العدد 5198 - الثلثاء 29 نوفمبر 2016م الموافق 29 صفر 1438هـ

سعيد طبارة... مسيرة شعلة النور طوال 80 عاماً

فاطمة الحجري comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

سؤال يلحُّ في رأسي، ما يمكن أن يكون جوابي، أو بالأحرى ما هي الإجابة النموذجية على سؤال من هذا النوع؟

سألني أحد المشرفين على حسابات نشر أسماء الموتى وبياناتهم على الإنستغرام، مقدماً لسؤاله باعتذار خجول: هل المتوفى بحريني؟، أجبته دون وهلة تفكير: نعم، إنه بحريني أكثر مني ومنك!

بعيداً عن عمليات الفرز العقلية التي صارت تسيطر على عقولنا قسراً وليس طوعاً، وبعيداً عن أغراض السؤال ونواياه وخلفياته، أجد نفسي أمام قامة من قامات العلم، أحد رواد التربية والتعليم، مؤسس التعليم الصناعي في البحرين، الذي نذر نفسه للبحرين وأهلها، حتى غدا بحريني القلب والقالب.

إنه المربي الفاضلسعيد سعيد طبارة الذي غادر دنيانا، تاركًا خلفه إرثاً عريضاً يختزل مراحل تطور مسيرة التعليم النظامي في البحرين، ومع ذلك الإرث ترك خلفه أبناء ومحبين وتلاميذ، وجيلاً آخر ممن لم يعرفوه، لكنهم سيقرؤون عنه وسينضمون حتماً إلى قافلة المتحسرين على فقده.

مهمة ليست سهلة سيعيشها الكاتب والروائي والقاص الصديق حسين المحروس الذي رشحته قبل عام تقريباً ليتولى مهمة نقش سيرة مهندس التعليم الصناعي في البحرين سعيد طبارة، سألني ابنه خالد: أريد كاتباً يروي سيرة أبي، فمن ترشحين؟ أجبته: المحروس لها.

بدأ المحروس قبل عام من الآن بتجميع خيوط القصة بالحبكة التي عهدناها في رواياته والسير التي ينشرها، صور ومحطات وتفاصيل صغيرة تصنع الفرق في السرد، لكن مصيبة الموت والقدر المحتوم لم تمهله ليكمل ما بدأ.

مسيرة طويلة تمتد إلى 80 عاماً، بدأت من بيروت الثقافة والجمال، وانتهت في المنامة، العاصمة التي أحب وعشق وسطر فيها فصول مسيرته التعليمية حتى أكمل القدرُ أضلاع المثلث الشاهد على رحلة عطائه الطويلة، مدرسته التي أسس زواياها بقدر وافر من الحب والإخلاص والتفاني، بيته الذي آثر أن يبقى في قلب العاصمة ولم يهجره نازحاً إلى المناطق الجديدة كما فعل الكثيرون، وقبره الذي يبعد عن بيته ومدرسته بضع كيلومترات، أجزم أنه هذا المثلث لم يرسم بمشيئة الصدفة، فقد اختار الراحل الحاضر أن يبقى في حدود هذه المساحة، ولا يغادرها، وإن غادرتها أنفاسه.

أي سيرة أنعى؟ وأي حسرة يمكن أن تجسدها الكلمات، يقول المحروس: «فلح الراحل طبارة في تحويل ورشة نجارة إلى مدرسة صناعية»، ويجمع المشيعون الذين شاركوا في تشييعه إلى مثواه الأخير، على أن الفضل في تغيير النظرة الدونية للتعليم الصناعي إلى نظره إيجابية لا تخلو من احترام تعود إلى طبارة، ذلك لأنه آمن بأن أهل البحرين أقدر على بنائها، فراح يبتعث خريجي المسار الصناعي الواحد تلو الآخر إلى بريطانيا، ليعودوا، بعد بضع سنوات، سواعد قادرة على صناعة المستقبل، وتولي المناصب القيادية في أرقى وأهم الشركات الصناعية في البحرين، وآمن أكثر بالعلم وساعد محبيه ليجتازوا الصعاب.

أحب البحرين، وعشق أهلها، كان زاده الحب والإخلاص والتفاني لخدمة هذه الأرض التي نقش على ترابها فضلاً عصيّاً على الطي والنسيان، ومسيرة لا يمكن العبور عليها عند الهدم بتوثيق مراحل تطور التعليم في البحرين، رحل رجل الخير، وقبل رحيله سلّم الشعلة لأبنائه وتلاميذه ليكملوا المسير، فالأهم بالنسبة له ألا تنطفئ شعلة النور، وهذا تحديداً ما يجعله بأعيننا وقلوبنا «بحرينيّاً» مع مرتبة الشرف الأولى.

إقرأ أيضا لـ "فاطمة الحجري"

العدد 5198 - الثلثاء 29 نوفمبر 2016م الموافق 29 صفر 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 26 | 12:00 م

      مثل هذة الشخصيات فخر لكل العرب وليس البحرينين فقط

    • زائر 25 | 9:41 ص

      لماذا نحن البحرينيون نفتخر بأجنبي خدم البحرين و قد يكون قد تشرف بنيل الجنسية أكثر من البحريني الاصيل بن الوطن.
      هناك الكثيرون من الشعب الاصلي من خدموا بالحرين و قدموا دماؤهم و ارواحهم لكنلا تجد من يذكرهم.
      الشيخ علي كمال الدين مثالا.

    • زائر 24 | 8:45 ص

      لروحه الرحمه والمغفرة ولأهله الصبر والسلوان

    • زائر 23 | 8:43 ص

      أسكنه الله فسيح جناته

    • زائر 22 | 7:35 ص

      هلووووووو هلو
      الله يرحمه ويسكنه فسيح جناته
      وجزاه الله عنا خير الجزاء
      لم اعرف الشخص الا من خلال مقالك الممتاز وكلماتك المعبرة والصادقة في رسم صورته
      واسلوبك في اختيار الكلمة التي كانت موجودة ولم تزال في قلمك واحساسك ????????

    • زائر 21 | 7:20 ص

      النبلاء لا يحاتجون للجنسية
      روحه وقلمك

    • زائر 20 | 6:55 ص

      اعجبني المقال وطريقة سرده نحن بحاجة الى مثل هذا لنتذكر الطيبون ونترحم عليهم
      الله يرحمه ويغمد روحه الجنه
      الشكر الجزيل للكاتبه فاطمه الحجري

    • زائر 19 | 6:13 ص

      مهما كتب وقيل عنك يا استاذي الجليل لا اعتقد بأنهم سيوفون بحقك.انت تاريخ التعليم الصناعي بالبحرين .افجعتنا برحيلك.يا ابا خالد..فليرحمك الله

    • زائر 18 | 5:26 ص

      تحسرت على فقدانه وانا لم يكن لي الشرف لمعرفته فألف شكر لقلم المبدعة الذي كان كافي لجعل قلبي يتأسف على رحيله ويتاسف لعدم معرفتي به

    • زائر 17 | 4:26 ص

      مقالة رائعة وتلمس نبضات قلب الاستاذ والمربي الفاضل
      سلمت ابداعاتك النادرة في الظهور

    • زائر 16 | 4:10 ص

      مقال رائع أستاذة فاطمة استمري والي الامام

    • زائر 15 | 3:59 ص

      ابكيتنا يا فاطمة ????

    • زائر 14 | 3:57 ص

      ليش ما تردين تكتبين. خسارة على كتاباتش الحليوة

    • زائر 13 | 3:46 ص

      الى رحمة الله الواسعة

    • زائر 12 | 3:37 ص

      مقال معبر وصادق.. رحم الله الفقيد الذي اعطى البحرين الكثير

    • زائر 11 | 3:17 ص

      الاستاذة فاطمة اطلالة مميزة نأمل ان تستمر وان لا تكون في السنة مرة .. وان لا تكون لورقة هوت وهي خضراء يانعة ، بل اثري محفلنا بأوراق تنبض في ريعانها ايضا ، سيما وان هذه الصفحات كانت بيتك الاول فدعي القارئ الكريم يتزود بالموضوع الهادف والفكرة الناضجة ودمتي بخير

    • زائر 10 | 3:12 ص

      السلام عليكم
      مقاله جميله بحق شخصية تربوية…. في زمن قل وندر وجود أمثالهم.
      #لا اعرف تلك الشخصيه… ولكن حسستها من خلال ما قرأت…
      ربي يرحمه ويغفر له ولسائر المؤمنين.

    • زائر 9 | 2:29 ص

      رحم الله هذا المربي الفاضل وجزاه الله عن أبناء البحرين كافة خير الجزاء،،،
      كم هي أنيقة كلماتك،،،ودافئة مشاعرك،،، ورائع وفاؤك،،،

    • agubh | 1:34 ص

      رثاء معبر.. إلى رحمه الله

    • زائر 7 | 1:24 ص

      رائع يا فاطمة.. شكرن لك.. سيقى أستاذ سعيد طبارة مهندس التعليم الصناعي بامتياز وسيبقى مختلفا عن بقية المسؤولين في وزارة التربية بثقافته العميقة وبنظرة كية نحو المستقبل

    • زائر 6 | 12:21 ص

      ترجل الفارس

      رحمك الله يا أبا خالد. نعم تتشرف البحرين به وبمثله من خدموا البلد. وهو كان من اكثر الناس حرصا على تعليم اولادنا .يكفي انه كان يدرس بعد ساعات دوامه بدون مقابل. كنت محبوبا وسعيدا في الدنيا وسعيدا في الآخرة

    • زائر 5 | 12:15 ص

      مقال رائع... الله يرحمه برحمته

    • زائر 4 | 11:50 م

      رحمة الله عليه

    • زائر 3 | 11:27 م

      نعم رحم الله أستاذنا الكبير .

اقرأ ايضاً