العدد 5227 - الأربعاء 28 ديسمبر 2016م الموافق 28 ربيع الاول 1438هـ

في أشكال وقيمة ما قُدِّم من نشاط ثقافي... البذخ الرسمي والعائد

هل كان العام 2016 حاضراً؟...

من أنشطة «مشق»
من أنشطة «مشق»

«الزمن بُعْدٌ فيزيائي رابع للمكان؛ بحسب نظرية النسبية الخاصة؛ لكنه لا يعدو كونه وسيلة لتحديد ترتيب الأحداث بالنسبة إلى معظم الناس». ذلك تعريف صارم وإشكالي في الوقت نفسه، وخصوصاً إذا نظرنا إليه باعتباره وسيلة لتحديد ترتيب الأحداث بالنسبة إلى «معظم الناس». بعض الأحداث لا مكان لها في الترتيب لدى بعض الناس أساساً، ذلك يعني أنهم خارج التعريف، وربما خارج الزمن!

ذلك الوعاء الآخر (الزمن)، إضافة إلى وعاء المكان، هو الذي يتحكَّم في مفاصل الحياة، أن نصنع أو نستهلك. أن نتفرَّج أو نكون في قلب الحدث وفاعلين فيه. أن نكون في متن الحياة أو على هامشها. كيف يكون الزمن حاضراً؟ ومتى يكون غائباً؟ ما الذي يُحدِّد حضوره، وما الذي يحدِّد غيابه؟

إحساس أي منا بقيمة دوره هو ما يضعنا أمام الحضور البارز للزمن، وغياب ذلك الإحساس، أو عدم الاهتمام بالدور أساساً، هو الذي يجعله منفياً وخارج الحضور.

بالنظر إلى الزمن على أنه كائن، هل ثمَّة احترام للعلاقة التي من المُفترض أن تجمع بينه وبين البشر، باعتبارهم كائنات خاضعة في الوقت نفسه إلى حصة زمن لأي منهم في هذه الحياة... عدد الأنفاس... في ذلك الموج المُتلاطم من النفوس.

بالعودة إلى السؤال الذي حمل عنوان هذه الكتابة: هل كان العام 2016 حاضراً؟ على الأقل في حدود ما قُدِّم من أشكال ومضامين ثقافية، يأتي التساؤل هنا. على المستوى الفردي، وبعض المؤسسات المستقلة، وتلك التي تبدو مستقلة، هنالك غلَبة واضحة، وبتكاليف تكاد لا تذكر. في الجانب الآخر من الصورة، ثمة بذخ رسمي على فعاليات وأنشطة ثقافية، تظل مُهمّة، ولكنها بمنأى في كثير منها عمَّا يشبه البلد ويقدِّمه... يقدِّم ثقافته، ونتاج انفتاحه على الثقافة الإنسانية. مرة أخرى، ذلك لا ينفي أهمية بعض ما قُدِّم، وببذخ يمكن رؤيته بالعين المجرَّدة. مثل ذلك البذخ كان يمكن له أن يُسعف ويُكثِّف من أنشطة فردية، وأنشطة مؤسسات مستقلة، وحتى تلك التي تبدو مستقلة، ويعمِّق ما تقدِّمه، وقد نرى بتلك الحوافز قيامها في أشكال ومضامين أخرى، في عدوى جميلة نفتقدها، عربياً على الأقل، كي لا نحصر الإشكال هنا.

بانتهاء العام 2016، يُمكن القول، وعلى المستوى الثقافي، إن الجهود الفردية، وجهود بعض ما تبقّى من مؤسسات ثقافية مستقلة، أو شبه مستقلة، ظلّت أكثر شخوصاً وحضوراً، وأثراً ربما، كي لا أدخل في حال من التعميم، وللمرة الثالثة، دون أن يعني ذلك أن الجهات الحكومية لم تُقدِّم فعاليات وأنشطة ثقافة تظل تُعبِّر في وجه من وجوهها عمَّا تُريده وتُكرِّسه وتُروِّج له، وأحياناً ما هو مُنفتح على الثقافة الإنسانية عموماً، وقليل من تلك الفعاليات على تماسٍّ مع طبيعة الثقافة هنا، وهمومها، واحتياجاتها، وإشكالاتها أيضاً.

الأضواء على المنسيِّين

بهذه الرؤية، التي قد يتفق معها أحد وقد لا يفعل، لا يُمكن أن نغفل الحراك والنشاط الذي بثَّه، على سبيل المثال مشروع «وجود للثقافة والإبداع»، في أوصال هذه الساحة وجسدها؛ إذ يكفي أن المشروع ذهب إلى «المنسيِّين»، أولئك الذين لم يجدوا لهم حصَّة من الأضواء الكاشفة التي استأثرت بها أسماء، ربما لعقود. تلك الأسماء كانت في يوم ما «منسيَّة» هي الأخرى، ولم تحظَ بالأضواء الكاشفة. بعضها شقَّ طريقه بنفسه... سهر على تجربته... تعثَّر... نهض... تم الاحتفاء المؤقت به... تم نبذه أحياناً... وجد فضاء ربما في الاحتفاء به خارج محيطه. بعض أُتيحت له تلك الأضواء الكاشفة بفعل تدخُّل العلاقات الشخصية في صنع الحياة والقيمة والمضمون بالضرورة. تجيير مثل تلك العلاقات الشخصية لا يُقدِّم بالضرورة حقيقة المشهد والأصوات الإبداعية هنا، والمضامين الناتجة عنها. وتهميشها في الوقت نفسه لا يعني أنها غير موجودة، لكنها توارت بفعل الإحباط، وبفعل التهميش، وبفعل الاستهداف أحياناً. مشروع «وجود» صنع ذلك. أوجد الأضواء الكاشفة لبعض المنسيِّين، وأتاح لتلك الأسماء التي كانت ستظل منسيَّة لزمن لولا مبادرتها السخية، فضاءات تليق بها، قد تصغر وقد تكبر، لكن أثرها بالغ ومؤثر، وبإمكانات محدودة، لكنه يظل سخاء بكل ما في الكلمة من معنى، وبفعل شجاعة المبادرة، والرهان عليها، وهو رهان أعتقد أنه لن يكون خاسراً في المقبل من الأيام.

مثل ذلك الإنجاز والمبادرة، سنلمس أثرها بشكل جليٍّ في المديين القريب والبعيد، لو تم تبنِّيها من قبل جهات رسمية، لديها الإمكانات، ولديها البُنى التحتية، ولديها التمويل؛ لا بالبذخ الذي تدشِّن به مشروعاتها، على الأقل بجزء يسير منه، وسنرى النتائج أمامنا شاخصة في ظرف سنوات قليلة. تجربتنا مع مسارات التعاطي مع الثقافة هنا، تشير إلى أنه لا أولوية قصوى في هذا الشأن، ويكاد يتحوَّل إلى رهان لا عوائد ستنتج عنه، ولكم أن تضعوا «عوائد» بين قوسين، أو أكثر من خط تحتها، في ظل ما حدث ويحدث، وبفعل دسِّ السياسة أنفها في كل تفاصيل الحياة، وما يرتبط بتلك الحياة، من دون أن ننسى الاصطفاف وما نتج عنه أيضاً!

الأثر المؤقت

الفعاليات والأنشطة الثقافية التي تتصدَّى لها الجهات الرسمية، يظل أثرها مؤقتاً، احتفائياً، عابراً؛ باستثناء الإصدارات، ومشروع ترجمة 50 كتاباً، و«البحرين الثقافية»، والقليل من الأثر في «ربيع الثقافة»، وانتهاء بأهم المشروعات التي سجَّلت تميزاً، مثل طباعة إصدارات المثقفين والمُبدعين هنا؛ وتم إيقاف ذلك المشروع؛ ناهيك عن الجوائز الهزيلة التي تم إيقافها، ذهاباً هذه المرة إلى جوائز كبرى لا ينالها المثقف أو المبدع البحريني، لأنها باذخة، والبذخ على المثقف هنا يبدو أمراً غير محمود ومكروه؛ لذا تذهب إلى أسماء خارج هذه الجغرافيا، وعلى المثقف هنا، وكذلك المؤسسات المستقلَّة وشبه المستقلَّة أن تعيش على الفتات، أو الكفاف، هذا إذا طالها شيء منه.

هل نحتاج إلى أن نتذكَّر «مشق آرت جاليري»، بأنشطته النوعية والمُلفتة، والحراك الذي أوجده، أو لنقل ساهم فيه على امتداد عام في نهاياته؟ هل أعارت جهة رسمية أدنى اهتمام لبقعة الضوء تلك؟ هل الرهان على فضاءات كـ «مشق» وغيره، خاسر؟ هل التنوُّع في الأنشطة، والتوجُّه إلى الفئات العمرية، والأنشطة المركَّزة والنوعية يمكن أن يشكِّل عبئاً أو خسارة لأي جهة رسمية، هدفها في نهاية المطاف تقديم جانب من الوجه الثقافي هنا والحراك الإبداعي؟ الوجه الذي كان رائداً ومبادراً وله حضوره العميق في المنطقة، ومنذ زمن مبكّر؟

هنالك أيضاً أسرة الأدباء والكتَّاب»، على رغم ما آلت إليه الأمور، وانفضاض كثيرين عنها بعد أحداث العام 2011م، والتركيبة التي أُريد أن تكون عليها، تحتاج - وهو الأهم أن تحقق استقلاليتها الكاملة، وسنسمع كلاماً يُندِّد بالإشارة إلى عدم استقلاليتها - هي الأخرى إلى التفاتة بعد ذلك إلى أن تكون بديلاً لطباعة الإصدارات وأيضاً قيامها بمسئولية مشروع جوائز سنوية للكتاب والمشروعات الثقافية والإبداعية، وكل ذلك يحتاج إلى موازنة تليق بتاريخ هذه المؤسسة، مع التأكيد عملياً على استقلاليتها التامَّة عن أية جهة.

المسألة لا تتعلق بالحضور، ذلك الذي حاولت جهات رسمية تكريسه في فترة من الفترات - ومازالت - فذلك الدور قامت به على أكمل وجه وسائل التواصل الاجتماعي اليوم، من دون بذخ ومن دون كُلف عالية. المسألة لا تتعلق بهذا الجانب. تتعلق بقيمة الإنسان في فضائه الواقعي والحقيقي، لا الافتراضي، ولا ضير بعد ذلك أن يبحث له عن فضاء ما بعد افتراضي!

ثمة جهات ومؤسسات من النوعية التي تناول هذا المقال إدخالها في النسيان، وكأنها ليست في المشهد الثقافي هنا، لا تسع هذه المساحة إحصاءها، جهة جهة، وجهداً جهداً.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً