العدد 5201 - الجمعة 02 ديسمبر 2016م الموافق 02 ربيع الاول 1438هـ

فاشينستا!

منصورة عبد الأمير mansoora.amir [at] alwasatnews.com

عبّرتُ، منذ أسابيع قليلة، من خلال هذا المنبر، عن فخري واعتزازي بالفتية والفتيات الذين شاركوا في «تحدِّي القراءة العربي»، مُعلنين احتفاظهم برابط قويٍّ مع عالم الكتُب والثقافة؛ على رغم كل ما يحيط بهم من إغراءات توفرها لهم التقنية الحديثة بصورها الأخَّاذة الساحرة التي قد تكفيهم عن عالم الكلمات. هؤلاء قدَّموا للعالم صورة مختلفة، صورة تقول إن العرب يقرؤون، إننا أمة غير جاهلة، إن أبناءنا الصغار لهم اهتمامات جادَّة كنظرائهم في جميع أرجاء العالم وإننا، «قرائياً»، لا نعيش على الهامش، وإن الإحصاءات الشهيرة «سيئة الصيت»، المتعلقة بأرقام القراءة لدينا، غير دقيقة؛ إذ ربما اعتمدتْ عيِّناتٍ غير مُمثِلة للعالم العربي بشكل كامل أو دقيق أو سليم.

لكن، في مقابل فخري ذاك فيما أتابع تحدِّي القراءة، وأتلمَّس آثاره، وأُحلِّل تداعياته، وأرجع إلى أُسسه، باغتني «فيديو»، على موقع التواصل الاجتماعي «الانستغرام»، يُصوِّر فتياتٍ تكاد الواحدة منهن تلفظ آخر أنفاسها فيما يلاحقن «فاشينستا» تتبضَّع في مُجمَّع تجاري رفْقة حرس خاص «بودي غاردز».

إنه عالم حُرٌّ، مختلف التوجُّهات والأهواء والميول؛ ولذا لن أتوقف عند ظاهرة الفاشينستات، ولن أتوقف عند ما يحدث من هرج ومرج على وسائل التواصل الاجتماعي على مواقع هؤلاء أو حولهن. لن أعلِّق أيضاً على قضية فراغ حياة بعض أبناء وبنات هذا الجيل من نموذج مشرّف؛ ما يجعلهم يتعلّقون بفاشينستا، ذات وجه وجسد جميلين، تهتم بأناقتها وجمالها، لكن لا شيء آخر ليُقتدى به، لا شيء مثمراً يبني الإنسان والمجتمعات، لا شيء يُشير إلى مُنجز «إنساني» على أي مستوى.

لن أتوقف أيضاً عند قضية تحميل المسئولية للأُسَر التي لم تُحسن تقديم الدعم النفسي والذهني والتربوي لأبنائها، ولم توفّق لتوضيح المفاهيم وتقديم المثَل لهم. ولن أتوقف أيضاً عند مسئولية الإعلام وجنايته في هذا الشأن، وهو الذي روَّج لتلك الصور الجوفاء وخلق منها نجوماً.

لكنني سأتوقف عند مسئوليتنا جميعاً كمجتمع عربي خليجي، يزعم أنه يحمل من القيم العليا والثقافة النبيلة ونظم الحياة الراقية إنسانياً، أكثر من غيره. سواءً كان ذلك صحيحاً أم لا، فإنه يعني أننا نحمل مسئولية «أكبر» في تقديم جرعات غير اعتيادية من الدعم النفسي والاجتماعي والذهني والمفاهيمي والمبدئي لأبنائنا.

لكل منا توجُّهاته الاجتماعية والدينية والثقافية، ولبعضنا اعتزازه المفرط بكل ما يفرزه الانفتاح على العالم، لكن هل نرتضي أن يفقد أبناؤنا الإحساس بشيء من الجدِّية في حياتهم ليصل بهم الأمر لأن يكون مثلُهم الأعلى فاشينستات.

نحتاج لأن نصدِّر للعالم صوراً مختلفة، تشبه صور تحدِّي القراءة، تشبه صورة المخترع السعودي الذي سجَّل العالمُ كوكباً باسمه، تشبه صورة نساء تحدَّين واقعهن وصنعن مجتمعاتهن الصغيرة أو الكبيرة بإنجاز مهني أو إنساني شامل، تشبه صوراً عربية أخرى كثيرة لمبدعين في كل المجالات.

نحتاج لأن نفخر بثقافتنا أمام العالم، لأن نقول للعالم، إننا نصدِّر لكم صوراً مشرقة تساهم في رسم مستقبل أفضل للبشرية. نحتاج لأن نكون أجمل في أعيننا وفي أعين الآخرين، أجمل بإنجازاتنا وإبداعاتنا، في كل مجال يرتقي بالبشرية.

باختصار نحتاج لقوة ثقافة نبيلة. تسعدنا وتنقل السعادة للآخرين... السعادة بمعناها الإنساني الأعمق والأقرب لتحقيق مستقبل أفضل للبشرية.

إقرأ أيضا لـ "منصورة عبد الأمير"

العدد 5201 - الجمعة 02 ديسمبر 2016م الموافق 02 ربيع الاول 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 4:11 ص

      بالفعل، هناك الكثير من الشباب المثقف في هذا الوطن لكنهم باتوا مكبلين بقيود معقدة تحصرهم في زاوية دون أدنى تقدير من هذا المجتمع وفي المقابل تحصل الفاشينستات على كل الدعم المادي والاعلامي والخ.

    • زائر 3 | 2:20 ص

      ان القوة الناعمة التي تستخدم اليوم هي التغيير بشكل اللاوعي
      هي اكبر القوى لتغيير العقائد والقيم واستبدالها بالجوفاء والخواء
      وان ادرك ذلك فقط فهم اللعبة .
      والسلامة منها وعيها

    • زائر 1 | 11:53 م

      جميل جدا.. هذا ما كتبت عنه قبل يومين لبعض أصحابي بأن يكفوا عن اشهار الحسابات الجوفاء الخالية من أي معنى. فنحن من يجعل هؤلاء مشهورون. وبالمناسبة هناك حملة في استراليا وأمريكا وكندا تنتشر تحت شعار:
      Stop making stupid people famous

    • زائر 2 زائر 1 | 2:14 ص

      أتفق مع كلامك
      يجب وقف إشهار الناس التافهين والأغبياء

اقرأ ايضاً