العدد 5198 - الثلثاء 29 نوفمبر 2016م الموافق 29 صفر 1438هـ

قصة قصيرة... الإنسانية يا أخي

حنان الهرواشي - قاصة مغربية 

تحديث: 12 مايو 2017

ظلّ وجع الجرح الغائر ينقضّ عليه لأكثر من ثلاث ساعات وأنا أنظر إليه دون حركة، كنت أريد أن أتأكد من كونه على ما يرام قبل أن أسمح له بالمغادرة. صرخات وحمّى وعرق بارد. انتظر الطبيب حتى توقف النزيف، وأخرجَ قطعة الزجاج الحادة الغارقة بصورة عميقة في ركبته اليسرى، كانت ملامح الرجل في منتهى القوة وهو يحاول الوقوف : "لن أموت هنا" ! منعته. انهار فجأة. لم أجرؤ أن أسلب منه الاختيار، لكن لم أستطع أن أفعل غير ذلك امتثالاً لأوامر الطبيب الذي منعني من تركه في هذه النكسة. طمأنني على شفائه القريب وهو يغادر، ويطلب مني أن أغير له الضمّادات كل يوم، وأناوله المضادات الحيوية لمدة عشرة أيام.

أحضرت له الطّعام، سندويتش كباب وصودا، وطلبت منه الأكل. امتعض، حملق في الأرض، لم يغنم بما جدت به، إنما سألني مستوضحا :                                                                                              

- لماذا أنا يا صديقي؟ لماذا توقفت عندي وحملتني إلى منزلك؟

 - لقد كنت في حالة يرثى لها.

 - أهي شفقة؟

 - فلنقل رحمة الأخ لأخيه في الإنسانية.

 لم يرُد بعدها بشيء. اكتفى بالصمت وتناول العشاء. تصوّرته حين رأيته من السيّارة أنه مغربي، ابن بلدي، وأنه تعرّض لاعتداء شنيع، لكن لكنته الشرقية الجميلة صحّحتْ لي التصوّر وهو يقول: "اتركني لحالي... لا أريد الذهاب إلى المستشفى". كان ينظر إليّ باطمئنان طوال الطريق، مثلما يفعل الآن، ولم أكن متأكدا أنه يعني بتلك النظرات أنه ممتن لي. سوري أصيل، خلوق، وإن بدا عنيداً.

لم ينم تلك الّليلة على رغم كلّ ما فعلته. شعر بالرعب والأمان يتناوبان عليه تناوب الخير والشر في الحياة. ليلته ظلماء، مشوشة، كابوس مزعج ومثقل بهذيان حيّرني بصدق. ما يكاد ينام حتّى يستيقظ مرتعداً والهواء قد اختنق في مجرى تنفسه. استمر الحال، ثم ازداد سوءاً. لم أعرف لماذا يهذي وعلى من يبكي. خفت وأنا أسمع أعلى صرخاته. كنت أدعو الله أن يمر الّليل في سلام، وأن يخفّف عنه آلامه الشّديدة. فجأة، دون سابق إنذار، غرق في الصمت، ونام، وفعلت مثله.

قبيل الفجر بقليل، استيقظتُ من غفوتي الطويلة، التي لم تشبه النوم أبداً. نهضت على الأريكة التي تحتل بهو المنزل، ودخلت غرفته (غرفتي)، لكن لم أجده، ولم أجد غير ورقة مكتوب عليها: "شكراً يا أخي... شكراً على كرمك... أتأسف لذهابي دون أن أخبرك... لكن هكذا شاء مصيري ومصيرنا... ممتن لك أخي... وداعاً"  .





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

اقرأ ايضاً