عمري ستون عاما ولم اشك من قبل في حياتي. أصبت بامساك منذ اربعة اسابيع وخلال الاسبوع الماضي نزل قليل من الدم مع البراز. راجعت الطبيب ففوجئت بأنني مصاب بسرطان القولون. هل يعقل ذلك؟ وهل يجوز ان يصارح الطبيب مريضه بأنه مصاب بالسرطان؟ لقد اسودت الدنيا في عيني. «مرفق بطيه جميع الفحوصات والتقارير». رجاء طمأنتي.

م.ن

- لنشارك الاخ مشكلته ولنتعلم جميعا من هذه المشكلة وكيفية الوقاية منها، ومحاولة تجنيب أبنائنا مثل هذه الأمراض...

ولنبدأ بسؤال: ما هو السرطان؟ السرطان نوع من الأورام الخبيثة، وهي كتلة من الخلايا تتكاثر بشكل فوضوي وعشوائي وليست هناك اية سيطرة عليها فتستمر في التكاثر ولا تتوقف، وتنتشر اولا موضعيا، وبعدها في الاوعية اللمفاوية وإلى العقد اللمفاوية فتكبر وتتضخم بالخلايا السرطانية. ومن ثم في الأوعية الدموية، ومن خلال الدم والدورة الدموية تنتشر في مختلف اجزاء الجسم كالكبد والرئة والمخ والعظام وغيرها، وتؤدي إلى تلف العضو المصاب وفقدان وظائفه.

والسرطان له اسباب كثيرة بعضها واضح وبعضها مبهم. فبعض الفيروسات والمواد الكمياوية، وبعض الاشعة كأشعة الشمس، وبعض الامراض الوراثية، يمكن ان تكون سببا في السرطان، ولكن مع الأسف الكثير من الاسباب غير معروفة.

لنرجع إلى الاخ صاحب المشكلة، فالامساك الحاد في ما بعد سن الاربعين من الاعراض المهمة وقد تكون من الاعراض الخطرة. واقصد بالامساك الحاد ان المريض كان طبيعيا تماما وبدأت تظهر علية اعراض الامساك. فمثلا كان بطنه طبيعيا بحيث يتردد على دورة المياه مرة كل يوم وفجأة خلال الثلاثة اسابيع الماضية لا يبدو بطنه طبيعيا ولا يتردد على الحمام إلا مرة كل ثلاثة ايام وتدريجيا يسوء الامساك حتى يصبح مرة في الاسبوع، ثم يصاب بآلام البطن المتكررة، وانتفاخ ، ليبدأ استفراغ الاكل، وبعدها يستفرغ مادة صفراء من دون أن يأكل. وقد يشكو المريض من نزول قليل من الدم من «المخرج».

من اكثر الاسباب الشائعة لنزول الدم من المخرج هو مرض البواسير. والباسور هو عبارة عن توسع الاوردة داخل المخرج فتتضخم وتبدو كتلة زرقاء تنزل معلقة من المخرج كما تلاحظها في الصورة. ويجب ان يتأكد الطبيب الجراح أن سبب النزف ليس سرطان القولون قبل ان يشخص على انه بواسير.

لنراجع أعراض الاخ السائل. فمريضنا مصاب بسرطان في الجزء السفلي من القولون القريب من المستقيم. وقلنا إن السرطان هو تورم في جدار الامعاء الغليظة بسبب تكاثر فوضوي «صورة رقم 2» لخلايا الغشاء المخاطي للامعاء. فتتشكل كتلة كبيرة تؤدي إلى تضيق في الامعاء «صورة رقم 4» وعدم نزول البراز بسهولة فيصاب المريض بالامساك، ومع الوقت يزداد التضيق الى أن يحدث انسداد كامل. ويصاب المريض بامساك مطلق ما يسبب في عدم تمكن المريض من التبرز. ويجتمع البراز والغازات في جوف البطن ويزيد الانتفاخ. وتتراكم السوائل والغازات في الامعاء الدقيقة ومن ثم المعدة، فيبدأ المريض باستفراغ افرازات المعدة الشفافة وبعدها افرازات الاثنى عشر من صفار الكبد. وقد يكبر الورم ويموت وسطه ويتحول إلى ورم متقرح ويبدأ النزف فيشكو المريض من وجود الدم في الخروج.

وسرطان الامعاء الغليظة يقسم إلى درجات مختلفة الشدة. فقد يكون السرطان محددا في الجدار المخاطي او يمتد إلى جميع أجزاء جدار الامعاء، وقد يمتد إلى الاعضاء حول الامعاء، وقد ينتشر في العقد اللمفاوية، أو ينتشر في الاوعية الدموية ومنها ينتقل إلى الكبد وباقي اجزاء الجسم.

وكلما كان محددا في الامعاء ولم ينتقل إلى ما حوله من اعضاء او عقد لمفاوية او عروق دموية، كانت نتيجة العلاج افضل. لذلك من المهم اكتشاف المرض بصورة مبكرة. وطبعا من الافضل ان يُشخص المرض قبل ظهور الاعراض. لذلك يقوم بعض الاشخاص بفحص دوري بالمنظار للامعاء الغليظة سنويا لاكتشاف السرطان. كما قد يستطيع الطبيب ان يكتشف المرض قبل ان يتحول إلى سرطان اي في حال كونه ورما حميدا على شكل ما يسمى البوليب «صورة رقم 4» او الشحمة.

عزيزي، تبين من كل الفحوصات أن مرضك في مراحله الاولى والعلاج هو استئصال الورم السرطاني مع أجزاء من الامعاء الغليظة. وقد تحتاج إلى علاج كيماوي وهذا سيتأكد بعد فحص السرطان المستأصل في المختبر.

وللاستفاده من هذه الحال من المهم ان نعرف أن ظهور الامساك في متوسط العمر عرض مهم يستدعي مراجعة الطبيب المختص بالجراحة العامة. وأن سرطان القولون اي الامعاء الغليظة، سرطان شائع يجب الوقاية منه، والقيام بالمسح بالمنظار القولوني سنويا لكشفه بصورة مبكرة او كشفه قبل ان يتحول إلى سرطان خبيث، واكتشافه المبكر واستئصال الجزء المصاب.

وقد يسأل القارئ: كيف الوقاية؟ من الممكن ان نلعب دورا بوصفنا اشخاصا في الوقاية، بملاحظة اكلنا إذ يجب ان يكون متوازنا، يحوي قليلا جدا من الشحوم واللحوم الحمراء، وبه كثير من الالياف كالسلطة والخضراوات والفاكهة وإجراء الفحص الدوري سنويا أو كل سنتين لاكتشاف مرحلة ما قبل السرطان كالورم الحميد او البوليب.

وأخيرا لنحاول الجواب على السؤال الذي طرحه «م.ن» وهو: هل يجوز ان يخبر الطبيب المريض بأنه مصاب بالسرطان. طبعا الجواب عن هذا السؤال صعب. فالدول الأوروبية واميركا واستراليا ونيوزيلندا تصر انظمتها وقوانينها على اخبار المريض وبالتفصيل عن مرض السرطان، ليعرف المشكلة ويقرر العلاج بالاضافة إلى أنه في الحالات المتأخرة يحتاج المريض إلى ان يعرف هل المرض قاتل ام لا. وطبعا في دولنا لا توجد قوانين واضحة ويعتمد ذلك على حكمة الطبيب وكيف يتصرف. وقد اجريت ابحاث في مملكة البحرين على المرضى المصابين بالسرطان وسئلوا ما اذا كانوا يفضلون ان يخبرهم طبيبهم بكل صراحة بأنهم مصابون بمرض السرطان. وكان جواب حوالي ثمانين في المائة من المرضى بنعم نحب ان يخبرنا الطبيب وبكل صراحة عن اصابتنا بالسرطان.

ندعو لكم بالشفاء والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

استشاري أمراض باطنية وسكّري.

«1» في القسم السفلي رسم لخلايا غشاء مخاطي إذ يلاحظ كيف ان الخلايا مصفوفة كالطابوق بشكل منتظم وفي وسط الخلية النواة وايضا جميع النواة منتظمة الشكل والموقع واللون. وفي القسم العلوي صورة حقيقية بالميكروسكوب وهنا ايضا الخلايا منتظمة ومرصوصة بشكل منظم .

«2» تلاحظ بأن الخلايا زادت بشكل كبير وعشوائي كما انها موزعة بشكل غير منتظم والنواة مختلفة الاشكال والالوان والاحجام. ففي السرطان يوجد اضطراب في تكاثر الخلايا بشكل عشوائي وسريع وليس له حدود ولا يتوقف. فتزداد الخلايا السرطانية وتنتشر في الجسم موضعيا ثم تدخل العروق اللمفاوية وإلى العقد اللمفاوية ومن ثم إلى عروق الدم وتنتقل إلى الكبد والرئة والعظام.

«3» الجزء الاخير من الامعاء الغليظة ويسمى المستقيم وينتهي بفتحة الشرج. وتلاحظ وجود عضلات معصرة حول الشرج مسئولة عن منع خروج الغائط الارادي. وفي حال الاصابة بالسرطان يقوم الجراح باستئصال المستقيم ولكن مع محاولة المحافظة على المخرج والعضلات التي حوله. وفي بعض الاحيان وفي الحالات المتقدمة يضطر الجراح لاستئصال المستقيم والمخرج وفي هذه الحال يحتاج إلى اجراء فتحة على جدار البطن الامامي ليتغوط منها المريض في كيس بلاستيكي.

«4» تلاحظ في وسط المستقيم ورما صغيرا متدليا ويسمى بوليب «2» وهو عادة ورم حميد ولكن اذا لم يستأصل يتحول إلى سرطان يكبر وينتشر في داخل المستقيم فيضيقه «1» ويصاب المريض بالامساك اولا ومن ثم يصاب بالانسداد المعوي ويؤدي ذلك إلى آلام البطن والاستفراغ. ويقوم الجراح باستئصال المستقيم كما في الصورة