العدد 5225 - الإثنين 26 ديسمبر 2016م الموافق 26 ربيع الاول 1438هـ

قصة قصيرة... عودة أبومزيكا

حسن عبدالحميد أبوالسعود - قاص مصري 

تحديث: 12 مايو 2017

قيل والعهدة على الراوي، إنه قد هبط من عربة ربع نقل، تقل البقرة المباعة والبقرة المشتراة من وإلى السوق الظالم لصغيره، السعيد على كبيره. مع العلم أن جُلة نيئة وحارة قد لطّخت أكمام قميصه وأسفل بنطاله، بدون اكتراث يذكر منه في إبعادها أو إخفائها. 

وكنا نحن كما نحن، وكما سنكون؛ جالسين تحت أشجار التوت، نتلقف الظل والثمر، أو مطروحين في جنبات الجوامع التي زينها أهل الله بالتكييفات الطاردة للسخونة الزنخة؛ وإما في حقولنا، نغمر الأرض العطشى بالماء الحبشي المقدس، ونحش أعواد البرسيم الحجازي الذي يضحك بإسهاب كلما خمش وجهه هواء مشاغب بمحشات معقوفة. نفس المحشات نستخدمها أحيانا لبتر رؤوسنا إذا ما استحكم الخلاف بيننا في أمر ما، وعجز منطق الدين أو العرف الموروث أن يقينا شره.

كنا كما نحن وكما سنكون؛ نأكل، ونشرب، ونضاجع زوجاتنا، وننام في انتظار يوم آخر نعيد فيه ونزيد، أو زلزلة تصفنا صفوفاً للحساب الثقيل.

رآه أول من رآه عبدالعزيز ضاحي الذي استنكف حتى من إلقاء تحية عزيزة، ووصفه لنا خالد محفوظ: "الألوان تتقاسم تقاطيع وجهه؛ كأنه يموت على استحياء. جسده العملاق آل إلى التهدم، وثيابه متقطعة كما لو كانت لمجذوب يرقص بعنف شجي في مولد سيدنا محمد".

وأكد الحاج عبدالرحمن الجبيلى نقلاً عن ابنه الأستاذ حمود عن رواة صغار ثقات لا يكذبون بدون سبب؛ أنه لم يكن يرتدى مركوباً أو خفاً يحفظ به قدميه من قسوة دروبنا. آذانا سماع هذا الخبر لكننا لم نترحم عليه كما نترحم على بشر الحافي بعد أن نأكل وجبات اللحم غير المنتظمة؛ فبشر الحافي قديس وولي صالح كان يؤمن بالله وبالمحبة وبالعمل وبالحياة، أما أبو مزيكا؛ فلقبه الذي لقبناه به يريكم كم هو ضئيل وقليل القدر في أعيننا. إنه رجل كان يؤمن بالموسيقى؛ فاستحق ما فعلته به الموسيقى.

آذانا الحاج ثانية عندما أكد أنه لم يتأبط حقيبة أو كيساً؛ ما أيقظ فينا حاسة التساؤل عن مصير الحقيبة الفاتنة التي أخذها معه منذ عشرين سنة.

أخبرنا ابن عمه حمزة أبو خبيئة، الهلفوت الذي ضيّع نصف عمره في البحث عن ذهب فرعون في بئر داره، أنه لم يتوجّه إلى بيته ليجلس على سرير الجريد أمام بيته كي يتلقى العزاء في أبيه الطيب الذي غسّلناه وكفنّاه ووسّدناه وقبّلناه قبلة الوداع قبل أسبوع ونصف كالكرام المكرّمين الأجاويد الميامين؛ بل تمشى مباشرة في طريق الجبل البني الباهت كأيامه الغبراء. ومن هناك أتانا خبره من شندويلى حفار القبور، الذي قال لنا إنه رآه راقداً على قبر أبيه يتحدث إليه بعفوية واسترسال، ورآه وهو يتبول على قبر مجاور لا شاهد له، ورآه وهو يعتذر بعدها للقبر والمقبور ويوصى الجميع بأبيه الجديد عليهم خيراً، ورآه ينهض بعد منتصف الليل ويقبل القبر المبتل بماء رشه عليه، ثم رجع من حيث أتى. عليه سخط الله وسخطنا. هذا والله أعلى وأعلم.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 7:55 ص

      الله الله

    • زائر 1 | 8:51 م

      الكاتب يمتلك أسلوبا ساخرا رائعا فهو يتحدث عن المتناقضات التي يعايشها دوما في مجتمعه الريفي الصغير..
      النص أعلاه ينقصه الترابط القصصي ففيه انتقالات بينها فراغات ..
      من أهم مميزات القصة القصيرة هي التكثيف اللفظي والاقتصارات على اقل عدد من الكلمات والاقتصاد على ما يؤدي ما يوصل الفكرة الرئيسة للقصة القصيرة
      ... استمر يا صديقي فأمامك طريق الابداع والتألق

اقرأ ايضاً