العدد 5227 - الأربعاء 28 ديسمبر 2016م الموافق 28 ربيع الاول 1438هـ

الشعر العراقي تحت قصف «داعش»

ناظم القريشي
ناظم القريشي

عبدالله زهير -كاتب بحريني 

تحديث: 12 مايو 2017

ملف عن التجارب الشعرية الجديدة في العراق خصّصته مجلة «الشعر» المصرية (العدد162، صيف/ خريف 2016)، وتضمن حوالي 37 شاعراً، غالبيتهم من الوجوه التي توصف عادةً بجيل «ما بعد التغيير»، باستثناء ربما خمسة شعراء ينتمون زمنياً على الأقل لجيل التسعينيات من القرن الماضي. تبعاً لذلك، طافتْ إلى مُخيلتي العديدُ من الأسئلة بعد أن انتهيتُ من قراءة الملف كاملاً، متقصياً تجارب أغلب الشعراء على صفحات شبكة الإنترنت بشتّى أشكالها (لم أجد موقعاً واحداً متخصصاً في جمع النصوص والتجارب المتناثرة، بل إنّ بعض الشعراء لم أجدْ لهم نصوصاً سوى شذرات ونتف قلائل هنا وهناك؛ ولذلك فإن المادة التي حصلتُ عليها أزعم أنها غير كافية بتاتاً للقراءة والتعمق أكثر فأكثر).

أولاً: مَن يزعم أن هذا الملف يمثّل أنطولوجيا حقيقية للشعر العراقي الجديد؟ بمعنى من المعاني ألم يكن الأجدى تسميته «مختارات من الشعر العراقي الجديد»، بدلاً من إطلاق تسمية «الملف» التي توهم باتساعها لكلّ أو أغلب الأسماء؟

ثانياً: ثمة مسألة بالغة التعقيد في هذا الشأن، كيف لك أن تحصيَ الشعراء في العراق عددياً وببلوجرافياً في فترة معينة، ناهيك عن أن تنتقي من هذا المنتج المتناثر، خاصةً ونحن في عصر متشظٍ هلاميّ الطابع؟ مَن يجرؤ (لئلا نقول مَن يملك الحق) في المحصلة أن يضع ملفاً له شكل الأنطولوجيا يمكن أن يعطي الصورة الحقيقية لما هو عليه الشعر العراقي في اللحظة الراهنة، بملامحه واتجاهاته المختلفة والمتفردة؟

ثالثاً: ما الآليات التي اعتمدها معدُّ الملف (وهو هنا الشاعر والناقد ناظم القريشي) في جمع مادة النصوص؟ مَن الذي اختار هذه النصوص؟ وفقاً لأية معايير؟ وبِناءً على أية رؤية؟

رابعاً: إذا كانت الآلية المُتّبعة هي أن يُترك لكل شاعر حرية اختيار النصوص التي يراها ملائمة حسب المساحة المخصصة له، السؤال: بالطبع هناك من الشعراء من سيرفض المشاركة بصرف النظر عن مستوى شعرية نصوصه ومكانته الفنية، وبعضهم ربما يكون من أهم التجارب، وعندما تسقط هذه الأسماء هل ستصبح لهذا الملف أية قيمة على مستوى إعطاء فكرة عن حركة الشعر في هذا البلد؟

خامساً: هل يمكن الاكتفاء بالجهود الفردية مهما كانت استثنائية في عمل الملفات ذات الطابع الأنطولوجي وفي عمل كتب الببلوجرافيات الشعرية؟ هل لذلك علاقة بالعطب والفراغ اللذين يكتنفان المؤسسات الثقافية المنتشرة في البلدان العربية دون أن يكون لها أي جهد نوعي سوى أنها تتعامل مع الأدب والشعر والثقافة كظواهر إعلامية لحظيّة/ قصيرة الأمد ومحدودة النتائج؟ إذْ كما يقول أدونيس: «دائماً كانت حيويّة العالم الإسلاميّ العربيّ تتمثّل في الأفراد، وليس في السّلطات ومؤسَّساتها، وذلك بسببٍ من البنية السياسيّة الاجتماعيّة المُغلَقة التي تنهض عليها. ونرى شعراء وموسيقيين وفنّانين كباراً، لكن لا نرى مراكز كبرى علميّة أو معاهد كبرى فنّية أو متاحف كبرى للفنون القديمة والحديثة تليق بتاريخ العرب. ولا نرى حتّى مركزاً واحداً متميِّزاً خاصّاً بالشعر، وضعاً، ومكانةً ودوراً ومصيراً - وهو، إلى جانب الدّين، تراث العرب الأوّل..» (1).

هذه الأسئلة قد يستتبعها أسئلة متفرعة أو منفصلة عنها، لكنْ في المجمل لم يكن الملفُّ مقنعاً وشافياً في الإجابة عن تلك الأسئلة. وقد تصدّر الملفَ مقالان: واحدٌ إلى معدّ الملف ناظم قريشي؛ والآخر إلى الناقد المغربي عبدالعالي أناني تطرق فيه إلى نصوص شعراء «ميليشيا الثقافة». يرى أناني أن هذا اللقب «يربك من الوهلة الأولى، يخلق الفرق ويشدّ الانتباه. فضاؤها مؤثث بشعراء شباب عراقيين، يزرعون الحبّ بدل الخوف. سلاحهم ليس بنادق ولا أسلحة الدمار، بل مجرد كلمات مختارة بدقة وعناية، تلفّ في معاني هادفة.. إنها علاقة فريدة وغريبة بين أضداد، لكنها تفي بالمطلوب والهدف الذي يُحدث الفرق والذي خُلقتْ من أجله.» (2). بحقٍّ فإنَّ الاسم (ميليشيا الثقافة) ملفتٌ للغاية، غير أن المهم قبل الاسم وقبل كلّ شيء هو عمق التجربة ومدى قدرتها على التغيير والتجديد في حركة الشعر، لغةً ورؤيةً، وعلى مستويات التشكيل والدلالات. هي بالتأكيد مجموعة ثقافية تحمل فكرة التغيير من خلال الشِّعر، إلا أنّ الفجوة بين النظرية والتطبيق ستكون واسعةً ما لم يكن هناك جهدٌ صادقٌ في بلورة الرؤى والآليات فعلاً وممارسة.

وفي المقال الافتتاحي لناظم القريشي نلمح اعترافاً صريحاً بوجود عدد كبير من الشعراء المتميزين لم يضمّهم الملفّ: «حاولتُ قدر الإمكان رصد حركة الشعر المعاصر والتجارب الجديدة في هذا الملف، والشعراء الذين اخترتهم كنموذج لتميّزهم على رغم وجود عدد كبير من الشعراء المتميزين أيضاً ولكن لا نستطيع أن نضم الجميع» (3). وهذا الأمر يعكس المساحات الفارغة في الكم والكيف، والتي ستشي بأن ثمة ما هو ناقص وغائب للقاريء والمتتبع للمشهد الشعريّ العراقي خلال اللحظة الراهنة. فعلى سبيل المثال لا الحصر: أين هي نصوص علي محمود خضير وأكرم الأمير وحيدر كمّاد وسواهم. وهذا لا يعني بخسَ الجهد الذي قام به مُعدُّ الملف؛ إذْ لا مناص من وجود نواقص وإخفاقات في أي جهد أدبي، خاصة في الأعمال الملفاتيّة والأنطولوجيّة المتجهة إلى تكوين فكرة عميقة عن مشهدٍ شعريٍّ في مكان وزمان محدّدَيْن.

على رغم أنّ افتتاحيّة الملفّ في فقراتها وكلماتها تعدُ بما يغري بالجديد والنوعيِّ، كنتُ أبحث عن مصاديق حقيقية في النصوص تعضد ما أغرت به الافتتاحية المشحونة بالعبارات العظيمة والمتباهية، حيث يقول القريشي: «إن نصوص الشعراء البهية تؤسس إلى ذائقة تحض على وعي نقديّ لما تثيره من قوانين الجمال الذي يفضي بنا إلى مشارف الدهشة بكل رؤاه من خلال المجاز والانزياح والصورة الشعرية، وسنتعرف من خلال هذا الملف على تطورات النوع الشعريّ وما حققه من تحولات نوعية ومعطيات أغنت بها القصيدة بإرهاصاتها وتوجساتها» (4). والمعوَّل بعد ذلك أن يستمر التعاطي المتبادل والحرّ بين المؤسسات الشعريّة ومن ضمنها المجموعات والأندية والمراكز المعنية بالشِّعر لتسهيل الحصول على مادة ثقافية وشعرية تكفي القارئ العربيّ بمختلف مستوياته وفي كلّ الجغرافيات في العالم للاطلاع على المشهد الشعريّ خصوصاً، والمشهد الثقافي عموماً في كلّ بلد.

1. أدونيس: الوردة، هي أيضاً تبكي (Online). جريدة الحياة، 8 ديسمبر 2016. http://www.alhayat.com/Opinion/Adonis/

2. عبد العالي أناني، العود الأبديّ واستلهام المتراكم في الذاكرة (ميليشيا الثقافة أنموذجاً).مجلة الشعر. القاهرة، العدد162-صيف/ خريف 2016، ص8.

3. ناظم القريشي، هو الذي كتب على الطين (ملف عن التجارب الشعرية الجديدة في العراق). مجلة الشعر. القاهرة، العدد 162-صيف/ خريف 2016، ص6.

4. المصدر السابق، ص7.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً