العدد 5195 - السبت 26 نوفمبر 2016م الموافق 26 صفر 1438هـ

ثقوب في القلب

مهدي عبدالله comments [at] alwasatnews.com

.

فجأة رأيت فأراً يقتحم صدري بعنف ويحفر في جدار قلبي. تفجّر الدم الكثيف فنهضت مذعوراً أستغيث بمن حولي، صرخت بأعلى صوتي طالباً النجدة وأحسست بالغثيان. رحت أضرب بشدّة على موضع القلب لكن الفأر استمر في عمله وأحدث وخزات موجعة بأسنانه وأظافره، وأخذت كمية الدم النازفة تزداد وتنحدر إلى الأسفل. سارعت بالتقيؤ وأفرغت كل ما في جوفي إلا أن الفأر لم يخرج، هُرعت إلى الجدار القريب وحاولت الوقوف على رأسي والاستناد إلى الجدار وفتحت فمي على آخره ورحت أضغط بكلتا يداي فوق صدي وأدلّك تلك الجهة دون نتيجة. قمت من جديد وأنا أكابد الآلام علاوة على شعوري بالتقزز، ناديت أمي ثم أخي فلم يستجب أي منهما لندائي. الدم يتدفق بسرعة وإذا استمر الحال هكذا فسأفارق الحياة في غضون ساعة واحدة أو أقل. هل أستسلم؟ كلا. خطرت لي فكرة، لماذا لا أتحاور مع الفأر وأقنعه بالخروج.

- أيها الفأر الصديق، هل تسمعني؟

- نعم أسمعك.

- ما الذي دعاك إلى الدخول إلى جسمي؟

- هذا ليس شأنك.

- وماذا تريد الآن؟

- أريد أن أقتلك.

- لماذا؟

- فكّر في الأمر وستعرف.

- أتوسل إليك لا تفعل هذا.

- وماذا ستعطيني إن تخليت عن ذلك؟

- سأعطيك أي شيء تطلبه.

- لا تستطيع.

- إذا كنت قادراً فلن أتردّد.

- سأطلب منك شيئاً بسيطاً وسأرى إن كنت ستنفذه.

- إنني مستعد لكل طلباتك.

- أريد قطعة كبيرة من الجبن.

- ستأتيك في الحال.

سارعت إلى الثلاجة وأخرجت شريحة من الجبن وقطعتها إلى شرائح صغيرة وأدخلتها إليه. سمعته يأكلها بنهم وبعد لحظات قال:

- أريد قطعة ثانية، أكبر منها.

أعطيته ما يريد وانتظرت. قرقعة أسنانه تقززني، وددت لو أمسكت به وقطعته إرباً إرباً. طلب قطعة ثالثة فنفّذت طلبه وأنا في أشد الغضب. التهمها ثم قال:

- ها هاها، لقد ضحكت عليك. لن أخرج أبداً من جسمك.

استشطت غضباً وتوعّدته بأن أقضي عليه إذا لم يخرج في الحال. سخر منّي وتحداني.

الألم يزداد والدم ينزف بغزارة. جريت خارج المنزل وركضت مسرعاً في الطريق علّي أجد أحداً ينقذني. لمحت رجلين منهمكين في الحديث فاتجهت نحوهما ولما اقتربت منهما نظرا إليّ بذهول ثم أشاحا بوجهيهما عني. حاولت أن أشرح لهما مشكلتي لكنهما لم يعراني اهتماماً . استمررت في الجري وشاهدت شاباً يسير بهدوء وحينما وصلت إليه وأخبرته بمحنتي، ضحك وقال: لا أستطيع أن أفعل شيئاً. رجوته أن يساعدني لكنه اعتذر وأنصرف بعيداً. واصلت الجري حتى وصلت إلى مساحة يلعب فيها عدد من الصبية، فعملت على لفت أنظارهم، وعندما انتبهوا إلى وجودي صاروا يتضاحكون ثم تفرقوا بسرعة.

تساءلت لماذا لا يقوم أحد بمساعدتي، لماذا لا يصغون إليّ؟

تابعت سيري، الوقت يمضي سريعاً وقد أسقط في أيّة لحظة. وجدت قطة صغيرة بيضاء تبدو عليها ملامح الوداعة بجوار إحدى السيارات. قلت لنفسي: ربما أجد عندها الحل.

هُرعت إليها واستنجدت بها كي تحل كربتي فقالت: الأمر بسيط، أدخلني إلى جسمك وسأخلّصك من شرّه.

حملتها ووضعتها في الفتحة التي دخل منها الفأر فتمكنت من الولوج بسهولة. رغم إحساسي بالاضطراب والإجهاد الا أنني شعرت بأن ساعة الخلاص قد حانت. سمعت القط يناوش الفأر ثم صوت معركة بينهما لكنها سرعان ما خفتت، فاعتقدت أن الفأر قد انتهى أمره وما هي إلا لحظات وتسحب جثته إلى الخارج. أخذت أترقب وأنا على وجل، لكنني لم أسمع شيئاً البتة. صمت مخيف خيّم على الموقف ماعدا حركة الدم الذي يسيل بقوة ويزيدني خوفاً.

قرّبت رأسي جهة الصدر لكي أدرك ماذا حدث، وبعد أن نفذ صبري قلت للقط:

- بشّرني، هل أنهيت مهمتك؟

- نعم.

- وماذا تنتظر؟

- لن أخرج الفأر حتى تحقق شرطي.

- وما هو؟

- أريد عشرة آلاف دينار.

- هل جننت، لماذا تريد هذا المبلغ؟

- هذا ليس شأنك.

- لكنني ليس لديّ حتى مئة دينار.

- اقترض من البنك.

- لن يعطيني.

- إنها مشكلتك وعليك تدبير المبلغ.

- أيها السافل، أنت تبتزني.

- كل شيء وله ثمنه.

- سأخنقك وأقضي عليك حالما تقع بيدي.

- لا تقدر.

ثارت ثائرتي ورحت أضرب بشدّة على الموضع الذي يقبع فيه القط، صرت أتلوى من الألم. ما هي إلا مدة قصيرة وتنتهي حياتي. كلا لن أستسلم، اندفعت نحو السيارة وشغّلتها بسرعة وانطلقت إلى المستشفى. توجهت إلى قسم الطوارئ ولما شاهد الممرضون حالتي أدخلوني إلى الطبيب فوراً. شرحت له حالتي فابتسم وظن إني أهلوس، لكنه عندما لاحظ إنني جاد في كلامي طلب أخذ أشعة لصدري. وخلال دقائق أخذت الأشعة وظهر القط والفأر واضحين في الصورة. حينها أمر الطبيب بإجراء عملية عاجلة فنقلت إلى غرفة العمليات وتم تخديري، وأجريت العملية.

بعد أن أفقت من التخدير جاء الطبيب:

- الحمد لله على السلامة.

- أشكرك جداً يا دكتور، لقد أنقذت حياتي.

- لا شكر على واجب، لقد كانت عملية دقيقة استغرقت ثلاث ساعات.

- وماذا وجدتم؟

- وجدنا القط والفأر اللعينين واستخرجناهما، كانت يداهما متشابكتين لحظة الخروج وما أن وضعناهما على الطاولة لاذا بالفرار.

- وكيف وجدتم القلب؟

- إنه للأسف مصاب بجروح كثيرة وحدثت به ثقوب عميقة لن تلتئم إلا بعد فترة طويلة. المهم عليك بالراحة والنقاهة الآن.

- وهل سأعود إلى حالتي الطبيعية؟

- ذلك يعتمد على سلوكك وطبائعك.

إقرأ أيضا لـ "مهدي عبدالله"

العدد 5195 - السبت 26 نوفمبر 2016م الموافق 26 صفر 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً