العدد 5194 - الجمعة 25 نوفمبر 2016م الموافق 25 صفر 1438هـ

المبنى الإسلامي في عالي والزخارف الإسلامية المبكرة في البحرين

القوس المزخرف من القرية الإسلامية في عالي (Frifelt 2001)
القوس المزخرف من القرية الإسلامية في عالي (Frifelt 2001)

في يناير/كانون الثاني 1965م، وعندما كانت البعثة الدنماركية تنقّب في التلال الدلمونية في قرية عالي، لمحت تلَّاً منخفضاً يخفي آثار مبنى إسلامي، وهي عبارة عن قوس مزخرف بزخارف جميلة تذكِّر بزخارف سامراء، وتابع الفريق التنقيب، فكشفوا عن سطحٍ مستوٍ، وهو سطح المبنى، وكذلك تم العثور على العديد من قطع الفخار التي تعود إلى الفترة الإسلامية المبكّرة. هذا وقد استنتجت البعثة الدنماركية أن هذا المبنى يعود إلى القرنين التاسع/العاشر الميلادي (Frifelt 2001, pp. 33 - 34). في واقع الأمر فإن هذا التل هو جزء من موقع آثاري ضخم، نقبت فيه البعثة اليابانية، وقد كشفت فيه عن قرية إسلامية مبكّرة، بدأت بقرية صغيرة تأسّست في القرن الثامن الميلادي، وقد توسّعت في القرنين التاسع والعاشر الميلاديين، واستمرت حتى القرن الثاني عشر الميلادي، وقد عثر في هذا الموقع على العديد من الفخار السامرائي المزجّج (Sasaki et. al. 2011).

يذكر، أنه في السبعينات من القرن الماضي، نقّبت بعثة بريطانية في الموقع القريب من المبنى الضخم وعثرت فيه على فخار يعود إلى الحقبة الإسلامية المتوسطة. هذا وقد تم نشر Vine جزء من بقايا المنزل الضخم في كتابه «Bahrain National Museum»، حيث أرجع تاريخ المبنى إلى القرن الثالث عشر الميلادي دون تقديم أي دليل لهذا التاريخ (Vine 1993, p. 81). وفي ظل غياب أي نتائج منشورة أخرى تعارض نتائج الفريق الدنماركي والفريق الياباني، وهي النتائج الأكثر حداثة، يتم الأخذ فقط بهذه النتائج الأخيرة فقط، أي أن المبنى يعود إلى القرنين التاسع/العاشر الميلادي، إلا إذا ظهرت نتائج تثبت خلاف ذلك.

هوية المبنى وتطور فنون البناء

على رغم عمل ثلاث بعثات تنقيب في الموقع، مازال هناك غموض حول هوية هذا المبنى الضخم الذي له أقواس مطلية بالجص الذي تم نقش الزخارف عليه. هل هو قصر، كما أسماه البعض، أو هو مسجد أو جامع ضخم. أياً كانت هوية هذا المبنى، تبقى هناك نتيجة مهمة، وهي وجود تطور في عمليات البناء في البحرين في الحقب الإسلامية المبكّرة،وترجح Frifelt وجود حرفيين من سامراء في البحرين، وقد انعكس ذلك على أنماط البناء، والزخرفة (Frifelt 2001, p. 33). كما كانت توجد طبقة من التجّار كانت تستورد الفخار السامرائي ليس للحاجة بالدرجة الأولى بل للرفاهية (Sasaki et. al. 2011).

ربما يشكّك البعض في هذه النتيجة المصاغة من خلال هذا الأثر البسيط، إلا أن هذا الأثر ليس هو الوحيد المتميز، بل إن هناك أثراً آخر مازال يحيطه الغموض أيضاً، وهي الأعمدة الخشبية المزخرفة التي كانت تكوّن جزءاً من هيكل مسجد الخميس، والذي رجّح Diez أنها مزخرفة بزخارف سامرائية وأنها تعود إلى القرنين التاسع/العاشر الميلاديين Diez 1925).

أعمدة الساج المزخرفة

في مسجد الخميس

جزء من هيكل مسجد الخميس كان يتكوّن من أعمدة من خشب الساج، عبارة عن عمودين وعارضتين، والتي كان بعضها مزيّن بزخارف شبيهة بزخارف مدينة سامراء والتي ظهرت في القرن التاسع الميلادي (Diez 1925)، كما أن أحد الأعمدة نقش عليه، بالإضافة إلى الزخرفة، ثلاثة أسطر هي: «لا إله إلا الله محمد سول الله علي ولي الله» (Diez 1925, Kalus 1990, p. 26). وقد تم ترجيح أن زمن هذا النقش يعود إلى القرن العاشر الميلادي (Diez 1925). يذكر أن Diez رجَّح أن إحدى العوارض تعود إلى القرن الثاني عشر الميلادي، وليس إلى القرن التاسع/ العاشر الميلادي.

والنتيجة التي صاغها Diez أن هناك جزءاً من هيكل مسجد الخميس الخشبي يعود إلى القرن التاسع/العاشر الميلادي وأنه يحمل هوية إسلامية شيعية. بالطبع ربما بني مسجد الخميس في القرن الثاني عشر الميلادي بحسب نقش التأسيس المعلق على مدخله (راجع كتابنا مسجد الخميس، الحوزة الأولى)، وهذا يعني أن هذه الأعمدة الخشبية المزينة بالزخارف السامرائية تم إعادة استخدامها وأنها كانت مستخدمة من قبل في مسجد آخر بني في تلك الحقبة وقريب من موقع مسجد الخميس. يذكر أن المنطقة المحيطة بمسجد الخميس عثر فيها على مبانٍ تعود إلى القرنين التاسع/العاشر الميلاديين (Insoll et. al. 2016).

الأعمدة الخشبية ودراسة الكربون 14

من ضمن نتائج التقرير الأخير حول نتائج عمليات التنقيب الأخيرة التي أجريت في مسجد الخميس، تم تحديد عمر أحد عوارض مسجد الخميس، وهي معروضة في متحف البحرين الوطني، باستخدام طريقة الكربون 14، وتم تحديد أنها تعود إلى القرن الثالث عشر الميلادي (Insoll et. al. 2016). ويشير التقرير إلى أن العارضة التي تم تحديد عمرها هي ذاتها العارضة الذي رجّح Diez أنها تعود إلى القرن الثاني عشر الميلادي (أنظر أعلاه). إلا أن Insoll صاغ نتيجة مفادها أن كل الجزء الخشبي من هيكل مسجد الخميس لا ينتمي إلى العصر العباسي (Insoll et. al. 2016). في واقع الأمر إن هذه النتيجة لا تغيّر شيئاً من نظرية Diez، لأن Diez لم يرجِّح أن هذه العارضة تنتمي إلى القرن التاسع أو العاشر الميلادي بل رجّح أنها أحدث من ذلك وأنها تعود إلى القرن الثاني عشر الميلادي وهو قريب من نتيجة الكربون 14. وعليه، مازالت نظرية Diez قائمة حول وجود عمود من الساج مزخرف بزخارف سامرائية وهو شبيه بالأعمدة التي استخدمت في بناء مساجد في العراق في القرن التاسع الميلادي (Diez 1925).

الخلاصة: إن وجود عمود خشبي يعود إلى القرنين التاسع/العاشر الميلادي مزيّن بزخارف ونقوش دينية دليل على وجود مسجد يعود إلى تلك الحقبة. كذلك، وجود مبنى ضخم له أقواس مزخرفة بزخارف تذكّر بالزخارف السامرائية، ويعود بناء هذا المبنى للقرنين التاسع/العاشر الميلاديين، ربما يكون قصراً أو جامعاً ضخماً يشير للدلائل ذاتها. وكل هذه الدلائل تشير إلى مدى الرخاء والتطور في طرق البناء، ومدى الاهتمام ببناء المساجد في البحرين منذ القرن التاسع الميلادي. هذا ومازال موقع عالي الإسلامي به العديد من الأسرار التي سنحاول الكشف عنها في الحلقات المقبلة.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً