العدد 5223 - السبت 24 ديسمبر 2016م الموافق 24 ربيع الاول 1438هـ

قصة قصيرة... تأخروا

روح الله رحيمي - قاص إيراني 

تحديث: 12 مايو 2017

لقد تأخروا. انتظرهم منذ شهرين لكنهم لم يأتوا بعد. كان زميلي قد قال لي إنهم لا يتأخرون عادة. قال إنهم لا يضيِّعون الوقت. اليس زميلي مخطئاً؟ لا. من المستبعد أن يخطئ. هو يعرفهم جيداً. التقى بعضهم من قبل. بقي ضيفاً لهم لعامين. ربما لا يكون لديهم عنواني. لكنني قرأت في مقال أنهم يعرفون عنوان كل شخص. ربما نسوا عنواني. ربما.

أستجمع سمعي كي لا يفوتني أي صوت. كل صوت يشبه رنين الهاتف أو قرع الباب يجعلني أثب من مكاني. أنام متأخراً. بعد منتصف الليل. لا أريد أن أكون نائماً حينما يأتون. حتى في النوم أستجمع حواسي. بعض الأوقات أسمع رنين الهاتف أو جرس الباب فأنهض من النوم وأسرع نحو الباب لكنه لا أحد هناك.

كل خمس دقائق أطل من النافذة. كلما تقع نظرتي على رجل ذي ذقن حليق يلبس بدلة رجالية أنيقة عابس الوجه يدق قلبي. أقول لنفسي أتوا أخيراً. يواصل الرجل طريقه وتخيب آمالي... متي يأتون؟ متى ينتهي هذا الانتظار الذي يكاد يكون تعذيبا؟

اليوم قرأت المقال مجدداً. قلت في نفسي: ربما لم يكن فيه ما يشجّعهم للمجيء عندي. يبدو أنني أخطأت في ظني أن المقال سيزعجهم. لم أذكر اسماً ولم أستخدم كلمات حادة. كل ما في الأمر أنني انتقدت تفشي الفساد في الدوائر الحكومية، وعدم تحرك المسئولين لوضع حد له. أجل... لم يكن في مقالي ما يزعج أحداً. حتى إنني قدّمت حلولاً وتمنيت أن تطبِّقها الحكومة كي تقضي على الفساد أو على الأقل تخففه... عشرات المقالات تنتشر هنا وهناك وهي أكثر حدة وانتقاداً ولا تزعج أحداً. فمن يهتم بمقالي؟

أتوا أخيراً. اليوم أتوا. في الصباح. كانت الساعة العاشرة. كنت أنتظرهم في الليل. في بيتي. كان صديقي قد قال إنهم يأتون في الليل. يقرعون الباب ويطلبون منك أن ترافقهم. إلا أنهم أتوا إلى مكان عملي. مكتب الصحيفة. كانوا ثلاثة. اثنان منهم بقوا على الباب وثالثهم دخل المكتب. توجّه نحوي. لم يكن يلبس بدلة رجالية أنيقة ولم يكن ذقنه حليقاً كذلك لم يكن عابس الوجه. كان هادئاً ومبتسماً. ناداني باسمي. السيد... كان صوته متزناً وفيه بُحَّة. قلت لنفسي بإمكانه أن يشتغل مذيعاً أو مدبلجاً. طلب مني أن أرافقه. "من أجل الإجابة على بعض الأسئلة". أجبت أن بإمكاني الاجابة هنا في المكتب. رد: "هنا ليس بمكان مناسب".

سأرافقهم. لابد أن أرافقهم. أحد زملائي دنا مني وقال: لا تقلق. لا تحصل مشكلة. مجرد بعض الأسئلة... أتمنى ألَّا تكون الأسئلة صعبة. أتمنى أن يعطوا لي وقتاً كافياً للإجابة وأن تقنعهم إجاباتي. إذا رجعت فلن أكتب المقال. سأطلب من المدير أن أشتغل سكرتيراً. سأرد على التليفون. هكذا أحسن. الأسئلة واضحة والأجوبة بسيطة. سوف لا ينزعج أحد.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 8:55 م

      رائع وان كنت بحاجة للقراءة أكثر والاطلاع على الاعمال الادبية لكبار كتاب القصة القصيرة عالميا ومحليا

    • زائر 3 | 4:19 ص

      جميلة ، واصل أخي

    • زائر 2 | 1:55 ص

      قصة جميله جداً منذ بدايتها وحتى الامنية الاخيره موفقين انشاءالله

    • زائر 1 | 5:40 ص

      قصة جميلة وموضوعها جديد وجذاب. اعجبتني هواجس الراوي ومخاوفه كما ان خاتمة القصة كانت رائعة.

اقرأ ايضاً