العدد 5226 - الثلثاء 27 ديسمبر 2016م الموافق 27 ربيع الاول 1438هـ

المخرجة الإماراتية نجوم الغانم: أضع شخصيات أفلامي في مواقف تتطلب الارتجال

عرضت «عسل ومطر وغبار» في «دبي السينمائي»... وقدّمت «سالم» لـ «أي دبليو سي»

لقطة من أحد أفلامها
لقطة من أحد أفلامها

المشاهد الأنيقة، المفعمة التفاصيل، والكاميرا الشاعرية التي تتحرك ببطء مدروس، مراقبة وكاشفة كافة تفاصيل المشهد بما يخدم جمال الصورة، وقبل كل هذا بما يوصل رسالة الفيلم بأبلغ ما يمكن. هذه هي كاميرا المخرجة الإماراتية نجوم الغانم، وتلك هي مشاهد ولقطات أفلامها. مشاهد جميلة، تمتلئ بالحياة، وإن كان معظمها صامتاً، أو متضمناً حوارات متناثرة ليست سوى مكاشفات تفضي بها شخصيات الغانم المميزة كالمخرجة تماماً. أفلام وثائقية طويلة، مثرية، كاشفة لآفاق جديدة، مشرعة نافذة على عوالم مختلفة و... ممتعة.

نجوم الغانم، الكاتبة، الشاعرة، والمخرجة السينمائية الإماراتية المتخصصة في تقديم الأفلام الوثائقية غير الروائية، عرض لها مهرجان دبي السينمائي الدولي في دورته الأخيرة (6-14 ديسمبر/ كانون الأول 2016) فيلم «عسل ومطر وغبار»، وهو الذي تستعرض عبره الغانم جزءًا من حياة سيدتين إماراتيتين تعدان الأكثر شهرة في مجال البحث عن عسل وجمعه في الإمارات.

ومثل كثيرٍ من أفلامها السابقة، كما في «سماء قريبة»، تتحرك الكاميرا بأناقة، بسلاسة، وبنفس شاعري، هو المميز دائماً في أعمال الغانم، متتبعة (أي الكاميرا) سيدتين إماراتيتين تقليديتين هما عائشة وفاطمة غريب، في رحلتهما اليومية لجمع العسل من خلايا النحل الموزعة على الجبال في المنطقة الشمالية من دولة الإمارات.

الغانم تواجدت في دورة مهرجان دبي السينمائي الدولي الثالثة عشرة، سواء أثناء عروض فيلمها «عسل ومطر وغبار» وكذلك عبر ترشحها لجائزة «اي دبليو سي للمخرجين»، وذلك عن مشروع فيلمها القادم «سالم»، وهو فيلم روائي على ما يبدو من موجز السيناريو الخاص به إذ يتبع العقبات التي تواجه سالم وشمسة، وهما شابان يحاولان التأقلم مع الحياة العصرية في دولة الإمارات، في حين يقف ماضيهما المؤرق، وعاداتهما وتقاليدهما، بينهما وبين رغباتهما.

ورغم عدم فوز الغانم بأية جائزة في هذه الدورة من المهرجان، إلا أن حضورها السينمائي المميز لا يمكن إغفاله وكذلك مكانة الغانم كمخرجة خليجية عربية استثنائية.

«الوسط» التقت الغانم لتحاورها حول توجهها المختلف نحو الفيلم الوثائقي، أسلوبها النسائي في تقديم الوثائقي، شخصيات أفلامها الاستثنائية، والنفس الشاعري الذي يلاحقها ويعطي لأفلامها نكهة سينمائية خاصة جداً.

سألتها بداية عن الانتقال إلى الفيلم الوثائقي ومن ثم تفضيلها هذا التوجه والبقاء عليه، منذ فيلم «المريد» (2008) حتى «عسل ومطر وغبار» (2016)، وذلك بعد تجارب قليلة في «الروائي» جاءت عبر أفلام قصيرة مثل «الحديقة» (1997) وآيس كريم (1997):

- كنت قد عدت من استراليا أثناء دراسة الماجستير في عام 1999 على أمل العمل على قصة تنتمي إلى الشكل السردي المرتبط بالأفلام الروائية التي كنتُ قد بدأت فيها هناك، ومن قبل في أميركا في منتصف التسعينيات، ولكن وضع الإنتاج السينمائي كان صعباً في دبي حينها، وكان عليّ تحديد موضوع مشروع التخرج والبدء بالعمل عليه فوراً حسب الخطة الأكاديمية. وكان الحل الأسلم هو عمل فيلم وثائقي حتى يمكن السيطرة على التكاليف والجوانب التقنية والفنية المترتبة على الإنتاج.

وهكذا كان أول عمل لي في الإمارات هو الوثائقي، وبعدها وللسبب نفسه، بدأت أعمل على فيلمي الوثائقي الطويل الأول وهو «المريد». ولكن أمر المعالجة الروائية كانت دائماً حاضرةً في جميع الأفلام التي قمت سواء بكتابتها أو بإنتاجها أو بإخراجها. وقد أنتجت خلال السنوات الماضية فيلم «عشاء سلمى»، وهو روائي قصير بالإضافة إلى العمل على المشاريع المؤسساتية الروائية.

هناك تطور كبير حصل في أسلوب تقديمك في الفيلم الوثائقي، على الأخص في الأعمال الأخيرة «سماء قريبة»، و»عسل مطر وغبار» في استخدام تقنيات تصوير وإخراج مختلفة أعطت لأفلامك شكلاً خاصاً لا يشبه كثيراً من الأفلام الوثائقية التي تأتي من المنطقة العربية، ما هي أهم الأمور التي تركزين عليها في توثيقك السينمائي؟

-حين أضع مقترحات الأفلام فإنني عادةً ما أضع الأسلوب السردي لها أولاً، وفي هذا تصرف يتعدى مسألة التسجيلية، وعندما أعمل مع الشخصيات فإنني أضعهم في مواقف تتطلب منهم ردة الفعل أو الارتجال، وهي تقنيات جاءت من خبرة العمل الروائي والتدريب عليه أثناء الدراسة الجامعية.

ولكنني منذ البدايات اخترت أن تكون جميع الأفلام الوثائقية التي عملت عليها شخصية ومنحازة للذاتي وليس للموضوعي، وتنتمي إلى الفني أكثر من انتمائها إلى أسلوب التحقيق الصحافي السائد الذي يُطل من خلال القنوات التلفزيونية والتي تُفضل انتهاج المعالجات المباشرة كلغة. أما فيما يتعلق بالأفلام الأخيرة فقد شجّعتني موضوعاتها وشخصياتها على الذهاب بشكل أكبر نحو الرمزية الجمالية بسبب تحفظ الشخصيات وصعوبة مناقشة بعض الموضوعات من وجهة نظرهم، وذلك لاعتبارات شخصية بحتة. كنتُ مضطرةً لإيجاد حلول بصرية لمعالجة تلك الموضوعات بشكل غير نمطي، وكنتُ أيضاً أحب أن ينحى الشكل إلى الأسلوب التعبيري الذي يشغلني بشكل شخصي سواء في الكتابة الشعرية أو التناول الأدبي. قد يكون الشعر قد سيطر على كل تلك الحالات ولم أتمكن من التملص من سطوته ولهذا انعكس ذلك على الاقترابات البصرية التي تضمنتها الأعمال الأخيرة.

الموضوعات التي تركزين عليها، أو الشخصيات التي تقومين بعمل وثائقياتك عنها، هي شخصيات نسائية قوية ومتمكنة في مجتمعاتها، هل يأتي ذلك بناءً على توجهات نسوية خاصة لديك ربما تسعى لإبراز المرأة الخليجية القوية والمتمكنة أم أن الأمر لا يتعدى تقديم نماذج مختلفة من المجتمع؟

- بالطبع كانت تلك النماذج النسائية الاستثنائية واحدةً من أهم الأسباب التي جعلتني أقرر الذهاب إلى عوالمهن لاكتشافها وتقديمها للجمهور لأنها تستحق تسليط الضوء عليها. إنهن يمثلن أمهاتنا وشقيقاتنا في جميع أنحاء الخليج العربي ومع أنهن يمارسن أدوارهن بملابسهن التقليدية وبراقعهن، إلا أن ذلك لم يكن عائقاً أبداً من تواجدهن في مواقع العمل وفي الجغرافيات النائية والقاسية. أنا ممتنة لهن لأنهن سمحن لي بدخول حيواتهن ومشاركتي قصصهن التي وجدت طريقها نحو الشاشة وإلى قلوب الناس.

النقلة من الشعر إلى السينما تبدو واضحة جداً في توثيقك، من حيث حركة الكاميرا، طبيعة اللقطات، الحوارات، سرد القصص، كيف توظفين نفسك الشاعري في سينماك وهل يمكن أن يكون لهذا النفس الشاعري تأثير على نوعية الجمهور الذي تجتذبه أفلامك؟

- الشعر يحضر رغماً عني، وهو الزاد الذي أبدأ به كل قصة وهو الرفيق الحقيقي والأمين، هو عيناي وأذناي وهو قلبي الذي يرى الأشياء قبل أن تصل إلى عقلي. الإنتاج السينمائي يحتاج للعقل والمنطق كثيراً، ولكن الشعر هو الذي يجلب الأحاسيس والعواطف ويقبض على الشخصي والمختلف والمبهر في كل حكاية وفي كل معالجة. ولأن السينما فن جماهيري فإن الجمهور يُقبل حتماً عليها لأنها تنقل له قصصاً من الواقع الذي ينتمي إليه أو يسمع عنه وخاصة حين يجد فيها تشابهاً مع شخصيات الحياة التي تتقاسم معه نفس الظروف المعيشية والتغيرات المجتمعية، وعندها يمكن حتى أن يراها بعين أخرى ليست بالضرورة بنفس النظرة الواقعية التسجيلية. من الممكن جداً أن يتقبل الجمهور رؤية بعض الموضوعات والشخصيات في سياقات أخرى لم يعتد عليها. من تجربتي الشخصية ألاحظ أن الجمهور يمكن أن يحب حتى الأسلوب والشكل والمضمون بدرجات مختلفة وبدون عنف. الرسائل تصل للقلوب حين تكون صادقة وغير مدّعية أو متكلفة. وأفلامي استطاعت أن تحصل على حب الناس والنقاد بنفس الدرجة وصرت ممتنة جداً لكل تلك المحبة التي تأتيني من الاتجاهين رغم كل شيء.

ضوء

* نجوم الغانم أديبة وشاعرة إماراتية ومخرجة سينمائية، حاصلة على شهادة البكالوريوس في الإنتاج والإخراج التلفزيوني من جامعة أوهايو بأميركا، في عام 1996، وحاصلة على شهادة الماجستير في الإخراج السينمائي من جامعة غريفيث بأستراليا، في عام 1999.

أصدرت الغانم عدداً من الدواوين الشعرية قبل أن تتجه إلى السينما، ومن أهم إصداراتها الشعرية ديوان مساء الجنة (1989) وهو أول ديوان لها، مساء الجنة (1989)، جاء بعده «الجرائر» (1991)، «رواحل» (1996)، «منازل الجلنار» (2000)، «لا وصف لما أنا فيه» (2005)، «ملائكة الأشواق البعيدة» (2008). بعدها اتجهت الغانم نحو السينما، لتقدم بعد إنهاء دراستها في جامعة أوهايو، فيلمين روائيين قصيرين، هما «الحديقة»، و»آيس كريم» وهما من إنتاج عام 1997. وبعد حصولها على شهادة الماجستير عادت لتقدم أفلاماً وثائقية جاء أولها فيلم «ما بين ضفتين»، عام 1999، وكان ذلك فيلم تخرجها. ورصدت الغانم من خلال هذا الفيلم تجربة «العبرة»، ما بين ضفتي خور دبي.

بعدها أخرجت الفيلم الوثائقي الطويل «المريد»، وهو أول إنتاجاتها وجاء عام 2008، وحصل على جائزة أفضل مخرجة إماراتية للإنجاز في مهرجان دبي السينمائي الدولي 2008، وجائزة أفضل فيلم وثائقي خليجي طويل في مسابقة أفلام من الإمارات. كما حصل على شهادة تقدير خاصة من مهرجان الخليج السينمائي عام 2008. بعد ذلك قدّمت الغانم فيلماً وثائقياً آخر هو «حمامة» عام 2010، وحصل على جائزة «المهر الإماراتي» من مهرجان دبي السينمائي الدولي (2010)، وجائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجان الخليج السينمائي في دورته الرابعة التي أقيمت عام 2011. وللغانم أفلام وثائقية طويلة أخرى منها «أمل» (2012)، و»أحمر أزرق أصفر» (2013)، و»سماء قريبة» (2014).

نجوم الغانم
نجوم الغانم




التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 7:33 ص

      اميرة الحسيني استاذة في الجامعة اللبنانية كلية الاعلام

اقرأ ايضاً