاطئ للولاء في البلد، «ومع الأسف فإن وزارة التربية لا تعلمنا الغيرة على الوطن».

وتحدث العميد أيضا عن اختلال التوازن النسبي للأيدي العاملة، لا نعرف ماذا نريد، لدينا حوالي أكثر من 96 ألف عامل أجنبي، وحوالي 18 ألف عاطل، لماذا لا يحدث الإحلال، لأن هناك مصالح خاصة لأناس معينين في وزارة العمل».

التهديد العسكري

أما التهديد العسكري، فقال عنه كمال «تواجه دول الخليج تهديدات متعددة المصادر: من الهند التي تملك أربع حاملات للطائرات، ولها طابور خامس في دول الخليج، ونحن لا نعرف الرتبة العسكرية للشخص الذي سيصب الشاي عندنا. ونتوقع أن تؤثر الهند على أمن الخليج خلال أربعة عشر عاما، إلى التهديدات التي تسببها إسرائيل والعراق، وإيران...».

وأضاف: «لابد، أيضا، من أن نضع تصورا للاستراتيجيات الغائبة، وهي الإدارية والعقائدية، والإعلامية. ونلاحظ أنه لأول مرة في تاريخ البحرين، تشكل لجنة من قبل الحاكم لمكافحة الفساد الإداري والمالي. وعندنا صلاحيات كبيرة، لكننا ما زلنا نقول أيها المرتشي غادر وزارتك وموقعك قبل أن نفضحك، غادر الموقع الذي تمسكت به طوال 27 سنة، بسبب غياب الديمقراطية.

والقضية الرئيسية أن تلاحم القيادة، والشعب هو أساس العمل. وقد بدأنا في العمل منذ يونيو/حزيران الماضي، وأجندتنا طويلة، لكن المواطن البحريني سلبي لأبعد الحدود، فمنذ يناير/كانون الثاني حتى الآن، استقبلنا فقط أربع شكاوى رئيسية، ونتساءل: أين الذين يتكلمون؟ نريد حقيقة واحدة للإثبات، نريد شهادة واحدة، لا يوجد شهود! هل هذه السلبية مقصودة؟ أم إنها بسبب عدم وعي، أو عدم تهيؤ الناس؟».

وضرب كمال أمثلة على الفساد الإداري في تعيين بعض من كبار المسئولين لأقربائهم وأصدقائهم في مناصب حساسة فقط لعوامل الصداقة والقربى « فالفساد ليس قضية أموال فقط. وإنما أشخاص ومعنويات. لماذا لم يأت أحد إلى اللجنة ويتكلم. هناك تعيينات خاطئة، ومحسوبيات كثيرة، بيئة عمل فاسدة وشِللية، مشكلات التسيب، وعدم تدفق المعلومات».

واختتم بدعوة المترشحين لرفع راية الإصلاح الإداري، وتطبيق النظام على الجميع، وخلق بيئة نظيفة، والتبليغ عن الأخطاء

العدد 26 - الثلثاء 01 أكتوبر 2002م الموافق 24 رجب 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً