العدد 5194 - الجمعة 25 نوفمبر 2016م الموافق 25 صفر 1438هـ

ديلان... استهجان وإعلاء... «نوبل» والسجال المستمر

«الدوحة» نقلاً عن «وول ستريت جورنال»...

بوب ديلان
بوب ديلان

حين يأتي التساؤل بهذه الصيغة: «هل يُعدُّ ما كتبه بوب ديلان أدباً»؟ فذلك يعني أن ثمة لغطاً وإرباكاً واستغراباً ساد الأوساط الثقافية والأدبية في العالم. تلك الصيغة وغيرها بدأت من البلدان التي احتكرت الجائزة طوال عقود، بدءاً من الولايات المتحدة، وليس انتهاء بالبرتغال التي حازت جائزة واحدة في الأدب، تلك التي حازها الكاتب المسرحي والروائي جوزيه ساراماغو العام 1998م.

لم تكن البداية مبشِّرة، فعلاوة على اللغط الذي ساد الأوساط الأدبية، وتطور إلى احتجاج وتشكيك على منح الجائزة لديلان، تعرَّضت الجائزة إلى صفعة غير مباشرة حين لم يُعِر ديلان خبر فوزه أي اهتمام، مواصلاً جولاته الغنائية، وارتباطاته الفنية في الداخل الأميركي؛ الأمر الذي دفع بمؤسسة نوبل إلى الإعراب عن انزعاجها من الفتور الذي قابل به ديلان خبر فوزه، لتتسرب أنباء بعد أسابيع بأنه لن يحضر حفل تسليم الجوائز في العاشر من ديسمبر/كانون الأول، وتلك هي الصفعة الثانية.

في إعادة للتساؤل: هل يُعدُّ ما كتبه بوب ديلان أدباً؟ يأخذنا إلى تقرير كتبه كل من: جون جورجنسين وأنَّا راسيل، في صحيفة «وول ستريت جورنال» بتاريخ 14 أكتوبر/تشرين الأول 2016، ترجمه أنو الشامي، ونشرته مجلة «الدوحة» القطرية في العدد 109 لشهر نوفمبر الجاري.

يرد في مقدمة التقرير تساؤل في الصيغة الآتية: «هل يمكن لأغانٍ مثل: (My Back Pages) و (Subterranean Homesick Blues) أن تتجاوز حدود الموسيقى الشعبية، وترتقي إلى منزلة الأدب العظيم»؟ تأتي الإجابة وبتهكُّم لا يخلو من خبث في الوقت نفسه: «على ما يبدو فقد اعتبرت لجنة جائزة نوبل أن كلمات بعض الأغاني مثل (كنت عندئذ أكبر سناً بكثير وأنا الآن أصغر)، و (لستُ بحاجة إلى خبير طقس لمعرفة اتجاه الريح)، تضع ديلان على قدم المساواة مع وليام فوكنر وإرنست همنغواي وتوني موريسون وغيرهم من أدباء أميركا الحائزين على جائزة نوبل».

المناخ... المجسَّات

هل تخضع الجائزة اليوم إلى المناخ السائد والغالب في العالم؛ علاوة على اشتغال مجسَّات سياسية في تحديد بوصلة الجائزة، ضمن أدوات أخرى؟ تلك وجهة نظر مغلَّفة بتساؤلات من ذلك القبيل. ثمة من يرى السجال الدائر في الأوساط الأدبية تعبيراً عن حال من الحسد المستشري في الأوساط الأدبية أكثر من أي أوساط أخرى. الجوائز العلمية لا تخضع لتلك التراتبيات والمجسَّات؛ لذا فأمرها محسوم بمعايير الإضافة التي يتم تحقيقها إلى ما هو قائم ومُنجز؛ بناء على معادلات وقواعد لا يمكن الخروج عليها، ومن النادر أن يحدث ذلك.

في التقرير إشارة للذين أعلوا من قيمة الأعمال التي قدَّمها ديلان، ومن بينهم أساتذة جامعيون وفي جامعات عريقة، على سبيل المثال الأستاذ السابق في جامعة أكسفورد كريستوفر ريكس الذي شبَّه الشاعر القادم من ولاية منيسوتا، بالشاعرين كيتس وييتس. آخرون عملوا على «جرِّ النار إلى خبزهم» كما يقال في اللغة الدارجة ممن أجروا تحليلاً مفصَّلاً لأغانيه، مشيرين إلى أن ديلان «مدين إلى الأغنية الشعبية الإنجليزية والاسكتلندية»، ضاربين شاهداً على ذلك بأغنية «A Hard Rain›s A- Gonna Fall» (سينهمر مطر غزير)، المستوحاة من أغنية شعبية موجودة منذ قرون وهي «Lord Randall».

على الضفة الأخرى، أولئك الذين استهجنوا الاختيار، لجوءاً إلى لغة غائمة، من بين أولئك صاحب رواية «Trainspotting» إيرفين ويلش، الذي كتب على موقع التدوينات القصيرة (تويتر): إذا كنت من مُحبِّي الموسيقى، فابحث عنها في القاموس، وبعدئذ ابحث عن (الأدب)، ثم قارن وانظر مدى التفاوت».

بعض المنافسين على جائزة نوبل، والذين دخلوا قائمة التكهنات بالفوز بها، أو هم في طريقهم إلى ذلك، وبعضهم منافسون دائمون - مثل جويس كارل أوتس - كانت لهم وجهة نظر صادمة لكثيرين؛ إذ صبَّت في صالح ديلان، على سبيل المثال اعتبرت أوتس اختيار اللجنة «مُلهماً»، مستدركة بالإشارة إلى استحقاق فرقة البيتلز الأحياء أكثر من ديلان نفسه.

انتحال كلام الآخرين

هناك أيضاً من مَنهَجَ معاييره الخاصة، ملتقياً مع اختيار «نوبل» لديلان، حاسمين مسألة جدارته واستحقاقه لها، وضمن الوسط الأكاديمي هذه المرة أيضاً، على سبيل المثال، أستاذ التاريخ الأميركي في جامعة برينستون، ومؤلف كتاب «ديلان في أميركا»، شون ويلنتس؛ حيث قال: «إنه يمكن أن يتحدث عن لاعبي الأرجوحة الطائرة في السيرك باعتبارهم من المؤثرين فيه. فهم مؤدُّون وهو يرى في فن الأداء نوعاً من الأدب». وهنالك المباشر في وجهة نظره، ولا يحتاج إلى المناورة، وهنا يستحضر التقرير المؤرخ الموسيقي البريطاني كلينتون هيلين، الذي قال إنه شارك قبل بضع سنوات في مؤتمر ناقش ما إذا كانت أعمال ديلان تستحق جائزة نوبل، وكانت إجابته: نعم. مضيفاً «إنه صاحب تأثير واسع النطاق».

يشير التقرير إلى أن بعض الذي انتقدوا فوز ديلان بالجائزة، يرجع إلى عادته في «انتحال كلام الآخرين، وتطويعه ليصبح كلامه هو»؛ حيث اتهم ديلان بسرقة مقولات من جاك لندن في مذكراته «Chronicles - Volume One»، ومقولات أخرى من الروائي الياباني جونيتشي ساجا «والتي ظهرت في أغاني ألبومه (الحب والسرقة) الذي صدر في العام 2001».

السجال لن يتوقف، لأن تفعيل مؤشرات رصد المناخ السائد والغالب في العالم قائمة؛ وربما أصبحت واحدة من الأدوات التي يتم إعمالها في ترشيح اسم أو استبعاد آخر؛ علاوة على اشتغال مجسَّات سياسية، تلك التي تسيِّر شئون ملفات عديدة في العالم؛ لكن الذين اتفقوا على أن ما كتبه بوب ديلان ليس أدباً، يرْبون على الذين أعلوا من قيمة أعماله.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً