العدد 5228 - الخميس 29 ديسمبر 2016م الموافق 29 ربيع الاول 1438هـ

أبو العريف والتشخيص الطبي

فاطمة النزر

أخصائية علاج نفسي

من الاضطرابات النفسية التي نواجهها في مجال عملنا هو اضطراب الشخصية الحدية (Borderline personality disorder) ويرمز له اختصاراً (BPD)، والذي يتضمن أعراضاً متمثلة في مشاعر خارجة عن السيطرة، علاقات غير متوازنة مع الأشخاص، قلق ينتاب الشخص بتخلّي الناس عنه وهجرانه، سلوك مؤذٍ للذات، اندفاعيّة، ويُصاحب غالباً بالاكتئاب أو القلق أو الغضب.

ومن أكثر أعراض اضطراب الشخصيّة الحدّي تميّزاً هي الحساسية تجاه الرفض الاجتماعي، والأفكار والمخاوف أن يلفظ ذاك الشخص من المجتمع، ويمكن أن يتعدى الأمر إلى حدوث اضطراب في مفهوم الهوية والقيم الذاتية، بحيث يمكن أن ترد أفكار جنون الارتياب عندما يشعر بالتوتر.

بعد أن يقرأ معظمكم ما سبق، سيعتقد عدد غير قليل من القراء أنهم مصابون باضطراب الشخصية الحدية، فيما سيعتقد البعض الآخر أن أحداً من أبنائهم مصابٌ بما سبق، خصوصاً إذا أضفت أن هذا الاضطراب يبدأ في مرحلة المراهقة، وببساطة هذا ما أردت أن يعتقد من يقرأ هذه السطور.

فشخصياً هذا ما أصبحت أواجهه، وأعتقد أن هذا ما أصبح يواجه العديد من زملائي الأطباء، فما كدنا ننتهي من مدّعي التخصصات النفسية والطبية والاستشارية ومتخصصي «الإنستغرام» من ذوي الشهادات التي لا تستغرق سوى أسابيع، حتى بتنا نواجه مشكلة أخرى مع مرضانا وهو البحث في الانترنت عن التشخيص المناسب لحالاتهم المرضية.

وقد يكون من المفيد أن يعرف الفرد أذا أصيب بمرض أو اضطراب ما، الطريقة المناسبة لتغيير نمط حياته مثلاً، للتحسن من المرض أو حتى الوقاية منه، ولكن المصيبة عندما يقرأ المقالات والمعلومات التي تطرح هنا وهناك عبر الانترنت وعبر وسائل التواصل الاجتماعي لاستنزاف أموال الناس، ويأتيك بتشخيص جاهز لحالاته الصحية والنفسية ويجادلك بها، لأن «الدكتور الانستغرامي» قد قال ذلك، وعدد متابعيه يفوقون التوقعات، أو أنه بدأ يقرأ في الانترنت عن ما يصيبه من أعراض وهو متأكدٌ أن هذا يعني أنه مصاب بالمرض الذي يتحدث عنه الموقع.

لهؤلاء أقول: إن التشخيص النفسي أو الجسدي لا يعتمد على سطر أو معلومة غير مؤكدة من أحد الأشخاص أو المواقع غير المتخصصة حتى وإن سبق اسمه حرف «الدال»، فهل أصبحنا نقيم خبرات الناس وشهاداتهم بعدد متابعيهم على «الانستغرام»؟ فأي تشخيص طبي يحتاج إلى العديد من الاختبارات والفحوصات والجلسات، وليس استشارة عبر الهاتف أو في مواقع التواصل الاجتماعي. لهذا فأنا شخصياً أرفض أن أتعامل مع من يوجّهون لي الأسئلة أن أشخصهم وأحلل الشخصيات عبر هذه المواقع، فأسلوب «أبو العريف» الذي يشخّص ويحلّل الأمراض ويعطي العلاج، أمر مرفوض مني ومن جميع المتخصصين. وأملي كبير في أن يدرك الأفراد هذا الأمر، إضافةً إلى ما تقوم به حالياً هيئة المهن الطبية من عملية ضبط للمهن الطبية والمهن الطبية المساندة.

مع ذلك، أعتقد شخصياً أن على الأفراد مسئولية كبيرة في إدراك هذا الأمر والوعي به، فما أكتبه هنا يصف حال عدد غير قليل من المرضى المترددين علينا، ويكونون في مراحل متأخرة من الاضطراب أو المرض لمجرد أنهم شخّصوا أنفسهم عن طريق هذه البيانات المنقوصة وغير العلمية.

فاطمة_السيكولجست: أفضل ما في الزمن أنه يمر بسرعة، وهذا أسوأ ما فيه أيضاً. إبراهيم نصر الله

إقرأ أيضا لـ "فاطمة النزر"

العدد 5228 - الخميس 29 ديسمبر 2016م الموافق 29 ربيع الاول 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 12:52 ص

      صباح الخير... هؤلاء مثلهم مثل خبراء "بوفوطة" الذين ذكرتيهم في مقال سابق... شكرا لك أخت فاطمة...

اقرأ ايضاً